الاقتصاد والعلوم الإدارية > ريادة الأعمال
ستاربكس الجزء الأول: التأسيس
تعتبر نهضة ستاربكس من متجر واحد في سوق Seattles Pike إلى شركة من بين الشركات الـ 500 الأوائل حسب مجلة *Fortune قصةً مثالية عن ريادة الأعمال الأميريكية.
تم تأسيس قهوة وشاي وتوابل ستاربكس على أيدي Gerald Baldwin و Gordon Bowker اللذان كانا زميلي جامعة.
يقول Howard Schultz (الذي أصبح لاحقاً CEO الشركة) بعدما زار متجرهما عام 1981: "أدركت أن القهوة التي شربتها سابقاً كانت كالقمامة مقارنةً بهذه."
بعدما رأى شولتز الفرصة التي قدمتها ستاربكس، شجّع مؤسسي المتجر على تعيينه رئيساً للتسويق. وبعد فترة قصيرة صادف شولتز إلهامه الثاني، حيث اكتشف في زيارة لمدينة ميلان الايطالية أنّ شرب القهوة كان تجربة أكثر من مجرد التمتّع بالمذاق الجيد : فالجو في متجر القهوة، التواصل الاجتماعي الذي يحصل فيه، والفن الذي يطبقه الساقي في تحضير القهوة كل هذه الأمور لعبت دوراً في هذه التجربة. لكن مع هذا، فشل شولتز بإقناع المؤسسين بفكرة إعادة تصميم ستاربكس ليكون مقهى يأتي الناس إليه ليتشاركوا بتجربة احتساء القهوة بدلاً من أن يكون متجراً لبيع حبات البن.
سبّب ذلك مغادرة شولتز ليذهب ويفتتح المقهى الخاص به على الطراز الإيطالي وسمّاه Il Giornale. وفي عام 1987، استحوذ شولتز على سلسلة متاجر ستاربكس المكونة من 6 متاجر، ودمجها مع مقاهي Il Giornale وتبنّى اسم ستاربكس لكامل الشركة.
كانت فكرة شولتز الأصليّة نسخ مقاهي القهوة الإيطالية (حيث يكون الزبائن غالباً واقفين لشرب القهوة) إلا أنها تكيّفت مع ما يعادلها من الحانات الانجليزيّة، حدائق البيرة الألمانيّة والمقاهي الفرنسيّة، لكن على الطراز الأميركي.
بعدها أصبحت مقاهي ستاربكس أماكن للعمل والتواصل الاجتماعي بعدما تمّ إضافة خدمة الوصول لشبكة الانترنت؛ وبحلول 1992، نمت ستاربكس إلى 165 منفذ بيع، واستطاع شولتز تسريع نمو الشركة باستخدام 27$ مليون قدمتها الأسهم بعد أن أصبحت الشركة مساهمة.
توسعت الشركة على نمط تكتلي أو عنقودي : كافتتاح عدة متاجر في منطقة ميترو واحدة مثلاً، الذي كان هدفه زيادة الوعي المحلي بعلامة ستاربكس التجارية وتسهيل وصول المستهلكين إلى ستاربكس بالقرب من المنزل أو العمل. انتقلت الشركة بعدها إلى مرحلة التوسع الدولي ابتداءً بدولة اليابان عام 1996 ومن ثم المملكة المتحدة عام 1998.
اعتمدت ستاربكس خلال توسعها على النمو العضوي (تأسيس متاجر جديدة باسم الشركة) أكثر من الاستحواذ، لكن هذا لم يمنع الاستحواذ الذي كان يتم بين الحين والآخر: مثل الاستحواذ على شركة قهوة Seattle ذات المنشأ البريطاني عام 1998، الاستحواذ على Seattle's Best Coffee و Torrefazione Italia عام 2003، والاستحواذ على Diedrich Coffee عام 2006.
استراتيجية ستاربكس
ركّزت ستاربكس على الاستراتيجية الهامة التي كلفت نفسها بتحقيقها وهي : "إلهام الروح البشرية ورعايتها، ابتداءً من كل شخص على حدة، كل فنجان وكل حي سكني على حدة"، تطلب تطبيق هذا المفهوم ليس مجرد تقديم القهوة الممتازة فحسب، بل أيضاً إنشاء ارتباط عاطفي مع المستهلكين. وكما شرح مؤسس ستاربكس شولتز : "لسنا في قطاع صناعة القهوة وتقديمها للناس، نحن في قطاع خدمة الناس وتقديم القهوة لهم".
تضمنت استراتيجية ستاربكس أمراً محورياً، وهو مفهوم شولتز لـ "تجربة ستاربكس"، التي كان هدفها خلق "مكان ثالث" غير المنزل والعمل لتواصل الناس وهم يستمتعون باحتساء القهوة الجيدة.
دمجت تجربة ستاربكس عناصر عديدة ألا وهي:
• استخدام حبوب البن العالية الجودة والتناسق، وإدارة الأنشطة المطبّقة عليها باهتمام بالغ لتحويلها إلى أفضل قهوة اسبرسو يمكن تحضيرها: "تأمين حبوب البن المثالية بشكل أخلاقي هو شغفنا، وذلك عبر تحميصها و تحضيرها باهتمام، دون نسيان تحسين حياة أولئك الناس الذين يزرعونها".
• إشراك الموظفين في التجربة: يلعب الموظفون الذين يتلقون الطلبيات من المستهلكين دوراً أساسياً في خلق تجربة ستاربكس والحفاظ عليها، فهم لا يقدمون القهوة فحسب، بل يساهمون أيضاً وضع الزبائن في الأجواء المميزة لمقهى ستاربكس؛ وهنا يجب أن ننتبه إلى دور قسم الموارد البشرية الخاص بستاربكس، فنظرته الاستثنائية تجاوزت اختيار الناس على أساس قدرتهم على توفير القهوة الجيدة، و وصلت إلى البحث عن من يستطيعون جعل تجربة ستاربكس أمراً حقيقياً.
تطلب هذا الأمر توفير الموظفين ذوي الالتزام والحماس لخدمة الناس و الشركة، وبالمقابل توجب على الشركة اعتبارهم "كشركاء" في العمل و ليس مجرد "موظفين". يعمل قسم الموارد البشرية بطريقة تم تصميمها لجذب ومن ثم توظيف من تتوفر لديه الشخصية والمواقف التي تتفق مع ثقافة الشركة أولاً، ولتكسب ولاء الموظفين وتقوي حسّهم بالانتماء ثانياً، الأمران اللذان سيجعلان من إشراكهم في تطبيق تجربة ستاربكس أمراً سهلاً.
اختيار الموظفين في ستاربكس هو عملية دقيقة، المطلوب هو الجدارة والقدرة على التكيف والانخراط في العمل الجماعي، والأهم: الرغبة بأخذ مهمة ستاربكس ومبادئها إلى أبعد حدود؛ وفي سبيل تحقيق هذا، يركّز برنامج ستاربكس التدريبي على مهارات التشغيل و خدمة المستهلكين والتثقيف في مجال القهوة. ومن الأمور المميزة في ستاربكس هو توفيرها تأميناً صحيّاً تقريباً لجميع موظفيها العاديين وحتى العاملين بدوام جزئي، وهذا أمر نادر في شركات المطاعم والمقاهي.
• الهدف الاجتماعي والعلاقة مع المجتمع
أراد شولتز لستاربكس أن تكون شركة ذات جانب إنساني، يقول: "أردت تأسيس شركة من النوع الذي لم يحظَ أبي بفرصة للعمل فيه، شركة تقدّر وتحترم الموظفين بغض النظر عن مكان نشأتهم، لون بشرتهم أو مستواهم التعليمي، كان توفير التأمين الصحي نقطة تحول في قيمة أسهم ستاربكس، لأن ذلك خلق ثقة لا تصدق مع الموظفين، كما أردنا أن نجعل ستاربكس شركة توحد قيم حملة الأسهم مع القيم الثقافيّة الخاصة بشعبنا".
كانت لشولتز رؤية، فيها تحقق ستاربكس المكاسب لكن في نفس الوقت تقدم الخير لهذا العالم. بدأ تحقيق هذه الرؤية على مستوى محلي: "أن نكون جيراناً جيدين هو مسؤولية نأخذها بشكل جدّي، فكل متجر هو جزء من مجتمع ما، نريد أن تُفتح لنا أبواب العمل في كل مكان، كما يمكننا أن نكون محفّزين إيجابيين في هذا المجتمع عبر توحيد جهود شركائنا، وزبائننا والمجتمع جميعاً ليقدموا مساهمة خيّرة".
ثم امتدت الرؤية على المستوى العالمي: "لدينا الفرصة لنكون نوعاً مختلفاً من الشركات العالمية. ذلك النوع الذي يحقق مكاسباً ويعكس في الوقت ذاته وعياً اجتماعياً".
• نموذج و تصميم المقاهي هما عنصران أساسيان في تجربة ستاربكس
ولهذا السبب يوجد لدى ستاربكس مجموعة تصميم، مهمتها تصميم الأثاث والتجهيزات والمنتجات. ويتوسع عملها ليصل إلى مبنى المقهى الذي يصبح محط عمليات التخطيط و التحليل وذلك عملاً بمقولة Schultz "عملية البيع تكمن في التفاصيل." وبالرغم من امتلاك كل متجر لتصميم مميز يتناغم مع الحي الواقع فيه، يوجد في الباطن تصميم موحد غير مباشر يربط كل المتاجر ببعضها وبمهمة العودة إلى الطبيعة، يُراد بهذا التصميم أن يخلق الأجواء المناسبة للتفاعل الاجتماعي و تحقيق الكفاءة لتلبية الطلبيات المستعجلة، مع الأخذ بالحسبان البراعة الفنية التي تأسر اهتمامك قبل عبق القهوة الآخّاذ.
يستخدم المصممون الخشب بكثرة، ويسهبون باستخدام الألوان الترابية الغنية إلى جانب تزويدها بالاكسسوارات عالية التقنية المرصوفة بعناية ... مهما كانت السمة الفردية التي يتمتع بها المتجر، يبقى تصميمه منسجماً مع المؤثرات التي رافقت الشركة في مراحل تطورها: "البساطة المستمدة من منطقة شمالي شرقي المحيط الهادئ ممزوجة بأناقة مقاهي ميلان".
• عند قيام ستاربكس بتحليل المبيعات لكل وحدة (مقهى) وجدت دليلاً على التهام المقاهي القريبة من بعضها لمبيعات بعضها البعض.
والسبب هو استراتيجية المواقع التي تستخدمها ستاربكس (تواجد المقاهي يكون بشكل تجمعات مكونة من 20 مقهى أو أكثر في كل محور مدني)، وتم النظر إلى هذه الاستراتيجية على أنها تقوم بشيء يُحسّن تجربة ستاربكس عبر خلق صدى للشركة و تسهيل حصولها على ولاء المستهلكين. ولزيادة مبيعات القهوة التي يتم تناولها خارج المقهى، بدأت ستاربكس بإضافة نوافذ إلى بعض المقاهي لتمكين الشراء من السيارات وبناء مقاهي ملاصقة للطرق السريعة.
بعد أن تعرفنا على تاريخ الشركة واستراتيجيتها، نصل إلى نهاية هذا الجزء من قصة ستاربكس .. لا زالت الأجزاء القادمة تحمل الكثير من الدروس الممتعة .. انتظرونا على الصفحة.
* : الشركة ذات الترتيب 229 حسب التصنيف.
المصدر:
Grant، R. M. (2016). Contemporary strategy analysis: Text and cases edition. John Wiley & Sons.