الفلسفة وعلم الاجتماع > الفلسفة السياسية
التنمية السياسية_مفهومها وعناصرها
بدأت سلسلة الدّراسات حول التنمية السياسية بالظهور في منتصف القرن العشرين، وركزت على مجموعة من المواضيع التي تتصل بالسياسيات الإقتصادية والتغيرات السياسية وتعبئة الموارد البشرية وإداراتها، بهدف تحقيق التنمية الإقتصادية. ولكن سرعان ما تبين أن تحقيق تلك الأخيرة صعب للغاية ما لم يتم رفدها بإرادة سياسية واضحة. وبالتالي لا ينفصل أيّ شكل من أشكال نجاح التنمية وبمختلف أنواعها عن وجود خطط وبرامج على المستوى السياسي. لذا سنتحدّث في مقالنا التالي عن التنمية السياسية، عناصرها، علاقتها بالتنمية البشرية، وما هي أهم المصطلحات التي ترتبط بها.
أولاً: ظهور دراسات التنمية السياسية:
تميزت فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية -في جملة ما ميزها- بسمتين بارزتين، الأولى هي تصاعد حركات التحرر الوطني، واستقلال عدد متزايد من البلدان التي شكلت ما عرف لاحقا بـ"دول العالم الثالث"، والسمة الثانية هي انقسام العالم إلى معسكرين، أحدهما اشتراكي بزعامة الاتحاد السوفيتي، والآخر ليبرالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وكان بين المعسكرين صراع وتنافس في مجالات مختلفة ومنها سعي كل منهما إلى جذب البلدان الحديثة العهد بالاستقلال إليه. في الوقت نفسه أدركت هذه البلدان حقيقة أوضاعها المتخلفة وضرورة مواجهة تحدي التنمية وتقليص الفارق بينها وبين البلدان المتقدمة في شتى المجالات. بالنظر إلى ضخامة الإمكانيات اللازمة لتحقيق التنمية في هذه البلدان اتضح بسرعة أنها بحاجة إلى "مساعدة" الدول التي سبقتها في التقدم والقوة وعلى رأسها الولايات المتحدة وأوروبا والاتحاد السوفيتي.
في هذا السياق الدولي المتميز بوجود بلدان متقدمة تسعى للهيمنة، وبلدان متخلفة تبحث عن نفسها وعن السبل اللازمة لتحقيق تقدمها، واتفاق بين الجميع -الأقوياء والضعفاء معاً- على أن التنمية الاقتصادية شرط لا غنى عنه للخروج من التخلف، بدأ اهتمام علماء الاقتصاد والسياسة بتطور العالم الثالث، وظهرت الدراسات والأبحاث والنظريات عن التنمية الاقتصادية في بادئ الأمر. ثم إنه سرعان ما تبين أن (التنمية) ينبغي أن تكون في جميع الميادين -الاقتصادية والاجتماعية والسياسية معاً- خاصة وأنه كان قد ظهر تفاوت كبير بين الجهود المبذولة من قبل البلدان النامية في ميدان التنمية الاقتصادية من جهة وفي المجال السياسي من جهة أخرى، وتأخر الثاني عن الأول، وهكذا، على غرار التنمية الاقتصادية، ظهر مفهوم "التنمية السياسية" وصارت أبحاث التنمية السياسية ونظرياتها حقلا من حقول علم السياسة .
ثانياً: مفهوم التنمية السياسية والمفاهيم المتصلة بها:
مفهوم التنمية بشكل عام:
التنمية: عمليّة ديناميكية، تتكون أساساً من سلسلة كبيرة من المتغيرات الوظيفية والبنائية التي تحدث نتيجة تفاعل الإنسان مع بيئته، وذلك بهدف استثمار موارد المجتمع ومكوناته إلى أقصى درجة ممكنة.
مفهوم التنمية الاقتصادية والاجتماعية:
يقصد بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية كما عرفتها هيئة الأمم المتحدة: النمو والتغير اللذان تتكامل فيهما جميع أوجه النشاط الاقتصادي والاجتماعي، وتتضمن جميع الإجراءات والوسائل والأساليب التي تُتخذ لزيادة الإنتاج من خلال الموارد الاقتصادية المتاحة والكافية لرفع مستوى معيشة الفرد والمجتمع، مع تنظيم عمليات التنمية بشكل يحقق الكفاية والعدل، ويحقق أحسن استخدام للموارد الاقتصادية والبشرية.
مفهوم التنمية السياسية :
"التنمية السياسية" مفهوم شديد الغموض لأكثر من سبب. أولاً لأنه كثيراً ما يقع الخلط بينه وبين مفاهيم أخرى قريبة منه، مثل التحديث السياسي، الإصلاح السياسي، الانتقال السياسي، والديموقراطية. وثانياً لأنه يضم مفاهيم فرعية غامضة، مفاهيم سياسية وإيديولوجية وأخلاقية وفلسفية غير قابلة للقياس والملاحظة العلمية، مثل العدل والمساواة وغيرها. السبب الثالث، هو تعدد التعاريف التي وضعت للتنمية السياسية واختلافها.
وضعت تعاريف عدة تفوق الثمانية لمفهوم التنمية السياسية؛ فمنهم من ركز على العلاقات الاجتماعية والروابط السياسية في المجتمع، والعلاقات بين الناس والعلاقات بين المؤسسات الحكومية. ومنهم من ركز على بنية الأجهزة والهياكل السياسية ومكانتها ودورها في الدولة، ومنهم من اهتم خاصة بقدرات النظام السياسي وفعالية الأداء الحكومي، ومنهم من أولى عنايته لاستقرار النظام السياسي وشرعيته في المجتمع. وهكذا ظهرت تعاريف كثيرة يمكن اختصار مضمونها في:
هي جملة الخطط والسياسات الهادفة إلى الارتقاء بالأداء الحكومي، وتفعيل دور المؤسسات التشريعية والقضائية، وتشجيع المشاركة المجتمعية، بهدف ترسيخ أسس ومقومات دولة الحق والقانون.
ثالثاً: عناصر التنمية السياسية:
نستطيع أن نستنتج من تعريف التنمية السياسية عدة عناصر وهي :
- الارتقاء الحكومي: أي زيادة قدرات النظام السياسي، من حيث تسيير الشؤون العامة وضبط النزاعات وتلبية المطالب، والزيادة في التوجه نحو المساواة، كذلك مواجهة العقبات في العمل كالبيروقراطية.
- تفعيل المؤسسات: أي تفعيل دور البرلمانات والمنظمات وإبعادها عن الشخصنة. والوصول إلى قضاء عادل ونزيه ومستقل وقادر على فض النزاعات بشكل حيادي.
- تشجيع المشاركة الشعبية: من خلال النزاهة في الانتخابات وإحساس المواطنين بجدوى المشاركة. والانتقال من ثقافة الخضوع إلى ثقافة المشاركة، سواء من خلال طرق ديمقراطية (الاقتراع العام)، او من خلال زيادة التعبئة السياسية، إضافة إلى التعين في المناصب العامة على أساس الجدارة وليس عبر الطرق التقليدية.
- دولة الحق والقانون هي الغاية: باعتبارها الضمانة التي تعبر عن عدم انتكاس الديمقراطية.
المراجع:
1زرزار العياشي، سفيان بو عطيط .(2012،شباط). الجامعة والبحث العلمي من أجل التنمية : إشارة إلى الحالة الجزائرية.المستقبل العربي ،العدد 396. ص 113.
2- د.صالح بلحاج، التنمية السياسية: نظرة في المفاهيم والنظريات، جامعة الجزائر