التعليم واللغات > اللغويات
دور المورّثات في تعلم لغة جديدة
إن كنتَ تعتقدُ أنّ الالتزامَ وتكريسَ كثيرٍ من الوقتِ هي الأشياءُ الوحيدةُ التي ستساعدُك على تعلمِ لغةٍ ثانية، فعليك أن تعيد حساباتك، فهناك أمورٌ أخرى قد تتدخلُ سلباً أو إيجاباً فالمورثات (الجينات) مثلاً أيضاً تلعبُ دوراً هاماً في ذلك.
كيف؟ تابعنا في مقالنا التالي وستعرف الإجابة.
لا يعاني الناسُ من صعوبةٍ في تعلّمِ لغةٍ أجنبيةٍ في المرةِ الأولى غالباً، لكنّ الأمرَ يزدادُ صعوبةً في المرةِ الثانيةِ أو الثالثة. وبما أنَّ لكلِّ قاعدةٍ استثناء، فهناكَ بعضُ الأشخاصِ الذين لا يلاقون صعوبةً خلال تعلّمِ لغةٍ أجنبيةٍ ثانيةٍ أو ثالثة، وذلك لأنَّ الأمرَ برمّتهِ لا يتعلقِ فقط بدراسةِ اللغةِ بشكلٍ جيد. بل تتدخلُ مورثاتُ الفردِ أيضًا في عمليةِ تعلّمِ لغةٍ جديدة.
تشيرُ إحدى الدراساتِ إلى أنَّ التغيراتِ الجينيةَّ تتحكّمُ في حجمِ تغيرِ نشاطِ المادةِ البيضاءِ في الدماغ، الذي يتحكّمُ بدورهِ بمدى سهولةِ أو صعوبةِ تعلمك لغةٍ ثانية.
أجرى رئيسُ الأبحاثِ في جامعةِ واشنطن د. بينغ ماميا Dr. Ping Mamiya فحصاً للأسبابِ البيولوجيةِ التي مهدت لهذهِ الدراسةِ بالاشتراك مع فريقه المؤلفِ من 44 طالباً في سنتهم الجامعيةِ الأولى ممن جاءوا من الصين، وتمَّ تعليمهم اللغةَ الإنكليزيةَ ضمنَ دورةٍ مكثفةٍ مدتُها ثلاثةُ أسابيع.
قام الباحثون بعملياتِ مسحٍ للدماغ عبر التصويرِ بالرنين المغناطيسي MRI مستخدمين خاصيةَ الانتشار الموتر DT بعدَ خضوعِ الطلبةِ للدورةِ المكثفة. وقارن الباحثون النتائج بنتائج فحص مجموعة أخرى من أفراد كانوا قد وصلوا لتوهم من الصين ولم يشاركوا في برنامج تعلم الإنكليزية المكثف. كانت مهمةُ فريقِ الباحثين مراقبةَ حدوثِ أيّ تغيراتٍ في منطقةِ المادةِ البيضاء في الدماغِ المسؤولةِ عن ربطِ باقي مناطق الدماغ ببعضها بعض.
وقد أظهرتِ النتائجُ تبايناً واضحاً بين الطلابِ الذين خضعوا للدورةِ المكثفةِ وبين الذين لم يخضعوا لها. على سبيل المثال، كان للانفتاحِ على لغةٍ أجنبيةٍ دورٌ في تمكينِ الترابطِ بين داراتِ الدماغِ العصبيةِ المسؤولةِ عن اكتسابِ اللغة، والتي تقعُ ضمنَ المادةِ البيضاء، بينما لم تطرأ أيُّ تغيراتٍ على المجموعةِ التي لم تخضع لدروسٍ مكثفةٍ في الإنكليزية.
إنَّ أكثرَ الملاحظاتِ إثارةً للاهتمامِ هي دورُ مورثات الطلبةِ في التحكّمِ بمدى التغيراتِ التي طرأت على المادةِ البيضاءِ في أثناءِ تلقي دروسِ اللغة الأجنبية، وبالتالي دورُها في التحكّمِ بجودةِ تعلّمهم لهذهِ اللغة، إذ أخذ الباحثون عيناتٍ من الحمضِ النووي لكلٍّ من الطلبةِ قبلَ بدءِ الدورة، ولاحظوا أنَّ الجين COMT يظهرُ عبرَ تشكًلين مختلفين، ما يؤدي لترابطٍ أقوى في الدماغِ عندَ الطلبةِ الذين خضعوا للدورة.
واستنتج الباحثون من هذه التجاربِ أنَّ امتلاكَ الفردِ هذا الجين والتغيراتِ الناجمةِ عنه في المادةِ البيضاءِ يفسّرُ 46% من حالاتِ التباينِ في نتائجَ الطلبة.
كما تؤكدُ هذه النتائجُ على استعدادِ بعضِ الأشخاصِ لاكتسابِ مهاراتٍ وقدراتٍ جديدةٍ أكثرَ من غيرهم، وأنَّ البيئةَ والتنشئةَ ليست العواملَ الوحيدةَ المؤثرةَ بمدى نجاحِ شخصٍ ما في تعلمِ لغةٍ أو اكتسابِ مهارةٍ جديدة.
وتضيف باتريسيا كول Patricia Kuhl إحدى المساهماتِ في كتابةِ الدراسةِ أنَّ قدراتِ البشرِ في تعلمِ مهاراتٍ جديدةٍ متباينةٍ بشكلٍ هائل، وأننا نسعى لمعرفةِ سببِ هذا التباين، فبمعرفةِ السببِ يمكننا الإجابةَ عن سؤالٍ علميًّ بسيطٍ عن كيفيةِ عملِ البيئةِ المحيطةِ بنا وجيناتنا وأدمغتنا، وسنستطيع أيضاً أن نصلَ عبر مداخلاتٍ معينةٍ لطرقٍ جديدةٍ لتحسينٍ أساليبَ التعلّم.
المصدر: