الطب > موسوعة الأمراض الشائعة
داء الفيل Lymphatic filariasis
لابد وأن الجميع تقريباً يعرف الرجل الخفاش Batman، ولا بد أيضاً أن معظمنا شاهد فلم الرجل النملة Antman، لكن، ماذا عن الرجل الفيل؟ هل هو بطلٌ آخر من أبطال هوليوود أم أنه أسطورةٌ من تراث الشعوب؟! للأسف، لا هذا ولا ذاك، بل هو مرضٌ لا تحمد عقباه؛ لماذا يحمل هذا الاسم وما الذي يسببه وكيف وما هي عواقبه وكيف السبيل إلى علاجه؟ التفاصيل في المقال التالي..
لمحةٌ عن المرض:
داء الفيلLymphatic filariasis هو مرضٌ تسببه دودةٌ طفيلية من عائلة الديدان الأسطوانية تتطفل على الأوعية اللمفية في جسم الإنسان 1 مما يؤدي إلى إعاقة الجريان اللمفي في هذه الأوعية وبالتالي إلى تضخمها بشكلٍ شديدٍ أحياناً وخاصةً في الأطراف السفلية، مما يؤدي إلى ضخامة هذه الأطراف، إضافةً إلى تثخّن الجلد وتصلّبه.
كيف ينتقل المرض؟
لنجيب عن هذا السؤال، يجب أن نعرف كيف وصلت الدودة المسببة للمرض إلى الأوعية اللمفية في المقام الأول. ببساطة، عندما تعضّ الإنسانَ البعوضةُ التي تحمل يرقاتِ الديدانِ الطفيلية Microfilariae المسببّةِ للمرض، فإنها تنقل إلى الدم هذه اليرقات التي تهاجر إلى الأوعية اللمفية وتستقر هناك، وفي ستة أشهرٍ تتحول اليرقةُ إلى الشكل البالغ، وتتزاوج داخل الأوعية اللمفية منتجةً أعداداً كبيرةً من اليرقات الصغيرة التي تخرج من اللمف وتتجه إلى الدم، وعندما تعض بعوضةٌ هذا لإنسان المصاب، فإن اليرقات تنتقل إليها، فتقوم بدورها –أي البعوضة- بعض إنسانٍ آخر سليم، فتنقل له هذه اليرقات مما يؤدي إلى إصابته هو الآخر بالمرض. باختصار، تنتقل العدوى من الإنسان المريض إلى الإنسان السليم عن طريق البعوض الذي يتغذى على دم الإنسان.
انتشار المرض والعوامل المؤهبة للإصابة به:
هناك حوالي 120 مليونَ مصابٍ في العالم؛ والتوزع الجغرافي لانتشار المرض يتمثّل في وسط أفريقيا وجنوب شرق آسيا وغرب المحيط الهادئ وسواحل البحر الكاريبي؛ في المقابل، فالمرض غير موجود في أجزاء كثيرة من العالم مثل الولايات المتحدة الأمريكية.
(مناطق انتشار داء الفيل، حيث تمثل المناطق الحمراء البلدان ذات الإصابات العالية بالمرض)
كما ذكرنا من قبل، هناك دودةٌ تسبب المرض، وبعوضةٌ تنقله، ويختلف نوع البعوضة والدودة باختلاف المكان الجغرافي، ففي معظم الحالات، تسبب دودة الـ Wuchereria bancrofti المرضَ، وتنقل يرقاتِ الدودةِ بعوضةُ الـ Anopheles، أما في آسيا فإن الدودة المسؤولة عن المرض هي Brugia malayi و Brugia timori وينقل المرضَ بعوضةُ الـ Aedes و Mansonia.
صورة مجهرية للـ Wuchereria bancrofti
وللـ Brugia malayi
وللعلم، فإن عضة بعوضةٍ واحدةً لا تكفي، بل يجب أن يتعرض الإنسان للعديد من العضات على مدى أسابيعٍ أو أشهر ليصاب بالمرض، ولذلك فإن المقيمين في المناطق الموبوءة لفترةٍ قصيرة كالسياح لديهم فرصةٌ ضعيفةٌ للإصابة بالمرض.
أعراض وعلامات المرض:
تتوضع الديدان في الأوعية اللمفية معيقةً الجريان اللمفي فيها فتؤدي إلى ما يعرف بالوذمة اللمفية، وهي تجمع اللمف في الفراغات بين الخلايا نتيجة خروجه من الأوعية الدموية، وذلك في الطرفيين السفليين بشكل رئيس أو الأطراف العلوية والثدي وكيس الصفن (وهو الكيس الذي يحيط بالخصيتين لدى الذكر) وتُسمى الحالة عندئذٍ بالـ Hydrocele.
وذمة لمفية في القدم اليمنى لدى مريض بداء الفيل
أعراض أخرى تتمثل بقساوة الجلد وهو ما يُدعى بالـ Elephantiasis، هذه الأعراض تسبب الكثير من المشاكل للمرضى، فهي تعيق من حركتهم وبالتالي من قدرتهم على العمل، وتسبب لهم إحراجاً اجتماعياً.
مشكلةٌ أخرى يسببها داء الفيل تنتج عن إعاقة جريان اللمف، فاللمف له دورٌ في المناعة، وبالتالي فالمصابون بهذا المرض يعانون من مشاكل في جهازهم المناعي تجعلهم عرضةً للإصابة بأمراضٍ جرثوميةٍ وطفيليةٍ أخرى.
قد يعاني المصابون بداء الفيل في آسيا من متلازمةٍ تُدعى كثرة الحمضات الرئوية2 Tropical (pulmonary) eosinophilia، ونقصد بالحمضيات هنا إحدى أنواع الكريات البيضاء (وهذا النوع مسؤولٌ بشكل رئيس عن التصدي للطفيليات –كالديدان التي تسبب مرض الفيل- التي تصيب الإنسان). ويتميز هذا المرض بأعراض رئوية كالسعال وضيق التنفس والأزيز –وهو صوت يصدر أثناء التنفس- إضافة إلى ارتفاع نوع الـ IgE من الأجسام المضادة، وتضخم الطحال3.
ومن الجدير بالذك، أن قلةً من المصابين بالديدان الطفيلية المسبب لداء الفيل تظهر لديهم الأعراض والعلامات، فالمرض لا يتظاهر (لا تظهر أعراضه وعلاماته) إلا بعد سنواتٍ من الإصابة.
تشخيص المرض:
لكي نعرف إذا ما كان الإنسان مصاباً أم لا، فالطريقة المثلى لذلك قد تكون فحص مسحةٍ من الدم، لكن يجب الانتباه للتوقيت الذي تؤخذ فيه عينة الدم، فيرقات الدودة التي نريد الكشف عنها تتواجد مساءً في الدم، لذى يجب أن يتم الفحص مساءً، وذاك عن طريق مسحة دمٍ ثخينة مصبوغةٍ بصبغة غيمزا أو الهيماتوكسيليين والأيوزين4.
هناك طريقة أخرى للتشخيص قد تغنينا عن مسحة الدم5، وهي فحص مصل الدم وذلك عن طريق قياس تراكيز الـ IgG4.
هناك أمرٌ غايةٌ في الأهمية يجب ذكره، وهو أن هذه الفحوصات مفيدةٌ فقط إن أجريت للأشخاص المصابين حديثاً، أما الأشخاص الذين الذين ظهرت لديهم أعراض المرض المميزة كالوذمة اللمفية فهذا يعني أنهم مصابون بالمرض منذ زمنٍ طويل (لأن الأعراض لا تظهر إلا بعد عدة سنوات من الإصابة) فهذه التحاليل تكون سلبيةً لديهم (أي أن التحاليل تخبرنا بغياب المرض ولا فائدة منها في هذه المرحلة المتأخرة منه).
العلاج:
العلاج الأمثل لهذه الحالة هو الـ Diethylcarbamazine والذي يُعرف اختصاراً بـ DEC، وهو قادرٌ على قتل يرقات الدودة (وقد يقتل الديدان البالغة أيضاً) لكنه، حاله كحال التحاليل الدموية والمصلية التي تُستخدم في تشخيص المرض، لا يفيد إلا مع المرضى الذين أصيبوا حديثاً، أما الذين ظهرت لديهم الأعراض (وهم بالتالي مصابون بالمرض منذ زمنٍ طويل) فلا فائدة من استعمال هذا الدواء معهم. وهنا قد يتبادر إلى الذهن سؤالٌ بديهي: كيف نعالج من ظهرت لديهم الأعراض؟ يتم توجيه هؤلاء المرضى إلى مختصين في علاج الوذمات (جمع وذمة) اللمفية، حيث يعالجون عن طريق التمارين الرياضية ومعالجة الجروح التي تصيب الجلد.
الأعراض الجانبية لهذا الدواء تتمثل بالدوار والغثيان والقياء وصداع الرأس والحمى وألم العضلات والمفاصل.
يجب على الطبيب المعالج أن يأخذ بالحسبان الإشكالية التي يسببها الدواء للمصابين بالـعمى النهري (داء كلابية الذنب) onchocerciasis، حيث يؤدي الـ DEC إلى مفاقمة الأعراض العينية عند المصابين بالـ onchocerciasis. 6
الوقاية:
كما يُقال، "درهم وقاية خير من قنطار علاج"، والوقاية تتم بشكل رئيس عن طريق تجنب عضّاتِ البعوض، وبما أن البعوضَ الناقل لداء الفيل ينشط في الفترة بين الغسق (الغروب) والفجر، فيجب النوم في غرف مكيّفة (إذ لا يمكن للبعوض دخولها) أو النوم في ناموسية تحجب البعوض، وارتداء ملابس بأكمام طويلة. يمكن الوقاية من المرض على أصعدةٍ أكبر عن طريق إعطاء التجمعات البشرية المعرضة للمرض الأدوية التي تقتل يرقات الديدان.
ختاماً، فإن داء الفيل يُعتبر من الأمراض المدارية المنسية Neglected Tropical Disease وهي مجموعة من الأمراض الطفيلية أو الجرثومية التي يعاني منها أكثر من بليون شخص حول العالم، وهي تسبب مشاكل جسدية للمريض قد تعوقه عن العمل مما يسبب يؤثر على حالته المادّيّة –ناهيكم عن التكلفة المادية للعلاج- مما يدخل المرضى بدائرةٍ مفرغةٍ تشمل العجز الجسدي والفقر والمرض.
الحاشية:
1- اللمف سائل ينشأ من ارتشاح الدم من الأوعية الدموية إلى النسيج بين الخلايا (الفراغات بين الخلايا) ومنه إلى أوعية خاصة تُسمى الأوعية اللمفية، التي تقود اللمف إلى العقد اللمفية التي تحوي جريبات (أماكن متوسعة) توجد فيها الخلايا البيضاء اللمفية (ولها نوعان البائية B والتائية T) المسؤولة عن حماية الجسم من العوامل الممرضة. تصب الأوعية اللمفية محتوياتها في أوردة الجسم.
تركيب اللمف يشبه إلى حد ما تركيب الدم، فهو يحوي خلايا بيضاء وبروتينات لكنه لا يحوي الكريات الحمراء.
2- المتلازمة: مجموعة من الأعراض والعلامات التي تشير مجتمعةٍ إلى حال مرضية معينة ولا تشير بمفردها إلى هذه الحالة.
3- تقوم الخلايا البيضاء اللمفية من نوع B بإنتاج مجموعة من البروتينات تُسمى الغلوبيولينات المناعية، تُساهم في عمل الجهاز المناعي، وهناك خمس أنواع لهذه الغلوبيولينات هي: IgA، IgE، IgG، IgM، IgD، ولكل نوع بدوره أنواع أخرى تتفرع عنه.
4- هناك طريقتان تُحضر بهما مسحة الدم، نحصل منهما على مسحة رقيقة أو ثخينة، ومن ثم نصبغ المسحة بمادةٍ كـ غيمزا، والأصبغة التي تُستعمل في العمل المخبري تلون مكونات خلوية أو خلايا معينة بألوان محددة مما يساعد الفاحص على معرفة ما يراه تحت المجهر.
5- عندما نقوم بتثفيل الدم: أي عندما نقوم بتدويره عن طريق جاهز يُسمى جهاز الطرد المركز فإن مكوناته تنفصل حسب كتلتها، ذات الكتلة الأكبر في قعر الأنبوب والأخف في أعلى الأنبوب، حيث نجد في القعر الكريات الحمراء، وفوقها البيضاء، وفوقهما الصفيحات (المسؤولة عن تخثر أو تجلط الدم) وفوقهم جميعاً سائل يتألف من ماء وبروتينات (من ضمنها البروتينات التي تشارك في عملية تخثر الدم) وأملاح ومواد أخرى نسميه البلازما (أو مصورة) أما المصل Serum فهو البلازما دون بروتينات التخثر.
صور لأجهزة طرد مركزي بسيطة، حيث توضع الأنابيب التي تحوي الدم أو سائل آخر على الحوانب ومن ثم يتم تدوير الجهاز.
6- الـonchocerciasis مرض تسببه الدودة الطفيلية Onchocerca volvulus ينقل عن طريق نوع من الذباب يُسمى Simulium، ويُسمى أيضاً بالعمى النهري، لأنه قد يسبب العمى ولأن الذبابة التي تنقله تعيش قرب الأنهار؛ في بعض حالاته، يمكن مشاهدة الدودة في العين.
المصادر:
مصدر الحاشية:
Vander’s Human Physiology، The Mechanism of Body Function، 13th edition، Eric P. Widmaier and others