البيولوجيا والتطوّر > علم المورثات والوراثة
علم الدّراسات فوق الوراثيّة Epigenetic وعلاقته بحدوث السّرطان
تلعب العوامل الوراثيّة المساعدة دوراً هامّاً في التّنظيم فوق الوراثيّ للتّعبير الجينيّ، وتتضمّن هذه العوامل العديد من البروتينات المختلفة التي تساهم في التّغيير الكيميائيّ للــ DNA والبروتينات الهيستونية اللّذين يتحكمان ببنية الكروماتين على مستوى وحدة بنائه الأساسيّة والّتي تعرف بالنّيكليوزوم.
وفي هذا السّياق قامت العديد من الدّراسات المستفيضة السّابقة بتوثيق مظهر الصّبغي، بالإضافة إلى العشوائيّة الحاصلة للعوامل الكروماتينيّة في التّعبير الجينيّ للعديد من الحالات السرّطانيّة، إذْ إنَّ حدوث أيّ خلل في أحد هذه العوامل الكروماتينيّة قد يؤثر على نمط التّعبير الجينيّ للمئات من الجينات المستهدفة، والّذي يؤدي بدوره إلى اضطراب في المسارات الحيويّة ضمن الخلية.
بدأ علم الدّراسة فوق الوراثيّة للسّرطان بالبروز كأحد أهمّ المجالات التي شهدت تطوّراً كبيراً في الآونة الأخيرة. وقد أعطت الأبحاث المتقدّمة في هذا المجال تفاصيل هامّة في تفاعل العوامل الكروماتينيّة مع أهداف متعدّدة، وكنتيجةٍ للعشوائيّة في تعبير هذه العوامل تتوفّر لدينا فرص رائعة لدراسة وتطوير العوامل العلاجيّة للسّرطان.
إنَّ أيّ تعديل يطرأ على البروتينات الهيستونيّة داخل النيكليوزوم قد يؤثّر على بنية الكروماتين بطريقة مباشرة، أو غير مباشرة. وتتمثّل الطّريقة المباشرة بالتّغيّرات الّتي تؤثّر على ترابط البروتينات الهيستونيّة مع بعضها البعض، أو في ارتباطها مع شريط الـ DNA . من أهمّ التّعديلات المعروفة عمليّة أستلة (إضافة زمرة الأستيل) الحمض الأمينيّ اللايسين الدّاخل في تركيب البروتينات الهيستونيّة، حيث تؤدّي هذه الإضافة إلى معادلة الشّحنة الموجبة للهيستون، ممَّا يضعف عمليّة ارتباطها مع شريط الــ DNA سالب الشّحنة.
وتتمثّل التّأثيرات غير المباشرة في التّحوير الّذي يطرأ على بعض العوامل المساعدة في تكوين الكروماتين، حيث تعمل هذه التّحويرات على تنشيط بعض المناطق الخاصّة من شريط الـــ DNA دون غيرها خلال عمليّة التّعبير الجينيّ ضمن الخليّة. إذْ تعتبر عمليّة ميثلة الحمض الأمينيّ اللايسين ضمن البروتينات الهيستونيّة أحد أكثر التّعديلات تنوّعاً التي تؤّثر بشكل كبير على الوظائف الخلويّة. فعلى سبيل المثال تحدث هناك عمليّة ميثلة ثلاثية trimethylation على الحمض الأمينيّ لايسين 4 والّذي يعرف بالرّمز (H3K4me3) ضمن الهيستون H3. ويؤدّي ذلك إلى تنشيط العديد من الجينات، ومن ناحية أخرى، فإنَّ تعرّض الحمض الأمينيّ لايسين لعمليّة الميثلة الثّلاثيّة يؤدّي إلى كبح عمل العديد من الجينات الفعّالة ضمن الخليّة.
اعتبرت عمليّة مثلنة البروتينات الهسيتونيّة وخاصّةً المثلنة الثّلاثيّة عمليّة غير رجعيّة، ولا يمكن عكسها. مع ذلك أشارت الأبحاث الحديثة إلى إمكانيّة عكس هذه العمليّة بواسطة أنزيمات خاصّة تلعب دوراً جوهريّاً في التّنظيم فوق الوراثيّ للتّعبير الجينيّ. وقد عرفت هذه المجموعة من البروتينات بــ جومنجي بروتين ويرمز لها بــ (JmjC) حيث تعمل هذه البروتينات على عكس عمليّة مثلنة الهيستونات، ولا يبدو أنّها منظمة لعمليّة التّعبير الجيني، ولكنّها تلعب دوراً هامّاً في ثباتيّة عمليّة النّسخ المكوّنة من العوامل المساعدة والبروتينات الأخرى الموجودة في مسارات الإشارات الخلويّة. وأحد أعضاء مجموعة البروتينات هذه يعرف ب UTX، وهو مختصّ بعمليّة المثلنة للحمض لايسين 27، ويشكّل بذلك جزءاً من معقّد بروتينيّ مختصّ بتفعيل عمليّة النّسخ. وقد لوحظ أنَّ حدوث طفرة في هذا البروتين مرتبطٌ بحدوث العديد من السّرطانات أهمّها سرطان الخليّة الكلويّة، وكثير من سرطانات الدّم.
لقد أوضح هذا المقال بعض التّغيّرات الجزيئيّة، وعند معرفة طرق عكسها، ومنع حدوثها نكون قد قطعنا شوطاً كبيراً في طريق فهم واحدة من آليّات حدوث السّرطان على المستوى الجزيئيّ، ومنعنا حدوثه بشكل فعّال. الأمر الّذي سيحتاج حتماً إلى دراسات أكثر في هذا المجال.
المصدر: هنا