الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة
غيوم القطب الجنوبي تحت الرصد للمرّة الأولى منذ خمسة عقود
في جزيرة روس في القارّة القطبية الجنوبية، وعلى بُعد مسافةٍ قصيرةٍ من محطَّة بحوث ماكموردو الأمريكيّة، توجدُ هوائيّات الرادار ذات التقنيّات العالية، وأجهزةً جويّةً أخرى مُوَجّهة نحو السماء، لتجمَعَ قياساتٍ مُفصّلة عن غيومِ منطقة غربِ القطب الجنوبيّ.
مشروع الخمسة ملايين دولار الأمريكي، المعروف باسم تجربة قياس الإشعاع الجوّي غرب القطب الجنوبيّ (AWARE)، بدأ في رصد السماء بالقرب من ماكموردو في تشرين الثاني وسيستمرُّ حتّى بداية عام 2017. كما تمّ الرصد في محطّة قياساتٍ ثانية تبعد 1600 كم عن محطة القياس الأولى وباتجاه داخل الصفيحة الجليديّة* القاريّة، عَمِلَت حتى نهاية شهر كانون الثاني الماضي فقط، وذلك بسبب موقعها البعيد جداً حيث يمكن استخدامها فقط خلال فصل الصيف في القطب الجنوبي. ومن اللافت للنظر، أنّ هذه البيانات الّتي تمّ جمعُها هي الأولى من نوعها منذ خمسة عقود.
قامت تجربةٌ مُماثِلة في منطقة القطب الشمالي في الفترة الممتدّة بين عامَي 1997-1998 اعتَمدَت على مركبةٍ مُحمَّلة بأجهزة قياس وتُرِكَت مُتجمِّدة في الجليد البحريّ، أسفرت قياساتُها عن أفكارٍ أساسيّة عن طبيعة غيوم القطب الشمالي، ويأمَل علماء مشروع AWARE أن يفعل مشروعهم المثل بالنسبة للقطب الجنوبي وأن يشكِّلَ تغييراً تامّاً في فهمِهم.
تعمل الصفيحة الجليديّة الكبيرة للقطب الجنوبي كمشتِّتٍ حراريٍّ عالمي. ونتيجةً لذلك، فإنّ تغيُّرات غيوم القطب الجنوبي، مثل مساحة الأرض التي تغطِّيها أو مقدار الإشعاع الّذي تمتصُّه، يمكن أن يكون لها تأثيراتٌ مُستمِرَّةٌ وبعيدةٌ تصل حتى المناطق المداريّة. ويحتاج منمذجوا المُناخ إلى فهمَ طبيعةِ هذه الغيوم إذا أرادوا أن يعرفوا بشكلٍ صحيح كيف يمكن للطقس العالميّ أن يتغيَّرَ عندما تصبح المناطق القطبيّة أكثرَ دفئاً.
لم يقُم العلماء بقياساتٍ مكانيّةٍ مُفصَّلة للسماء فوق القطب الجنوبي منذ عام 1967، عندما أُطلِقَ بالون الرصد الجوّي** أو (بالون الطقس) ليُنهي عقداً من الرصد الذي بدأ خلال السنة الجيوفيزيائيّة الدولية 1957-1958. واليوم، يهدف مشروع AWARE إلى الحصول على أفضل البيانات عن الغيوم وجزيئات الهباء الجوّي (الجزيئات العالقة في الهواء) فوق غربِ القارّة القطبية الجنوبية، وهذا يشمل الغيوم المختلطة***، التي تتكوّن في المناطق القطبية وتجمع بين المياه الباردة جداً مع الجليد.
أظهرت الدراسات أنّ معظم الغيوم الّتي تتحرّك داخل القطب الجنوبي ثلجيّة، في حين أنّ الغيوم التي تتحرّك على الساحل الشاطئي تحتوي كميّةَ مياهٍ سائلةٍ أكبر. ويلعبُ تركيب هذه الغيوم دوراً رئيسيّاً في تحديد كميّة الإشعاع الشمسيّ الذي ستعكسه إلى الفضاء وبالتالي في تحديد شكل دورة الغلاف الجوي وأنماط الطقس تحت هذه الغيوم. يمكنُ للأقمار الصناعية مثل أقمار وكالة ناسا CloudSat و CALIPSO استكشافَ البنية الداخليّة لغيوم القطب الجنوبي، ولكن على نحوٍ ضيّق محصورٍ بما يمكن رؤيته تحت مدار المركبة الفضائيّة فقط، لذلك يستخدم مشروع AWARE أجهزة رادار متعدِّدة ونظام المسح الجوّي الليزري المتطوّر Lidar لاستكشاف الطبقاتِ العديدةِ للغيوم ودراسةِ الخصائصِ مثل طورِ وحجمِ الجسيمات على ارتفاعاتٍ مختلفة.
تُظهر البيانات الأوّليّة للمشروع، الغيومَ المختلَطة فوق ماكموردو في القياسات التفصيلية الأولى لأنظمة الغيوم هذه خارج القطب الشمالي، حيث أنّ بيئة القطب الجنوبي تختلف بشكل كبير عن بيئة القطب الشمالي، وذلك لأنّه أكثر برودة على مدار السنة ويحيط به غلافٌ جوّيٌ نظيفٌ جداً، ونشرَ علماء الفريق النتائجَ الأوّليّة في 16 كانون الأول في اجتماع الاتحاد الجيوفيزيائي الأمريكي في سان فرانسيسكو، كاليفورنيا.
سجّل الفريق أيضاً التأرجحَ بمعدّلات الرطوبة داخل وخارج منطقة ماكموردو عند مرور عاصفة عبرها، متنبِّهين إلى كيفيّة نقل الغيوم للإشعاع.
يساعدُ الحصولُ على البيانات الأساسيّة العلماءَ في فهمٍ أفضل لكيفيّة استجابة غيوم القطب الجنوبي للتغيُّر المناخي، حيث أنّ درجة حرارة غرب القطب الجنوبي ترتفع بمعدَّل 0.4 °C في كلِّ عقد، وبذوبان جليده، سيرتفع مستوى البحر. وقد صُمِّمَت هذه القياسات لتُؤخَذ من منطقة غرب القطب الجنوبي الداخليّة في ذروة موسم الذوبان في الصيف.
والسؤال الرئيسي هو كيف للتغيُّر المناخي أن يزيدَ الرياح الغربيّة حول القطب الجنوبي، وما يمكن أن تفعل هذه التغييرات للغيوم القطبيّة الجنوبية، كما يهدف العلماء إلى مقارنة تأثير النُظُم الجويّة التي يمرُّ بها غرب القطب الجنوبي على موقِعَي الرصد لمشروع AWARE، وكيف تُتَرجَم هذه التغيُّرات إلى تحوُّلاتٍ عالميَّةٍ على نطاقٍ أوسع. ويأمل الباحثون بأن يرصدوا أنماط الطقس بحضور ظاهرة النينو هذا العام، الّتي يمكن أن تؤثِّر على الأحوال الجويّة في القطبَين.
للمزيد من المعلومات عن ظاهرة النينو بإمكانكم الاطّلاع على مقالِنا السابق هنا
هامش:
(*) صفيحة القارّة الجنوبية القطبية الجليدية: هي صفيحة جليدية تغطّي القارّة القطبية الجنوبية، وهي واحدة من غطاءين جليديين قطبيين للأرض، وأكبر كتلة جليدية موجودة عليها. تغطّي الصفيحة حوالي 98% من القارة، في القسم الشرقي من القارة تستقرّ الصفيحة الجليدية على مساحة من اليابسة بشكلٍ رئيسي، في حين أنّه في القسم الغربيّ منها يمتدُّ الجليد إلى عمق 2.5 كم تحت سطح البحر.
(**) بالون الرصد الجوّي: بالون هواء كبير يُرفَق على متنه جهاز خاص، يتمُّ إرسالُه إلى الغلاف الجوّي لتوفير المعلومات عن الطقس.
(***) الغيوم المُختلَطة: هي الغيوم التي تزيد درجة حرارة قاعدتها عن الصفر، و تقلُّ درجة حرارة قمّتها عن الصفر.
المصدر: