الطبيعة والعلوم البيئية > زراعة
الفحمُ الحيويَ... إضافةٌ واعدة لتعزيز تسميد النيات
تحسين الترب في البيئات الجافة:
يُعدّ تحسين الترب الفقيرة بالمغذيات أمراً بالغ الأهمية في المناطق الافريقية الجافة حيث انخفضت الإنتاجية الزراعية بشكل كبير نتيجة المناخ الجاف وافتقار التربة للمغذيات اللازمة لنمو النباتات، لاسيّما وأنها مقبلة على نمو سكاني كبير خلال المائة عام القادمة.
تنتشر التّرب الجافة Aridisols * بكثرة في بتسوانا وغيرَها من الدّول الافريقية، مما يحدّ من نمو نباتاتٍ هامّة تشكّل مصدراً للدخل القومي لهذه البلدان، كأشجار يطروفة كوركاس أو الجوز المسهل Jatropha curcas ** التي تُعدّ مصدراً للكتلة الحيوية، وهو ما دفع الباحثين ليطوّروا طرائقَ لتعديل خصائص التربة لتعزيز الإنتاج الزراعي في الأراضي غير المزروعة هناك.
لعب النّمل الأبيض تاريخياً –ببنائه سواتراً في النّظم البيئية الجافة–، دوراً رئيسياً في تحسين التربة***، مما دفع الباحثين للتفكير بطرقٍ صنعيّةٍ تحقق النتائج ذاتها وتعدل قوام التربة تدعى بمحسّنات التربة، فاتجهوا نحو الفحم الذي يتمتّع ببنية مسامية تسكنها الميكروبات اللاعب الأساسي في تخصيب التربة، ثم جرّبوا الفحم المنشّط، وأعطى نتائج جيدة في زيادة المغذيات وتقليل تسربها في التربة، وتعزيز قدرة النباتات على امتصاصها، وبالتالي زيادة إنتاج المحاصيل.
ازداد اهتمام الباحثين في الآونة الأخيرة بالفحم الحيويّ الذي ينتُجُ من الكتلة الحيويّة المتبقية بعد الحصاد، وقد تمت دراسة استخدامه لتعديل التربة في مختلف البلدان الافريقية، وفي دراسة حديثة نشرت في دوريّة Scientific Report، أظهر باحثوا مركز ريكن الياباني لعلوم الموارد المستدامة، أن الكتلة الحيوية المعالجة حرارياً بدرجات حرارة قليلة نسبيّاً، والتي تدعى بالفحم الحيوي، يمكنها تحسين نوعية التربة الفقيرة بالمغذيات الموجودة في المناطق القاحلة.
_________
تحضير الفحم الحيوي:
يتم الحصول على الفحم الحيوي عبر معالجة الكتلة الحيوية الزراعية المتبقية من النباتات حرارياً بدرجات حرارة منخفضة نسبياً بين 200 و300 درجة مئوية، وبغياب الأوكسجين أي في ظروف لا هوائية، وتدعى هذه العملية بالتحلل الحراري Torrefaction****، وقد قام الباحثون في هذه الدراسة بمعالجة الكتلة الحيوية المتبقية من محصول يطروفة كوركاس حرارياً حتى الدرجة المئوية 240، حيث تبخرت المياه داخل الكتلة الحيوية عند الدرجة المئوية 70، وبدء تحلل المواد العضوية فيها عند الدرجة المئوية 160، بينما بقيت ضمنها المواد القادرة على امتصاص كلٍّ من المياه والعناصر المغذية، إن تراكيز المركّبات السامة الرّئيسية في الكتلة الحيوية انخفضت إلى مستويات قليلةٍ جداً نتيجة التحلل الحراري، وبالمحصلة تحوّلت الكتلة الحيوية إلى مصدرٍ للمواد الغنية بالكربون مناسبٍ للاستخدام كمعدِّلٍ لقوام التربة.
_________
التجارب والنتائج
قام الباحثون في هذه الدراسة بدمج نسبة من الفحم الحيوي الناتج مع تربة جافّة من بوتسوانا، حيث شكلوا عينات من التربة بلغت نسبة الفحم الحيوي فيها 3% و5% إضافة إلى عينات لم تتم معالجتها بالفحم الحيوي، ومن ثم قاموا بتقييم آثار إضافة الفحم الحيوي على الخصائص الفيزيائية والبنيوية، ونمو النباتات، والديناميكيات الاستقلابية والميكروبية للتربة الجافة.
وقد أظهرت الخصائص الفيزيائية أن التربة المعالجة بالفحم الحيوي زادت قابليتها لاحتباس المياه، كما أنها أظهرت مستويات أعلى بكثير من تحمّل الضغط الخارجي المطبق فوقها، واحتاجت لوقت أقل لتعود إلى وضعها الطبيعي، مما يعني سلامة قوامها وبنيتها. وأظهرت الخصائص الكيميائية للتربة المعالجة بالفحم الحيوي توافراً أعلى للأملاح اللازمة لنمو النباتات، حيث أن مستويات البوتاسيوم، والفوسفور، والكبريت والصوديوم كانت أكبر فيها من التربة غير المعالجة.
أما عن نمو النباتات فقد نمت بوجود الفحم الحيوي بسوقٍ أكثر ثخانة، وبجذورٍ أكثر طولاً، وكانت أثقل من النباتات التي نمت في التربة غير المعالجة بالفحم الحيوي، كما أنها امتصت كميات أكبر من البوتاسيوم، وكميات أقل من المنغنيز العنصر المعروف بتثبيط نمو النباتات، مما يعني في المحصّلة أن النمو الأولي والامتصاص تحسّن في الترب المعالجة بالفحم الحيوي.
وجد الباحثون أيضاً أن مستويات الأحماض العضويّة التي تدعم نمو النباتات كانت أفضل في الترب المعالجة بالفحم الحيوي، وهذا يدعم فكرة قدرة الكتلة الحيوية على تعزيز تخصيب التربة. أظهرت التربة المعالجة تحسناً في عمليات الاستقلاب فيها، حيث سمحت نواتج الاستقلاب في هذه الترب بتوافر بيئة ميكروبية عملت على تعزيز نمو النباتات.
ومع هذه الخصائص المميزة حقاً للتربة المعالجة بالكتلة الحيوية الزراعية المتبقية المجففة أو ما يسمّى بالفحم الحيوي، يؤكد الباحثون أن استخدامات مثل هذه الترب قد تكون مفيدة جداً للأنظمة البيئية المحلية والعالمية، وأن الخطوة القادمة لهم هي توضيح التفاعلات المعقدة بين الميكروبات المتعايشة مع النباتات والنباتات للحصول على نمو أكثر كفاءة في البيئات الفقيرة بالمغذيات.
الهوامش:
(*)Aridisols هي إحدى رتب تصنيف التربة وفقاً للنظام الأمريكي لتصنيف الترب USDA Soil Taxonomyوهي تربة جافة شبه صحراوية تحتوي على القليل من المحتوى العضوي ويمكن زراعتها بشكل قليل بالنباتات التي تتحمل الجفاف أو الملوحة، ويمكنكم الاضطلاع على التصنيف الأمريكي للترب من هنا أو هنا
(**) يطروفة القحطة أو يطروفة كوركاس: هي نوع من النباتات تتبع جنس الجتروفا من الفصيلة الفربيونية. الشجيرة قادرة على إنتاج نوع نادر من الزيوت النباتية الذي يتم خلطه مع الوقود، وهو ذو قوة كبيرة ويساعد في عدم تلوث البيئة. كما أنها تساعد بشكل أساسي على محاربة التصحر لأنها تنبت في الأماكن المتصحرة والجافة ولا تحتاج إلى الكثير من المياه. وتسمى كذلك بشجرة الذهب الأخضر ويمكن أن تساهم في زيادة الدخل القومي للبلدان الفقيرة. لمزيد من المعلومات عنها هنا
(***) يمكنكم مراجعة مقالنا كيف يمكن للنمل الأبيض أن يحسّن البيئات الجافة؟ من هنا
(****) لمزيد من المعلومات عن الطريقة المستخدمة لتحضير الفحم الحيوي من هنا
المصدر:
الدراسة الكاملة: