الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة
تلوث الهواء قد يكون سبباً في التهاب الرحم واضطراب النمو
على الرغم من المعايير "القاسية" التي وضعتها دولٌ عديدةٌ للحفاظ على جودة الهواء، لكن الباحثين وجدوا ارتباطًا بين المستويات القليلة من الهواء الملوث وتدهور صحة الحوامل وأجنتهن.. تفاصيلٌ أكثر في مقالنا الآتي..
يسبب التعرض للهواء الملوث ولو بمقادير ضئيلةٍ زيادةَ خطر تعرّض النساء الحوامل لمشكلات صحية تتمثلُ في الولادات المبكرة وإصابةِ المواليد باضطراباتٍ عصبيةٍ وتنفسيةٍ في مراحل الطفولة اللاحقة.
ومن المعلوم أنَّ الجزيئاتِ الناعمةَ التي تَنبعث من وسائط النقل ومحطات توليد الطاقة وغيرها من المصادر الصناعية تؤثرُ في الجهاز التنفسي لدى الإنسان، إذ تصل هذه الجزيئات في النهاية إلى الرئتين وتستقرُّ فيهما. لكنّ العلماء توصلوا إلى أدلةٍ تفيد بأنَّ الهواء الملوثَ يؤثرُ في المشيمة عند المرأة الحامل، ومن المعروف أنَّ المشيمة هي العضو الذي يربط الأمَّ بجنينها ويزوِّده بالدم والأوكسجين والغذاء. وكلما ازداد تعرُّض الأم إلى الهواء الملوث ارتفعت إمكانية إصابتِها بحالةٍ مرضية تُعرف بـ "التهاب الرحم"؛ وهي حالة يمكن أن تزيد خطر ظهور عددٍ من المشكلات الصحية لدى الأم وابنها.
ففي دارسةٍ قامت بها كلية جون هوبكنز بلومبرغ للصحة العامة في ولاية ماريلاند في الولايات المتحدة الأميركية ونُشِرت في دورية Environmental Health Perspectives عام 2016، توصَّل الباحثون إلى نتائج زادت قناعتهم أن الهواء الذي تتنفسه المرأة الحامل قد يسبب مشكلاتٍ صحيةً تحملُ تأثيراتٍ طويلةَ الأمد على كلٍّ من السيدة وطفلها، وخصوصًا إذا علمنا أنَّ المعايير الحالية الموضوعة من قِبل وكالة حماية البيئة والخاصة بتلوّث الهواء ليست صارمةً بالقدر الكافي لحماية الأجنة في مراحل تطورها.
تفاصيل الدراسة
أظهر الباحثون منذ قرابة 20 سنة أنَّ التعرض إلى مستوياتٍ مرتفعةٍ من الهواء الملوث يقود إلى ولادة أطفالٍ ضعفاء، إضافةً إلى زيادة حالات الولادات المبكرة. واليوم يُبيِّنون أنَّ الكميّات القليلة من الهواء الملوث تمتلك تأثيراتٍ بيولوجيةٍ في المرحلة الخلوية لدى المرأة الحامل، وهذا ما رصده الباحثون لدى السيدات اللواتي تعرضن لهواءٍ ملوثٍ بمستوياتٍ أدنى من المعايير التي حددتها وكالة حماية البيئة، وذلك بعد أن حلَّلوا البيانات الخاصة بـ 5059 زوجًا من الأمهات مع أبنائهنَّ في جناح الولادة في بوسطن. وقد شمل هذا التحليل تقييمَ مدى انتشار التهاب الرحم لدى السيدات آخذينَ بالحسبان ما إذا كانت الأم قد تعرضت للحمى في أثناء المخاض عن طريق فحصٍ مجهريٍّ للمشيمة التي جُمعت واحتُفظ بها بعد الولادة.
عمد الباحثون بعد ذلك إلى تقييم تَعَرُّض الأمهات إلى الجزيئات الناعمة المعلقة في الهواء؛ وهي الجزيئاتُ ذات الأقطار التي تقلُّ عن 2.5 ميكرومتر، وجرى ذلك بالاستعانة ببيانات محطات جودة الهواء التابعةِ لوكالة حماية البيئة والموجودةِ بالقرب من أماكن سكن الأمهات، علمًا أن بوسطن تعدُّ مدينةً نظيفةً نسبيًا من ناحية تلوث الهواء. وقد وُجد أن غالبية السيدات اللواتي شملتهن الدراسة قد تعرَّضن إلى الهواء الملوث بمستويات تقل عن المستوى المقبول لدى وكالة حماية البيئة؛ وهو 12 ميكروغرامًا في المتر المكعب، في حين تَعرضت 1588 سيدة؛ أي ما نسبته 31% من السيدات اللواتي شملتهن الدراسة، إلى مستويات تلوثٍ تساوي المعيار المقبول من وكالة حماية البيئة أو تزيد عليه.
ترافقت تلك النتائج بارتفاع احتمال التعرض لالتهابات الرحم لدى النساء اللواتي تعرَّضن للمستويات الأعلى من الهواء الملوث مقارنةً بمن تعرَّضن للمستويات المنخفضة، وتبين أن الفترة الأكثرَ خطرًا عليهن وعلى أطفالهن كانت الثلث الأول من الحمل، وكانت النتائج متطابقةً حتى بعد أخذ عدد من العوامل الأخرى بالحسبان؛ مثل التدخين والعمر والسمنة والمستوى التعليمي.
الآثار الناجمة عن التعرض للهواء الملوث
يمكن أنْ يعاني الأطفال المولودون قبل أوانهم من مشكلاتٍ ترافقهم طيلة حياتهم، إذ يربط الباحثون الولادة قبل الأوان بأمراضٍ عديدة مثل الربو المزمن والتوحّد. وعلى الرغم من وجود ارتباط بين تعرض السيدات الحوامل إلى الهواء الملوث وحالات الولادة المتعسرة لديهن، لكنَّ الآلية البيولوجية ما زالت غير مفهومة حتى الآن.
يُعدُّ التهاب الرحم أحد مُسببات الولادة المكبرة التي تحدث بمعدل حالةٍ واحدةٍ من بين كل 9 ولادات في الولايات المتحدة، وحالةٍ واحدةٍ من بين كل 6 ولاداتٍ في أوساط السيدات الأمريكيات من أصولٍ إفريقية، وذلك حسب الدراسة المذكورة. وعلى الرغم من وجود بعض العلامات الظاهريةِ لالتهاب الرحم عند معظم السيدات، لكن هنالك إهمالًا لدراسة المشيمة بعد الولادة، علمًا أنها يمكن أن تكون مصدرًا قيمًا لجميع أنواع المعلومات البيئية ونافذةً لفهم علاقة التعرض للهواء الملوث في المراحل المبكرة من الحياة بالمشكلات الصحية التي قد تظهر في المستقبل.
المصدر: