الفلسفة وعلم الاجتماع > الفلسفة
المظهر فوق الجوهر
هل سألنا أنفسنا لماذا هذا الانكبابُ على عمليّات التجميل؟ وهل الشكلُ الخارجيُّ أهمُّ حقًّا من طريقة التفكير ودرجة الوعي؟ وما مدى تأثيرِ المظهر على مَن حولَنا؟ هل هو بطاقةُ عُبور؟
نكمل اليومَ حديثَنا عن المغالطات المنطقيّة، ونعرِضُ لكم مغالطةً جديدة، هي (المظهرُ فوق الجوهر)، التي تعني أن يُبديَ الشخص اهتمامًا كبيرًا لمظهر الشيء من الخارج، وللأسلوب الذي عُرض به الموضوع، أكثرَ من صُلب الموضوع نفسِه، إذ يهتمُّ بالقشور ويتركُ اللُّبّ.
تابعوا معنا شرحَ هذه المغالطة، في هذا المقال.
يقع الشخص في مغالطة (المظهرُ فوق الجوهر) عندما يهتمُّ بشكل كبير بالأسلوب الذي عُرض به القولُ أو الشيء، ويتغافلُ عن مضمونه ومحتواه.
للمظهر دائمًا رونقُه الخاصّ في جذب اهتمام الانسان، وفي إعطاء صورة معيّنة عن الموضوع أو القول، ولكنّ الاهتمامَ الزائد به، أي الذي يؤثر على مضمون الشيء؛ هو الغلط.
فعندما يقول أحدهم: «أنا أحبّ هذا الطبيب، ولا أقبلُ أن أعالَجَ عند غيرِه لأنني أجدُه الأفضل. ألم ترَ كم هي عيادتُه جميلةٌ ومرتّبة، وألوانُها برّاقة؟!»، هنا اهتمّ الشخصُ بالمظهر العامّ للعيادة، وعلى أساسه بنى رأيَه وموقفَه؛ في ألّا يذهبَ إلى أيِّ طبيب آخر، فالسبب يكمن في أنّ العيادةَ جميلةٌ وملونة، وليس في أنّ الطبيبَ جيّدٌ وبارعٌ في عمله. أو عندما يقول آخرُ: «إنّ هذا الجِهازَ هو الأفضل؛ لأنّ صاحب المتجر تكلّم عنه وقد بدت عليه علاماتُ الذكاء والوسامة، والترتيب».
إنّ الأصلُ في الحكم أن يبنيَ الانسانُ قناعاتِه وآراءَه وَفقَ مضمون الشيء، لا وَفقَ ما يظهرُ له منه؛ لأنّ المظهرَ زائلٌ لا محالة، وما يبقى هو الجوهر، لا يتغيّرُ ولا يتبدّل؛ إذ هو الأحقُّ بالحكم، فمن الإجحاف أن نقول عندما نشاهدُ برنامجًا حواريًّا إنّ أحدَ الأطراف غيرُ محقٍّ وحُجّتُه ضعيفة؛ لأن علاماتِ الارتباك والخجل باديةٌ عليه، ولأنه يتصبّب عرقًا!
الأصلُ في الحوار مضمونُه ومحتواه، لا مظهرُ قائله! عندما نحكمُ على كلام هذا الشخص بالإخفاق، أو عدمِ الدقّة، بسبب مظهرِه فقط، لا لأيِّ سبب آخر؛ هنا نقعُ في مغالطة (المظهرُ فوق الجوهر).
يقول أمير الشعراء أحمد شوقي:
«وسرى في فؤادِه زُخرُفُ القو * لِ، تراه مُستعذَبًا وهْو داءُ!».
• المصدر:
المغالطات المنطقية، عادل مصطفى، 2007، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، الطبعة الأولى.