لا أحدَ يرغبُ بروبوتاتٍ اجتماعيةٍ تُشبهُ البشرَ لأنّها تُهدد هويتَنا

استمع على ساوندكلاود 🎧

كُلنا يعلمُ كم هي مُريبَةٌ تلك الروبوتات بشريةُ الشكلِ التي تحاولُ أنْ تبدو وتتصرف كالبشر. نعم، قد نشعرُ تجاهها بشيء من التعاطف والإعجاب طالما أنها ما زالت في بداياتها، ولكن هل سنبقى مأخوذين بالإعجاب عندما تغزو هذه الروبوتات حياتنا، أم سيتحول شعورنا بشكل مفاجئ، كما يفترض بروفيسور الروبوتات في معهد طوكيو للتكنلوجيا ماساهيرو موري، من التعاطف إلى الاشمئزاز والنفور عندما يصبح سلوكُها شبيه بسلوك من ينبض بالحياة، وقد أطلق البروفيسور ماساهيرو على هذا التحول العاطفي اسم الوادي الخارق أو الوادي الغريب (uncanny valley).

بَحَثَتْ عدةُ دراسات في النقاط التي لا تعجبنا كبشرٍ في هذا النوع من الروبوتات الشبيهة بنا (الفيديو أدناه يوضح هذه الفكرة)، ويعتقدُ العديدُ من الباحثين أننا ننزعجُ عندما نفقدُ القدرةَ على التمييزِ بوضوحٍ بين ما هو بَشَريّ وما هو ليس كذلك. ولهذا نصنفُ الـزومبي (الميت –الحي) في أسفلِ دركٍ من الوادي الغريب، فهي تتجاوزُ ذلك الحدَّ من عدة نواحٍ، مما يجعلنا شديدي الخوف منها.

في أغلبِ الأحيانِ، لا تكونُ الروبوتات وحتى عظيمة التصميم والإبداع منها في ذلك المستوى مع الزومبي، لأننا في العادةِ يمكننا تمييزُها عن الإنسان بشكل أوضح، ولكن ما يخدعُنا في الروبوتات هو أنها تستطيعُ التعبيرَ عن الحالةِ البشريةِ بطرقٍ تتجاوزُ الشكلَ الفيزيائي فقط، فعندما تبدأُ بالتصرف كبشرٍ، أيّ ليس فقط الظهور بمظهرهم، تصبحُ الأمورُ أكثر تعقيداً. و هذا ما نراه بشكل واضحٍ في التوجهِ نحوَ تصميمِ روبوتات اجتماعية تتفاعلُ مع البشرِ بطريقةٍ شديدة البشرية.

جاءَ في ورقةٍ بَحثيةٍ حديثةٍ نُشرت في مجلة " international journal of Social Robot" بعنوان "عدمُ وضوحِ الفروق بين الإنسان والآلة: ظهورُ الروبوتات الاجتماعية في مظهرٍ بشريّ كتهديد للتفرد البشريّ" من إعدادِ فرانشيسكو فيراري وماريا باولا بالادينو من جامعة ترينتو في إيطاليا وجولاندا جيتين من جامعة كوينزلاند في أستراليا، جاء في هذه الورقة أنّ ما لا يعجبُ البشرَ في الروبوتات ذاتِ الشكلِ البشريّ، هو أساساً ما يرونه غزواً يهددُ تفردهم.

وقد أُجريت خلال السنوات الماضية الأخيرة استطلاعاتٌ لرأي الناس في كلٍ من أوروبا واليابان حول شعورهم اتجاه الروبوتات في حياتهم، وكانت النتيجة أن شعورَ أغلب الخاضعين للاستطلاع هو شعورٌ إيجابيٌّ اتجاه الروبوتات بشكلٍ عامٍ، ولكن مع رفضٍ قويّ لفكرةِ وجودِ روبوتات بشرية الشكلِ تقومُ بوظائف مثل تعليم الأطفال أو العناية بالعجزة. ولأنّ الروبوتات الاجتماعية مصممة لهذه الأدوار، فمن الأهمية بمكان أن نفهم من أين أتت هذه المشاعر كما يفسرها الباحثون:

لماذا يشعرُ الناس أن إدخالَ الروبوتات الاجتماعية إلى حياتهم سيكون له أثرٌ سلبي على البشر وهُويتهم؟

تمكننا الإجابةُ على هذا السؤال من فهم أسبابِ رفضِ هذا الابتكار التكنولوجي، وذلك من الأهمية بمكان، لأننا سنتمكن من الاستعمال الموسع للروبوتات الاجتماعية في المجتمع ككل، فقط إذا أزلنا الحواجز النفسية فيما يخصّ إدخال الروبوتات الاجتماعية إلى حياتنا.

وكإجابةٍ مقترحة على السؤال السابق: بما أنّ الروبوتات الاجتماعية بالتحديد مصممةٌ لتشبه البشر، لذا فإنها قد تهدد تفردنا كصنف بشري، وتبعاً لهذا التهديد لفرضية التفرد البشري، فإن التشابه الكبير بين الروبوتات الاجتماعية والبشر سيثيرُ مخاوفنا لأنه يطمسُ الحدودَ بين البشر والآلة، وهذا ما نراه مؤذياً للبشر كجماعة، ومُبدِلاً للهوية البشرية.

قام الباحثون لاختبار فرضيتهم بعرض سلسلة من الصور على مجموعة من الناس، لروبوتات ميكانيكية لا تشبه البشر ولروبوتات مشابهة للبشر شكلياً ولروبوتات تدعى روبوتات الإنسان الأوتوماتيكي أو أندرويد androids مثل روبوت جيمينويد في الصورة أدناه، وسألوهم عن الشعور الذي وصلهم حول الضرر المحتمل للروبوت على الوجود والهوية البشرية، وكما كان متوقعاً فلم يحب أحد روبوتات الأندرويد كثيراً، وكانت نتائج الدراسة كالتالي:

• كلما زاد الشبه الشكلي للروبوت بالبشر زاد شعورُ الناس بضرر هذه الروبوتات على البشر وهويتهم.

• يزيدُ تشابهُ الروبوت بالبشرِ من اعتبارِ الروبوتات مصدرَ خطرٍ على البشر وهويتهم، فكلما كان مظهرُ الروبوت أكثرَ بشرية، كلما زاد الإحساس بضبابية الحدود بين البشر والآلات.

وبكلمات أخرى، فإن نتائج هذه الدراسة تتلخص بأن قلقَ الناس ومخاوفهم من تهديد الروبوتات شديدة الشبهِ بالبشر على الهوية البشرية، يتعلق بحقيقة أن شبه هذه الروبوتات بالبشر يمكن أن يجعلنا نشتبه بها كواحد منا، أي أنها تقلل من إحساسنا بأننا بشر، ولذلك فإننا لا نحبها.

بالرغم من تركيز هذه الدراسة على الروبوتات الاجتماعية التي تشبه البشر، فربما يكون ما تمّ مناقشته فيها له نتائج أكثر عمومية، فسواء كان الروبوت الاجتماعي مشابهاُ للبشر أم لا، فإنه قد يثيرُ المشاكلَ نفسها بمجردِ كونه أفضل من البشر في أداء الأعمال، وهذا ما يهدد تفردنا. وكمثال على ذك لعبة الشطرنج أو مؤخراً لعبة GO، هي ألعاب أتقنها الحاسوب، ولذلك لم يعد فيها مهارات ينفرد بها البشر، فكلما أتقنت الحواسيب مهارات أكثر، كلما استحوذت الروبوتات الاجتماعية على تلك المهارات، وبالتالي فإن تفردنا كبشر سيتدهور أكثر فأكثر. وطالما أن هذا المنافسَ اجتماعيٌ، فإنه سيؤثر بعدد أكبر من الناس. يمكن أن نستنتج من هذه الدراسة، أن هذا التدهور التدريجي لهويتنا كبشر سوف يُنتِجُ نوعاً من ردة الفعل، فعندما تمتلك روبوتاً في بيتك يستطيع أن يفعل كل شيء تستطيع فعله بنفسك، وبطريقة ربما تكون أفضل من طريقتك، فهل سترغب حقاً بامتلاك روبوت كهذا؟

إن أغلب ما ذُكر في هذا المقال هو تفسيرات لفرضياتٍ وتخميناتٍ ومسوح استطلاع لآراء الناس، فكثيرٌ من الوقت يفصلنا عن تلك المرحلة التي تصلُ فيها الروبوتات إلى هذه الدرجة من التطور والانتشار، ولأنه ينبغي ألا نتجاهل المشاكل التي يمكن أن تعترضنا في تلك المرحلة، فنحن نقترح هنا بعضَ الطرق للحدّ منها، وعلى رأس هذه الطرق، ألا نصنع روبوتاتٍ شديدة الشبه بالبشر، فلِما لا نحافظ على الشكل الآلي للروبوت؟ فليس من الضروري مثلاً أن يكون للروبوت جلد وعيون وتعابير وجهية مثلنا.

يأمل الباحثون أن يتمكنوا في المستقبل من تقديم حلولٍ بشكلٍ محددٍ أكثر؛ لمنعِ تفاقم هذا التهديدِ الروبوتي لتفردنا البشري بالدرجة الأولى، كأن يتم تمييز الروبوتات عن البشر بوضوح، أو ربما منح الروبوتات عواطف تمكنهم من تهدئتنا وزرع الأمان في نفوسنا.

المصادر:

1- هنا

2- هنا