التعليم واللغات > اللغويات
تأثيراتُ الوسط المحيط في تطور اللّغة لدى الأطفال
شَهِدَ العالمُ عام 1970 ظهورَ فتاةٍ سُمّيت بالفتاةِ المتوحشة (جيني) Genie، وذلك لأنها قضت حياتها معزولةً عن الناس مقيَّدةً على كرسي، فمع بلوغها سنَّ الثالثة عشر لم تكن تعلم من المفردات سوى 20 كلمةً فقط، وعلى الرغم من محاولاتِ المختصين النفسيين والاجتماعيين العديدةِ لم يُحرز كلامُها تطورًا كاملًا. وقد أثارت قصّتُها المأساويةُ العديدَ من التساؤلاتِ عن أهميةِ البيئةِ في اكتسابِ اللغةِ في مرحلةِ الطفولةِ المبكّرة، وهو موضوعٌ لا يزالُ قيد الدراسة.
أول صورةٍ منشورةٍ للطفلةِ (جيني) بسنِّ الثالثة عشر بعدما أصبحت تحت رعايةِ السلطاتِ في ولاية كاليفورنيا.
كشفت دراسةٌ أجراها باحثون في جامعة شيكاغو الأمريكية عام 2002 أنَّ بناءَ الجملةِ ناتجٌ عن التّعلمِ وليس أمرًا فطريًا، ووجدوا أنَّ استخدامَ جُملٍ كاملةٍ معقدةٍ في أثناء الحديثِ مع الأطفالِ بدلًا من استخدام أسلوب "الحديث الطّفولي" يساهمُ في تطويرِ قدرتهم على فهمِ تركيبات الجُمل المعقدة واستخدامِها، ويَعرفُ علماءُ النفس الإدراكي أنَّ درجةَ التعقيدِ في لغةِ الأطفال مرتبطةٌ مباشرةً بدرجةِ تعقيدِ لغةِ والديهم، ولم يُحدَّد ما إذا كان ذلك نتيجةً لميزةٍ وراثيةٍ أم لتأثيرِ بيئةِ الطفل.
وأجرى فريقُ جامعةِ شيكاغو دراسةً شارك فيها تلاميذُ في مرحلة التعليم التحضيري لتقييم تأثيرات المدرسين من ناحية بناء الجملة واستعمال اللغة على الأطفال، وأظهرت الدراسةُ أنَّ تلاميذ الصفوفِ التي يواظِبُ مدرسوها على استخدامِ جملٍ معقدةٍ قد طوروا مهاراتٍ لغويةً متقدمةً بسرعةٍ مضاعفةٍ بالنسبة إلى تلاميذِ الصفوف التي يَستخدمُ فيها المدرسونَ لغةً أبسط.
وتُعدُّ المفرداتُ التي يستعملها القائمون على رعايةِ الطفلِ واحدةً من أهم مؤشراتِ تطورِ المفردات لديه، فاكتسابُ المفرداتِ المبكّرُ له علاقةٌ مباشرةٌ بنجاح الطفل أكاديميًا في المستقبل، وبيَّنت دراسةٌ أُجريت في جامعة فلوريدا أتلانتيك وجود علاقةٍ تبادليةٍ بين الوضعِ الاجتماعي الاقتصادي وبين مفردات الطفل، فالأمهاتُ اللواتي ينتمين إلى طبقةٍ اجتماعيةٍ واقتصاديةٍ أعلى لا يمتلكن مفرداتٍ لغويةً متقدمةً وحسب، بل ويتكلمن مع أطفالهنَّ مستخدمين مفرداتٍ أكثر تعقيدًا من مفردات الأمهات اللاتي ينتمين إلى الطبقة الوسطى، وفي تحليلٍ بيانيٍ لأوساطِ رعايةِ أطفال مختلفةٍ، أجرته جامعةُ (بيروردو) الأمريكية، تَبيَّن أنَّ نوعيةَ الرعايةِ التي يتلقاها الطفلُ ومقدارَها يؤثران تأثيرًا مباشرًا في مفرداتهِ في خلال مرحلةِ التعليمِ الابتدائي المُبكر.
المصادر: