الفيزياء والفلك > مقالات بقلم فيزيائيين وفلكيين معاصرين
لِماذا يُعَدُ إكتشافَ كوكبٍ شبيهٍ بالأرض أمراً بالغَ الأهميّة؟
يُبعِدُنا صَخبُ الحياة اليوميّة مُعظَمَ الوَقتِ عَن الاهتِمامِ بالاكتِشافاتِ الثوريّة، فعندما نجح الأَخَوان رايت في جَعلِ طائرتهما الشراعيّة تطير، كانَ الناس حَولَ العَالم مَشغولينَ بحياتِهم اليوميّة. لَم يَتخيَّل أيٌّ منهم في ذلك الوقت أنّه وبعد عدّة عقودٍ من الزمن سَيجلِسُ الملايين من البشر كلّ يومٍ في طّائراتٍ نّفاثة لِيُشاهِدو برامِجَهُم التّلفزيونيّة المُفضّلة على ارتفاع خَمسةِ أميالٍ عن سَطحِ الكوكب.
وبالعودةِ إلى وقتِنا هذا، أعلنَ الفلكيّونَ في 23 آب 2016 عن اكتشافٍ ثوريّ. فقد اكتَشفوا كوكباً يَدور حول النّجم بروكسيما سنتوري Proxima Centauri الّذي يُعتبَرُ أقرَب النُجومِ إلى شمسنا.
رُبما سَمعت بهذا الخَبَر، لكن هل استَمعتَ إلى الخبرِ فِعلاً؟
لنفكِّر بهذا الاكتشافِ وأهميّتهِ قليلاً. إنّ الكون كبيرٌ جدّاً، إذ تمتَدُ مجرّتُنا "درب التّبانة" وحدَها على مسافةٍ قدرها 100 ألف سنة ضوئيّة. تجدُرُ الإشارةُ هنا إلى أنَ السّنة الضّوئيّة هي المسافة التي يقطعها الضّوء خلال سنةٍ كاملة وهي تُعادِل 6 ترليون ميل (10 ترليون كيلو متر تقريباً).
هذا الحجمُ الهائلُ للمجرّة يعني أنّ الكثيرَ مَن نجومِها يبعُد عنّا آلاف السّنين الضّوئيّة، وهي مسافاتٌ طويلةٌ جداً لو أخذنا بعين الاعتبار أنّ أسرع المركباتِ الّتي صَنعناها الإنسان تَحتاجُ إلى مئاتِ الآلاف من السنين لنَعبُر بِها سنةً ضوئيّةً واحدة. أمّا بالنسبة للنجم بروكسيما سنتوري فهناك أمل، لِأنَ هذا النجم هو أقربُ هذه النجوم.
إن قُرْبَ هذا النجم هو أمرٌ بالغُ الأهميّة، فكما يَقول العالِم أينشتاين لا شيء في الكون يتحرّك بسرعةٍ أكبرَ من سرعة الضّوء، وهذا يُقيِّدُ الزّمان والمكان مَعاً ويجعَل من الوصول إلى أقاصي الفَضاء أمرًا شِبهَ مُستَحيل. وحتى لو اخترعنا تقنيات متطورّة تمكِّننا من السفر بسرعة تبلغ 10% من سُرعة الضّوء فأننا سنحتاج إلى قرونٍ وألفياتٍ للوصول إلى مُعظم النّجوم. وبالتالي فإنَنا محظوظون باكتشافنا كوكبًا قريبًا كهذا، إذا أنهُ يَبعُد عنّا نحو أربعِ سنواتٍ ضوئيّة فقط، لذلك يُمكن لتقنيةٍ افتراضيّةٍ مُتطوّرة أن توصِلَنا إلى هُناك في رحلةٍ تستغرق نحوَ أربعينَ عاماً. وإن استطعنا بلوغَ سرعاتٍ أقرب إلى سُرعة الضّوء فإن ذلك سيمكِّنُنا من الوصولِ إلى هذا النجم خِلال أقلِّ من عشرِ سَنوات.
لهذا فقد شكّلت فرضيَةُ وجودِ كوكبٍ يَدورُ حَوْل أيّ نجم من نظام ألفا سنتوري مادّة خصبة لروايات وأفلام الخيال العلميّ لِعقود (شاهد فيلم أفاتار على سبيل المثال). وفي الواقع فإن الكوكب الذي اكتُشِف حديثًا هوَ كوكبٌ صَخريّ، يَقع في مَدارٍ مناسب حول نجمهِ يُؤهِلهُ لاحتواءِ الماء السّائل (وبالتالي الحياة) على سطحه، وهذا ما يَجعَل من اكتشافه أيضًا أمراً بالِغ الأهميّة.
لن يكون هذا الكوكبُ مهرباً لنا من الكوارث البيئيّة التي قد تُصيب كوكب الأرض، فنحن لا نملك التّكنولوجيا الكافية لإرسال أيّ بشريًّ إلى هذا الكوكب في أيّ وقتٍ قريب، وحتّى لو استطعنا ذلك فإنّنا لا نعلَم بعد إذا كان لهذا الكوكب غلافٌ جويُّ حتّى، أو أنّه مجرّد صخرةٍ قاحِلة كبيرة.
وبما أنّ بروكسيما قريبٌ جداً، فأن التّلسكوبات المتطوِّرة التي نقوم ببنائها ستُعطينا قريباً تفاصيلَ غيرَ مسبوقةٍ عن هذا العالَمِ المُكتشفِ حديثاً وستساعدنا في الكشفِ عن أسراره، وهذا بحدّ ذاته أمر مهم جداً.
كيفَ تواجد كوكبٌ صخريٌّ كهذا، يتميّزُ بوجودهِ في المَنطقة الصّالحة للحياة، حولَ أقرَبِ النّجوم إلينا؟
لا نعرف السبب ولكنّ هذا الكوكبَ موجودٌ فعلاً! إذ يُمكِنُ للطبيعةِ أن تَعمَل بطرقٍ مختلفة. وبغضِّ النّظر عمّا يبدو عليه هذا الكوكبُ اليوم، لّرُبما نتمكَّنُ بعد 5000 سنة من الوصولِ إليه وتغيير مناخِه بحيث يصبِحُ موطناً لمليارات البشر، ولهذا السّبب يُعدّ هذا اكتشفاً كبيراً. فبعد 5000 سنة ستختفي كلّ تفاصيلِ حياتنا وسَتُنسى أسماء كلّ الزُعماءِ السّياسيين، لكن لن ينسى أحدٌ اليوم الذي أُعلِن فيه عن اكتشافِ هذا الكوكبِ الجديد، وستبقى هذهِ مناسبةً للاحتفالِ بها.
نبذة عن الكاتب
آدم فرانك هو عالِمٌ في الفيزياء النظرية والفلكية من الولايات المتحدة الأمريكيّة، وأستاذُ في جامعة روشستر Rochester. يرأسُ حاليًا مَجموعةً من الأبحاث الّتي تهدِفُ لتطوير برنامجٍ حاسوبي مُتخصص في دِراسَةِ تشكّل وموت النجوم. وفي الآونة الأخيرة بدأ العمل في مجالات البيولوجيا الفلكية واستخراج المعلومات والنظريّات من البيانات الإحصائية المُختلفة.
فرانك هو مؤلِفُ كتابين: The Constant Fire، Beyond the Science vs. Religion Debate، وكتاب About Time، Cosmology and Culture at the Twilight of the Big Bang، ولهُ مُساهماتٌ عديدة في في صَحيفَةِ نيويورك تايمز والمَجلات العلميّة مثل Discover، Scientific.
المقال الأصلي: هنا