الفيزياء والفلك > فيزياء
هل أوجد الحاسوب حلاً لمشكلة السفر عبر الزمن !
حيّرت "مُفارقة الجَد" الفلاسِفة وعُلماءَ فيزياءِ الكم والروائيين لسنوات، لكنّ الكاتب الصحفي "كاثال أوكونيل" يعتقِدُ أنّه توصّل إلى حلٍّ لهذه المُفارقة.
مضى أكثر من 120 عاماً منذُ أن نَشَر الروائيُّ الشهير هربرت جورج ويلز رواية "آلة الزمن The Time Machine" الّتي ساهمت بشكلٍ فعّال بنشر فكرةِ السفر عبر الزمن، وأدّت لظهور عددٍ لا يُحصى من القصص والروايات حولَ هذا الموضوع.
ولكن يبدو أننا حصلنا أخيراً على آلةٍ تُطوّرُ خط مسارٍ منطقي للسفر عبر الزَمن. يتعلّق خط المسار بمفارقة الجدّ، وهي لُعبة الفلاسفة المفضلة وتنطوي على فكرة أن يُسافر أحدهم للماضي ويقوم بقتل جدّهُ، مانعاً بهذا وجود أحد والديه في الحياة وبالتالي وجوده أيضاً. ولكن إذا لم يتواجد بطلُنا هذا في الحياة أصلاً، فكيف يُمكنهُ السفر إلى الماضي لإجراء سلسلة الأحداث في المقام الأول؟ هنا تكمنُ المفارقة.
غالباً ما تمتدّ هذه المفارقة إلى نواحٍ متعددة، وتعتبر أنّ أيّ عملٍ يقوم بهِ المسافر يمكنهُ تغيير الماضي بشكلٍ كبير، تماماً كما حدث في أحد أفلام السلسلة الشهيرة "عودة إلى المستقبل Back to the Future"، مع "مارتي ماكفلاي" عندما حرص على أن تتزوج والدتهُ "لورين" بوالده "جورج".
يعتقد فيزيائيون مثل ستيفن هوكينغ باستحالة حدوث سلاسل سببيّة كهذه، والتي تسمى وفق المفهوم الفيزيائي بـ "المنحنيات شبه الزمنية المغلقة closed time-like curves " نافيًا بذلك إمكانية السفر عبر الماضي.
ومع هذا فهناك من يطرح حلاً متمثلاً بوجود ما يُسمى "العوالم المتعددة many worlds". يقترحُ هذا الطرح أنك إن سافرت إلى الماضي فسينتهي بك الأمر في كون بديل آخر، وبهذا فإنّك إذا تدخلت بأحداث الماضي فإنّ التأثير سيقتصّر على الكون البديل وليس على الكون الذي ولدتَ فيه أنت.
يُعتبر هذا الحل مُقنعًا ولكنهُ يتطلب تحقيق شرطين، الأول هو وجود أكوان بديلة، والثاني أن تتمتع آلتُك الزمنية بميزة القفز بين الأكوان، لذلك أصبح حل المفارقة في كونٍ واحد فقط، أمرًا أكثر تعقيداً.
لكن عالم الحاسوب "دورون فريدمان" من مركز الأبحاث متعددة الاختصاصات في هرتسيليا، وظّفَ منطِق الحاسب لمُعالجة هذه المشكلة، وقد نُشر عملهُ في موقع (arXiv) ولا يزال خاضعاً للتقييم العلمي.
يُمكن لِمسارات السفر عبر الزمن أن تكون صعبة التتبع للغاية، إلاّ أن فريدمان صمّم برنامجًا حاسوبيًا يمكنهُ تتبع سلسلة الأحداث ذهاباً وإياباً بسهولة، وتحري انسجامها منطقياً. كما استخدم صيغةً مبسطة للمفارقة وفيها يسافر البطل إلى الماضي ويقتل والده وليس جده.
عندما نفّذَ فريدمان المسار الزمني عبر البرنامج، تنبّهَ البرنامجُ لحدوثِ مُفارقة، مُبلغاً عن حالة تعارض (contradiction)، فإذا سافر الإبن عبر الزمن وقتل والده فكيف للإبن أن يكون موجوداً؟
عندما طلب فريدمان من البرنامج حلاً لهذه المعضلة، عملت الخوارزمية على آلاف السيناريوهات المحتملة وحددت الأنسب منطقياً، وهي التي لا تقود فيها أفعال بطل المفارقة "الأبن المجرم" إلى أن يُمحى من الوجود. ركزّ فريدمان في الورقة البحثية على اثنين منها.
يتضمن السيناريو الأول أن يصبح الابن - ولنُسمهِ مارتي- جّداً لنفسه. فبعد أن يعود مارتي بالزمن للوراء ويقوم بقتل والده الشاب – ولنُسمه جورج-، يقوم مارتي بإنجاب طفل آخر لِيُصبح فيما بعد والدهُ أي جورج آخر. يُعتبر هذا الحل غير مقبول، لأنه سيؤدي إلى ارتباط غير مقبول بين مارتي وجدّتهُ.
أما الحل الآخر الذي قدّمهُ الحاسوب فهو أكثر إثارةً للاهتمام من الأول، ولكن يكمُن العائق فيه أنّه يعمل حصراً في حال كون الأب قادراً على السفر عبر الزمن. في عام 1954 يُسافر جورج والد مارتي عبر الزمن إلى المستقبل لمدة عام واحد 1955 ليلتقِ بأم مارتي لورين ويُنجب مارتي، ثم يعود جورج مباشرةً إلى العام 1954 قبل أن يصل الابن الشاب مارتي ويقتلهُ، وبالتالي فإن سفر جورج للمستقبل جعلهُ ينجب إبنهُ مسبقاً وبهذا اختفت المفارقة.
نُقرّ لكم بأنّ الأمر معقد بعض الشيء حيث نحتاج إلى عائلة كثيرة الحركة والسفر عبر الزمن، وهو بطبيعة الحال أمر صعب التصديق بحد ذاته. ولكن الخوارزمية التي نتكلم عنها ليست مجرد فوضى لا قيمة لها، إذ لم يقم فريدمان بتصميم برنامجهُ الحاسوبي ليعمل بوصفه مجرد محرك يقوم بتوليد أفكار وقصص الخيال العلمي، بل إنّ هدفهُ الرئيسي هو إحداث بيئات واقع افتراضي لتطبيقها في مجال التدريب أو حتى إعادة التأهيل النفسي.
يقول فريدمان: "على عكس عالمنا المادي، يتيح لك المجال الرقمي العودة بالزمن، والتحكم بمجرى الأحداث وتجنّب العواقب الناتجة عنها". جميع برامج تحرير النصوص توفّر خيار التراجع (undo) عن الأخطاء، وإذا قمت بأي خطأ أثناء لعبة فيديو فإنه يمكنك العودة إلى مرحلةٍ سابقة والمحاولة مرة أخرى.
يمكن للسفر نحو المستقبل أو الماضي في الواقع الافتراضي أن يُساعد الناسَ على رؤية عواقب تصرفاتهم أثناء التدريب على وظيفةٍ جديدة، أو قد يُساعد إنسانًا في مرحلة العلاج من تداعيات تجربة نفسية مؤلمة، ولكنه على الأغلب لن يقوم بحلّ الخلافات بين الآباء والأبناء.
المصدر: هنا