الطب > كيف يعمل جسم الإنسان؟
الجهاز المناعي - المقدمة
إنَّ جسمَنا في حالة حربٍ دائمةٍ ضدَّ ملايين الموادِّ والأحياءِ الغريبةِ التي تحاول غزوَه، وقد تؤدِّي هذه العواملُ العديدةُ إلى الإصابة بالأمراض والأوبئةِ، ولكنَّ جسمَنا قد طوَّر آليّةً لحماية نفسِه والدِّفاعِ عنه ضدَّ أي جسمٍ غريب، تتمثّل بالجهاز المناعي.
يختلف الجهازُ المناعيُّ عن غيره من أجهزة الجسمِ بأنَّه ليس جهازاً مخصَّصاً في عضوٍ معيِّنٍ من أعضاء الجسمِ، بل هو جهازٌ مرتبطٌ بالعديد من الأعضاءِ والخلايا المناعيّةِ المختلفةِ والتي تقوم بوظيفةِ الحمايةِ والدِّفاعِ عن الجسم.
إنَّ جسمَنا في حالة حربٍ دائمةٍ ضدَّ ملايين الموادِّ والأحياءِ الغريبةِ التي تحاول غزوَه، وقد تؤدِّي هذه العواملُ العديدةُ إلى الإصابة بالأمراض والأوبئةِ، ولكنَّ جسمَنا قد طوَّر آليّةً لحماية نفسِه والدِّفاعِ عنه ضدَّ أي جسمٍ غريب، تتمثّل بالجهاز المناعي.
يختلف الجهازُ المناعيُّ عن غيره من أجهزة الجسمِ بأنَّه ليس جهازاً مخصَّصاً في عضوٍ معيِّنٍ من أعضاء الجسمِ، بل هو جهازٌ مرتبطٌ بالعديد من الأعضاءِ والخلايا المناعيّةِ المختلفةِ والتي تقوم بوظيفةِ الحمايةِ والدِّفاعِ عن الجسم.
وتُقسم المناعةُ في جسمِنا إلى نوعين هما:
1- المناعةُ المُتأصِّلةُ (الطبيعيّة) Innate Immunity:
تُعتبر الخطَّ المناعيَّ الأولَ، وتستجيب بسرعة لأيِّ جسمٍ غريبٍ دون الحاجةِ إلى تعرُّضٍ سابق له. وتتضمّن العديدَ من آليّاتِ المقاومةِ كالحواجزِ الفيزيائيّةِ، والموادِّ الكيميائيةِ، والخلايا الموجودةِ في الجسم. وهي مهمةٌ جداً في بداية الإصابة. لا تزداد المناعةُ الطبيعيّةُ بازدياد التحامِها مع العامل المُمْرضِ ولا تستطيع التمييزَ بين العواملِ الممْرضةِ المختلفة. تعتمد بشكل أساسيٍّ على الخلايا المُحبَّبةِ granulocytes (مثل: الأَسِسات basophils، والحَمِضات eosinophils، والعَدِلات neutrophils) وعلى الوَحيدات monocytes، والبَلاعِم macrophages، والقاتلاتِ الطبيعية NK.
2- المناعة المكتسَبة Acquired (adaptive) Immunity:
استجابةٌ خاصّةٌ تحتاج إلى وقتٍ أطولَ لتعملَ، ولكنَّها تمتلك قدراتٍ متخصِّصةً للعوامل المختلفةِ، تحدث أثناء حياةِ الشخصِ كاستجابةٍ تكيُّفيةٍ لكلِّ عاملٍ من عوامل العدوى بشكلٍ مستقل. وتتضمّن تشكيلَ الذاكرةِ المناعيّةِ، فهي تعطي في أكثر الحالاتِ حمايةً مدى الحياة ضد المولِّدِ نفسِه. وهي فعَّالةٌ جداً في مقارعة العدوى، إلّا أنَّها تتأخر بضعةَ أسابيعَ أو أشهرٍ قبل أن تتفعَّل. وتعتمد على اللِّمفاويّات التائيّةِ واللّمفاويات البائيَّة (T and B lymphocytes).
مكوِّنات الجهاز المناعي:
أوّلاً - بعضُ الحواجزِ الفيزيائيةِ والأعضاءِ المناعيّةِ عند الإنسان:
- الجلد: يُعدُّ اكبرَ أعضاءِ الجسمِ وأولَ خطِّ دفاعٍ فيه، ويشكِّل حمايةً فيزيائيةً وكيميائيةً ضدَّ أكثرِ العواملِ الخارجيّةِ، إذ يغطّي الجسمَ بأكملِه، ويصعُب اختراقُه إلى داخلِ الجسمِ إلّا في حالاتِ القَطعِ والجَّرح. كما أنَّ العرقَ وإفرازاتِ الغددِ الدُّهنيّةِ تحتوي على موادَّ كحمض اللاكتيك والنشادر (الأمونيا) والتي تثبِّط الميكروبات.
- الأعضاء اللمفيّة: وهي أعضاءٌ تتجمّع فيها الخلايا اللمفاويّةُ مع خلايا غيرِ لمفاويّةٍ تكون مهمَّةً لنُضجِها أو لبدءِ الاستجابةِ المناعيةِ عندَها، وهي:
- أعضاءٌ لمفاويةٌ أساسيةٌ: حيث تُكمِل اللمفاوياتُ نضجَها فيها وهي:
نِقْيُ العَظْم (bone marrow): تنضج فيه الخلايا البائيةُ؛ أي أنّه يُعدُّ مَنشأَ الخلايا الدمويةِ ومَركزاً لِمفاويّاً.
غدّة التُّوتة (الغدة الزعترية) Thymus: تنضج فيها الخلايا التائية، ومنها يأتي اسم الخلايا اللمفاوية التائيّة T.
- أعضاءٌ لِمفاوِيةٌ ثانوية: وهي أعضاء تستطيع اللمفاوياتُ الالتقاءَ بالمستَضِدّاتِ* أو مولِّداتِ الضدِّ فيها (antigens)، مما يؤدّي إلى تفعيلها. وتتضمن الطحالَ والعُقَدَ اللمفاويةَ والعديدَ من الأنسجة المخاطيةِ اللمفاوية.
العُقَدُ اللمفاويةُ: حيث تشكّل الخلايا البائيةُ جُرَيباتٍ فيها، في حين تتركز الخلايا التائيةُ في المنطقةِ فوقَ القشرية.
الطحال: تحيط اللمفاويّاتُ بالشَّرايين الداخلةِ إلى العضوِ مُشكِّلةً كتلةً بيضاء. ويُسَمَّى الجزءُ الداخليُّ منه بالغمد اللمفاويِّ المُحيط بالشُّرَيْن (periarteriolar lymphoid sheath)، ويحتوي على خلايا تائيَّةٍ بشكل أساسيٍّ ويحيط به إكليلٌ من الخلايا البائيّة.
أما عن الأنسجة المخاطية اللِّمفِية فمنها:
- النسيجُ اللِّمْفِيُّ الهضمي GALT: ويتضمّن اللوزاتِ والزائدةَ الأنفيةَ والزائدةَ الدوديّةَ، ولَطَخاتِ بايَر Peyer's patches.
- النسيج اللِّمْفِيُّ المُرافقُ للقصبات الهوائيّة BALT: يحتوي على لمفاوياتٍ متنوّعةٍ تقوم بحماية أغشيةِ الرئتين، وتحتوي على بروتيناتٍ مضادّةٍ للميكروبات مثل اللايزوزيم** وعلى بعض الفاعِلات بالسّطح Surfactants. يُبدَّل هذا المخاطُ باستمرار ويتم ابتلاعه، حيث يَصعب على معظم الجراثيمِ البقاءُ على قيد الحياةِ في الوسطِ عالي الحموضةِ للمعدة.
- الدّموعُ واللُّعاب: تحتوي على أنزيماتٍ تدمّر الجسيماتِ الغريبة.
الفلورا المعويّة: تفرز الفلورا مبيداتٍ جرثوميّةً bacteriocins وأحماضاً تقتل المِكروبات الممرِضة، كما تقوم بالتنافس معها على المغذِّياتِ الضروريةِ وتحاول طردَها.
ثانياً - خلايا الجهاز المناعي:
الكُرَيّات البِيض:
والتي هي القسمُ المتحركُ من الجهاز المناعيِّ، تَنشأ جُزئياً في نِقْيِ العَظْم (المُحبَّبات والوَحيدات وبعضُ اللمفاويات) وتُكَمِّل بعضَها في النَّسيج اللِّمْفِيِّ (اللمفاويات وخلايا البْلازميّة).
ينتقل أغلبُها إلى مكانِ الإصابةِ، وتؤمِّن الاستجابةَ ضد العواملِ الممرضةِ، وتنقسم إلى:
أولا- خلايا محبَّبة (Granulocytes):
- العَدِلات: خلايا بالِعة محبَّبة، نسبتُها حوالي 62% من إجماليِّ الكريّات البيض، فهي الأكثرُ عدداً والأهمُّ في المناعة المتأصّلةِ. نَواتُها متعددةٌ، تقوم بهضم الموادِّ الغريبةِ (تهضم الجراثيمَ وتدمّرها بواسطة نوعَي الحُبَيباتِ التي تمتلكها). تحتوي العَدِلاتُ الميتةُ على الجراثيم الميتةِ والنسيجِ المتضرّرِ، وتُكوِّن القَيْحَ pus. يُنتِج القيحُ مُوَلِّداتٍ للحُمّى (بايروجينز pyrogens) والتي ترفع من درجة حرارةِ الجسمِ بهدف تثبيطِ نموِّ الجراثيم. تموت العَدِلاتُ دائماً بعد البلعمة، وتطلِق مواداً كيميائيّةً عند موتِها تَجذِب المزيدَ منها من الدّمِ إلى الموقعِ المصابِ، كما أنّها سريعةٌ في الاستجابة وفي تكوين الصّديد. تزداد العَدِلاتُ في الالتهابات الحادّةِ، وتنخفض عند التعرضِ للإشعاعِات، وفي حالِ الاستخدامِ المُطوَّلِ لبعض الصادّاتِ الحيويةِ (الأنتيبيوتيك) مثل الكلورامفينيكول، وعند الإصابةِ بالانفلونزا والحمى التيفيّة، وتحتوي على الفاجوسايتين phagocytine واللاكتوفيرين (مضادات بكتيرية) وعلى إنزيم الكولاجيناز.
- الحَمِضات: خلايا بالعةٌ محبَّبةٌ، نسبتُها حوالي 2.3 % من إجمالي الكريّات البيض. تشبه نواتُها حدْوَةَ الحصانِ في شكلِها. وهي أهمُّ دفاعٍ ضد الديدانِ الطفيليةِ والتي يصعب بلعُها، بتوجيه سمومِ تلك الدّيدانِ إليها حيث تقتُل وتثبِّط اليرقاتِ الطفيليةَ. للحَمِضاتِ دورٌ في مكافحة الأَرْجِيّة allergy (أو التحسُّسِ)، إذ تنجذبُ إلى موقعِ الأرجِيّة بعواملَ الانجذاب الكيميائيِّ (chemotactic factors) التي تطلقُها الأَسِساتُ أو الخلايا البدينةُ Mast cells، وتقضي على التفاعل الأَرْجِيِّ عبر إطلاقِ إنزيمِ الهيستاميناز، الذي يدمّر الحمضَ الأمينيَّ الهيستامين. تزداد الحَمِضاتُ في أمراض الحساسيّة مثل الربو والأكزيما والشَّرَى urticaria، وفي الأمراض الطفيليّة كالأسكاريس والبلهارسيا. تحتوي على إنزيمات الهيستاميناز والسُّلفاتاز، وتنخفض أعدادُها في حال العلاج بالكورتيزون الذي يثبّط نشوءَها في نِقْيِ العَظْم.
- الأَسِسات: خلايا بالعةٌ محبَّبةٌ، نسبتُها حوالي 0.4% من إجمالي الكريّات البيض، فتركيزُها منخفضٌ جداً. تشبه نَواتُها حرفَ s في شكلِها، وتوجد حولَ الوعاءِ الدمويِّ أو في الطبقةِ تحتَ المخاطِيّةِ، وتلعب دوراً في التفاعلات الأَرجيّة. تحتوي على الهيستامين والهيبارين وعامل الجَّذْب الكيميائي اليُوزِينيّECF . تفرز الأَسِساتُ الهيبارينَ كمضادٍّ للتجلّطِ، وتفرز الهيستامين كاستجابةٍ للالتهاب، ويحفِّز التفاعلَ الأرجِيّ عبر زيادةِ نُفوذِيّةِ الشُّعَيرات الدموية، كما تفرز عاملَ الجذبِ الكيميائيِّ اليوزيني الذي يجذب الحَمِضاتِ حتى تقضي على تفاعل التحسُّس. تزداد في حالة أمراض الحساسية والأمراض الطفيلية وفي الحصبة وتليّف الكبد.
- الخلايا البَدِينة: تشبه الأَسِساتِ ولكنها توجد في الأنسجة.
ثانياً- خلايا غيرُ مُحَبَّبة Non-Granular leucocytes:
- الوَحِيدات: تبلغ نسبتُها حوالي 5.3% من إجمالي الكريات البيض، وهي الأكبرُ من حيث الحجمِ ولديها العديدُ من الوظائف المهمّةِ. تشبه نَواتُها شكلَ الكُلْيَةِ وهي غيرُ محَبَّبةٍ، كما تمتلك أرجلاً كاذبة. توجد في الدمِ ولكنّها تتركه إلى الأنسجةِ حيث تُكمِلُ نضجَها لتصبحَ بلاعمَ (macrophages)، وهي خلايا بالعةٌ تمتلك خصائصَ أخرى هامّة. تلتهم الوَحيداتُ الجراثيمَ والفيروساتِ أثناء وجودِها في الدم، وعند تحولِها إلى بلاعِمَ في النَسيجِ تَلتهمُ الأحياء الدقيقةَ (الميكروبات) والخلايا الميتةَ والخلايا القَيْحِيّة. تتّحد لتشكلَ خلايا عملاقةً لتلتهمَ الأجسامَ الضخمةَ، وتستمر بالحياة بعد البلعمة. تشكل وتُقدم المستَضِدّاتِ التي أكلَتْها على سطحِها (أي تُبرِز مولّدات الضدّ الناتجة عن الجسيمات التي ابتلعتها على سطح خلاياها) لكي تتمكّنَ الخلايا التائيّةُ من التعرّف عليها لاحقاً (فهي من الخلايا المقدِّمة للمستَضِدّ antigen presenting cells). كما تفرز السيتوكينات، وتمتلك القدرةَ على إعادةِ توجيه سمومِ الطفيليّاتِ والأورامِ نحوَها (أي نحو الطفيلي أو الورم نفسه). تزداد نسبتُها في حالاتِ الالتهاباتِ المُزمِنةِ كالسُّلِّ والسِّفِلِس (الداء الزُّهْري) والملاريا واللوكيميا.
اللمفاويّات: تصل نسبتُها إلى حوالي 30% وتتضمن الخلايا التائيةَ والبائيةَ والقاتلات الطبيعية.
- اللمفاويات التائية T-Cells: تتشكل في نِقْيِ العَظْمِ وتنضج في غدّة التوتة. تُشكّل حوالي 75% من اللمفاوياتِ الجائلةِ في الدم. ويوجد منها نوعان؛ الخلايا التائيةُ المساعِدةُ (Th) ووظيفتُها الأساسيةُ إفرازُ السيتوكينات التي تساعد الخلايا المناعيةَ الأخرى في الجسم، والخلايا التائيةُ القاتلةُ (Tc) ووظيفتها قتلُ الخلايا غيرُ الطبيعيةِ (المصابةِ والسرطانية). تمتلك اللمفاوياتُ التائيةُ مستقبِلاً واحداً للمستَضِدّات، ولا يستطيع المستقبِلُ رؤيةَ المستَضِدِّ أو مولّد الضِّد مباشرةً (إذ يجب أن تقومَ خليةٌ أخرى، تُدعى الخليةَ المقدِّمةَ للمستَضِدّ، بإظهار المستَضِدّ للخلايا التائية). يرتبط المستقبِلُ بالخلايا ولا يستطيع الارتباطَ بالمستضِدّات الطليقة. يستطيع المستقبِلُ التعرفَ على المستضِدّ الذي تتم معالجتُه أو مصدره من داخل الخلية.
الخلايا البائية B-Cells: تنشأ وتنضج في نِقْيِ العظمِ، وتشكّل حوالي 10% من اللمفاوياتِ في الدم. عندما تصبح فاعلةً تتحول إلى خلايا بلازميّةٍ تفرز بروتيناتٍ تسمَّى بالأضداد antibodies، وتدور هذه الأجسامُ في الدم ولها دورٌ مهمٌّ جداً في العديد من التفاعلاتِ المناعية. لديها مستقبِلان للمستَضِدّاتِ ويستطيعان رؤيةَ المستَضِدِّ مباشرةً، ويمكن إفرازُها كأضدادٍ في الدم. يستطيع المستقبِلان تحديدَ المستضِدِّ الذي يكون خارجَ الخلايا.
الخلايا القاتلة الطبيعية: خلايا لمفاويةٌ ضخمةٌ يمكن تمييزُها عن الخلايا البائيةِ والتائيةِ. تشكّل حوالي 10-15% من اللمفاويات في الدم، وهي قادرةٌ على قتلِ بعضِ الخلايا السرطانيةِ والخلايا المصابةِ بالفيروسات مباشرة عبرَ الاستجابةِ المناعيةِ الطبيعية، وتلعب دوراً كخلايا جذعيةٍ دورانيّةٍ للمفاويات، وتفرز الإنترفيرون غاما. تزداد نسبتُها في العداوى المزمنةِ كالسُّل والسعالِ الديكيِّ والسفلس، وفي اللوكيميا اللمفاوية.
- الخلايا البلازمية.
هوامش:
*(ويُقصد بالمستضِدّات عموماً الأجسامُ الغريبةُ عن الجسم، مع وجود استثناءات لتلك القاعدة في حالات أمراض المناعة الذاتية مثلاً حيث تعامَل مكوّنات من الجسم نفسه على أنها أجزاء غريبة)
**(وهو مختلف عن اللايزوزوم lysosome أي الجُسَيم الحالّ وهو من أجزاء الخلية)
المصادر:
GUYTON AND HALL، Textbook of Medical Physiology twelfth edition، volume1 Unit VI - Chapters 33،34.