منوعات علمية > العلم الزائف
الألعاب الشيطانية، لوح الويجا
يَشتهر لوح الويجا حول العالم كلعبةٍ وأداةٍ مفترضةٍ للتواصل مع عالم الأرواح، وكلمة ويجا مستمدةٌ من كلمتي "نعم" باللغتين الفرنسية والألمانية (oui و ja)، وهي لعبةٌ بسيطةٌ تتألف من جُزأين هما "اللوح" و "planchette " وهي قطعةٌ صغيرةٌ بقياس الكف يُشبه شكلها القلب صُممت لتنزلق بسلاسةٍ على اللوح باستخدام عجلاتٍ صغيرةٍ أو رقائق اللّباد، وعندما يُوضع عليها زوجان أو أكثر من الأيادي تتحرك من تلقاء نفسها، وتُنسب هذه الحركة لتأثيرٍ غامضٍ خارجٍ عن إرادة الإنسان يُسيطر على هذه القطعة ويحركها على امتداد اللوح، لتُجيب على الأسئلة عن طريق تهجئة الإجابات بوقوفها توالياً على الأحرف والأرقام، وهناك تنوعٌ كبيرٌ بألواح الويجا، التي تُزَيَّن عادةً بمجموعةٍ واسعةٍ من الرموز كالشّمس والقمر والنجوم، أما العناصر الأساسية المُشكِّلة لها فهي الأحرف الأبجديّة والأرقام من 1 إلى 9 مع الرقم 0 وكلمات "نعم لا وداعاً" وبالطبع ألواح الويجا غير الإنكليزية تستخدم أبجديّتها الخاصّة.
العودة إلى تاريخ الويجا وكيفية تحوَّله لأداةٍ تستحضر الأرواح
رُغم أن بعض المصادر تدَّعي أنَّ تاريخه يعود للإغريق القدماء، إلا أن الحقيقة تُشير إلى حداثةِ عهد هذا اللوح، والذي اختُرع في أواخر القرن التاسع عشر 1890، من قبل اليجاه بوند Elijah Bond ليبيعه لاحقاً لوليام فولد William Fuld الذي أدرك قُدرته على تحقيق الأرباح الطائلة ليُباع أخيراً لشركة Parker Brothers في عام 1966، ويُعتبر اللوح إحدى أدوات العرافة التي لا تُحصى والتي استُخدمت لآلاف السنين بدءاً من قراءة أوراق الشّاي وصولاً إلى علم التنجيم.
كَتب ايريك ايلايسون Eric Eliason في موسوعة التراث الشعبيِّ الأميركي ملاحظاتٍ عن تغيُّر نظرة المجتمع للعبة مع مرور الوقت، حيث اعتُبرت لفترةٍ طويلةٍ من تاريخها المبكر كوسيلةٍ للتسلية لا علاقة لها بالتنجيم حتى عهد بيرل كوران Pearl Curran الشّخصية المشهورة بفترة الحرب العالمية الأولى بالإنعاش الروحاني، حيث بدأت ببيع الويجا كأداةٍ للغوص بالمستقبل وإيجاد الأشياء الضائعة وطلب المشورة اليومية والاتصال بالأرواح، ويستخدمها آلاف الأمريكيين للتأكّد من سلامة أحبّائهم الذين يقاتلون في أوروبا، وهذه الفكرة كانت مسؤولةً بدرجةٍ كبيرةٍ عن شهرة لوح الويجا العصريَّة كأداةٍ حقيقيةٍ للتنبؤ والتواصل مع الأرواح، وفي الحقيقة يُؤمن العديد من الناس بهذه الفكرة الخارجة عن المألوف مِثلما يؤمنون بأدوات الرجم بالغيب الأخرى كأوراق التّاروت ورقّاص السّاعة وتحدي تشارلي وحتى التنويم المغناطيسي، فلوح الويجا بالنسبة لهم يمكنه الاتصال واستدعاء الأرواح الشريرة بما فيها الشيطان، كما يعتقدون أنه يُمكن أن يتسبب لهم في بعض الأحيان بمسٍّ شيطانيٍّ كاملٍ، إلا أنّ مُلّاك اللعبة Parker Brothers غير المستعدين لعداوة قطاعاتٍ واسعةٍ من المعارضين للطريقة الشّائعة لعمل اللوح، يؤكدون تشجيعهم لفكرة اللّعبة الأصلية كلعبة مسليّة وغير ضارّة بدلاً من استخدامها لاستدعاء الشّياطين.
هذهِ المكانة الشّعبية للوح التي تُصوِّره كأداةٍ تآمريةٍ ووسيلةٍ للاتصال بالأرواح والشياطين جعلت منه عنصراً أساسياً بنشر الذعر والخوف ضمن مئات أفلامِ الرُعب من بينها "The Uninvited" (1944) و "The Exorcist" (1973) و "The Changeling" (1980) و "Witchboard" (1986) و "Paranormal Activity" (2007 وأخيراً فلم Ouija في العام 2014.
كيفية عمل لوح ويجا
يستطيع لوح ويجا تهجئة الأسماء وكلماتٍ أُخرى عن طريق ثقبٍ موجودٍ بقطعة "planchette " فيظهر فيه حرفٌ أو رقمٌ أو كلمةٌ محددةٌ عند توقُّف القطعة عن الحركة، فيبقى السؤال كيف تتحرك هذه القطعة؟ ومن يحركها؟ هل هم اللاعبون أنفسهم أم الأرواح؟
عند الاحتكام إلى المنطق والحسِّ السليم نَرى أن لا قدرة للوحٍ على الاتصال مع الأموات، فلو كان يفعل ذلك لن تتبقى لدينا أي جرائم قتل غير محلولة، حيث يُمكن للشرطة ببساطةٍ استعمال لوح ويجا للاتصال بالضّحايا المقتولين وسؤالهم عن كيفيّة موتهم وما هي مُلابسات الجريمة وحتى تسمية قَتَلَتِهم، وإذا كانت الأرواح تتحكم حقاً بحركة قطعة "planchette " على لوح ويجا باستقلالٍ عن أيِّ اتصالٍ بشريٍ فذلك يعني أن اللعبة يجب أن تُجيب عن أيّ سؤالٍ بدون لمسها من قبل أحد، وكل ما يتوجب على اللاعبين فعله هو الجلوسُ بعيداً ليطرحوا الأسئلة وانتظار قِطعة "planchette " كي تنطلق لوحدها لتجيب عنها، وهذا لن يحدث بالتأكيد لأن وَضع اللاعبين لأيديهم على القطعة هو السّبب وراء حركتها بحثاً عن الإجابات، رغم كون حركة planchette عبر اللوح تبدو غامضةً للمشاركين الذين يؤكدون جميعاً بأنّهم لا يحركون عن عمدٍ أي شيء، يعلم الخبراء السّبب حيث فسّروا ذلك بالتأثير الفكري الحركي ideomotor effect"" ، فالمشاركون بوضعهم أيديهم على قطعة "planchette " يُحركونها لا إرادياً عبر اللوح، مما يعني أن الحَديث عن تأثيراتٍ خارجيةٍ خارقةٍ ما هو إلا خُزعبلاتٌ وأوهام.
أما من ناحيةٍ علمية أكثر فقام الباحث كريستوفر فرينش باستقصاء فرضيةٍ تشرح السر وراء العديد من ألعاب العرافة الترفيهية، كما في الويجا أو الطاولة الدوارة على سبيل المثال (وهي لعبة مدرسية قديمة تُمارس في الردهة حيث يضع الناس أيديهم على الطاولة وينتظرونها حتى تدور حسب مشيئتها)، ووجد أن هذه الألعاب تشمل قيامنا بأفعال لاإرادية، وقد تم تفسير هذا علمياً بسبب التأثير الفكري الحركي، والذي وُصِفَ لأول مرة في القرن التاسع عشر من قبل الطبيب الانكليزي William Carpenter. يقترح التأثير الفكري الحركي أن حركة العضلات اللاإرادية للأشخاص الذين يستخدمون قطعة البلاستيك بلعبة الويجا أو الأشخاص الجالسين حول الطاولة بلعبة الطاولة الدوارة تؤدي بهذه الأشياء لأن تتحرك أو تدور.
ويمكننا أيضاً القيام باختبارٍ بسيطٍ لمعرفة مدى مصداقية استحضار الويجا للأرواح بسهولةٍ من قبل أي شخص. وكل ما يتطلبه الأمر زوجٌ من عصائب الأعيُن (أو غطاء طاولة أو ورق المقوى لحجب نظر المشاركين عن اللوح) وشخصٌ ثالث لمراقبة اللوح وتسجيل ملاحظاتٍ عن أماكن توقف قطعة planchette ، حيث ستكون النتيجة دائماً بهذه الطريقة ثرثرةً وكلاماً مبهماً من الأحرف والأرقام التي لا تحمل أي رسالة أو معنى ، فلو كانت الأشباح أو الأرواح هي التي تقود قطعة planchette فلا يهم إذا ما كان يُمكن للمشاركين رؤية اللوح أم لا، وهذا يؤكد أن الأشخاص همِ المسؤولون عن حركة القطعة حتى ولو لم يدركوا ذلك.
الويجا لعبةٌ تقوم على خِداع الذات وتستمد شعبيتها من إحساس اللاعبين الممتع والمخيف بنفس الوقت بالاتصال مع الأموات، ولكن بعد كل ما سبق لو افترضنا أن لوح الويجا يقوم باتصال روحي حقيقي، فهل تعتقد أنَّ بإمكانك شرائه ببساطةٍ من متاجر الألعاب بجوار لعبة المونوبولي.