البيولوجيا والتطوّر > التطور
لماذا يمتلكُ البشرُ ذقوناً دونَ باقي الحيوانات؟
الذَّقنُ بروزٌ عظميٌّ من الفكِّ السفليِّ في أسفلِ الوجهِ؛ وما يميزُّها، هو أنَّ البشر فقط دون باقي الحيوانات، يمتلكونها. خذ أيَّ حيوانٍ، حوتٌ، كنغرٌ، صقرٌ، بل وحتى شمبانزي – الحيوانُ الأكثرُ قرابةً جينياً (وراثياً) لنا-لا يمتلكُ الذقنَ، ولا أي حيوانٍ آخر من الرئيسيات كالغوريلا حتَّى، حيث ينزلقُ طرفا عظمِ الفكِّ السفلي بانسيابيَّةٍ دونَ تشكيلِ أيِّ ذقنٍ. وما قد يجعلُ الأمورَ تزدادُ غرابةً هو عدمُ وجودِ الذقنِ لدى القردة العليا Hominid بكاملها وهي شجرة العائلة التي تشكلت عند انفصالِ أسلافِ الإنسانِ عن أسلاف الشِّمبانزي، والتي تتشابهُ أنواعها بالكثيرِ جداً من الصفاتِ، فكلُّ أفرادِها يمشونَ على رجلينِ، إلَّا أنّ نوعَ النياندرتال Homo neanderthalensis على سبيل المثال، لا يمتلك ذقناً؛ لا بد أن سبب غرابة الذقن قد توضح الآن، إننا نحن البشر الحديثون Homo sapiens، الوحيدون الذي يملكون الذقنَ. ما فائدتها، ولماذا تشكلت لدينا؟
هناكَ عِدَّةُ فرضياتٍ ونظرياتٍ تمَّ وضعُها لتفسيرِ تشكُّلِ الذَّقنِ، إحداها تقولُ أنَّ الذقنَ تفيدُ البشرَ في عمليَّةِ المضغِ حيثُ تساعدُ الفكَّ السفليَّ على تحمُّلِ الضغطِ الناتجِ عن هذه العمليَّةِ –عملية المضغ-، لكنَّ يقول العالِمَ James Pampush من جامعة "Duck" إنَّ الذَّقنَ موجودةٌ في المكانِ الخاطىء لتساعدَ في المضغِ (مما يجعلُ هذه الفكرةَ التي تخصُّ سببَ وجودِ الذقنِ غيرَ قويةٍ علمياً إلى حدٍّ ما)؛ تتحدَّثُ فرضيةٌ أخرى عن أهميَّةِ الذقنِ في الكلام، لكن يقولُPampush إنَّ اللسانَ وحدهُ قادرٌ على القيامِ بهذهِ العمليَّةِ؛ يقترحُ البعض الآخر أنَّه ربما كانَ للذقنِ دورٌ في اختيارِ الشريكِ الجنسيِّ، أي من امتلكَ ذقناً كانَ "جذاباً أكثرَ" للجنسِ الآخر وبالتالي لديهِ فرصٌ أكبرٌ للتزاوجِ والإنجابِ مقارنةً بمن لا يمتلكها، وهذا ما يُسمى بالانتخاب الجنسي لصفةِ وجودِ الذقن، لكن هذه الصفاتِ التي تعملُ في الانتخاب الجنسي تكون موجودةً لدى جنسٍ واحد –كالشعر الطويلِ لدى الإناث فقط- أما الذقن فموجودة لدى الجنسين.
يقول Pampush قد تكونُ الذقنُ ناتجاً ثانوياً عن التطورِ، شيءٌ ما قد تغيَّرَ فأعطى الذقنَ، ربما بسبب التغيُّراتِ التي رافقت تطوُّرَ البشر كتغيُّرِ مِشيَتِهم أو قِصَرِ وجههم أو حتى أثراً باقياً من فترةِ كان الفكُّ السفليُّ فيها أطولَ.
إذاً، فقد تكونُ الذقنُ ناتجاً ثانوياً عن تصغيرِ حجمِ الوجهِ الذي أصابَ الإنسانَ في الـ Pleistocene*، وبالتالي، فإنَّ فهمنا للسببِ الذي جعل الوجهَ أقصرَ، سيجعلنا بدورِه نفهمُ سبب امتلاكنا للذقن.
هذه الفرضية جيدةٌ كغيرها من المقترحاتِ التي أُشيرَ إليها سالفاً، لكنَّها أيضاً تواجِهُ بعضَ المشاكِلِ، فنحن لا نستطيعُ أن نُخضِعَ النواتِجَ الجانبيَّةَ للتطورِ –وهي في حالتنا الذقن- إلى الاختبارِ بسهولةٍ، خاصةً إذا لم تكن تملك وظيفةً معروفة. لكن، وبغضِّ النظرِ عن هذا، فإننا، وعندما نعرفُ سبب تطوُّرِ الذقن، سنضع قطعةً أخرى من اللُّغزِ في مكانِها الصحيح، وهذا اللغزُ يدورُ حول ما يجعلُنا مختلفينَ عن باقي القردِة العليا كالنياندرتال وعن الشمبانزي وغيره.
نختم بما يقوله Pampush عن الذقن:
"ربما تُخبرُنا ما الذي أعطانا الخطوةَ الصغيرةَ الأخيرةَ لنصبحَ متطورينَ تشريحياً".
*الـ Pleistocene: هو إحدى الفترات Epoch الجيولوجية، والتي تتميز بدوراتٍ متتاليةٍ من تجمُّدِ الأرضِ وفتراتٍ غيرِ متجمِّدةٍ –لاتجمدية- تفصلُ بين الفتراتِ التجمُّديَّة.
يبدأ الـ Pleistocene في الفترة 2،588،000 و 1،800،000 سنةٍ قبل الآن، وينتهي عند 11،700 سنة قبل الآن.
المصدر:
البحث الأصلي: