البيولوجيا والتطوّر > منوعات بيولوجية
أنظمة الملاحة عند النمل
عندما نكون في منطقةٍ غير معروفةٍ لنا، كحيٍّ بعيدٍ عن بيوتنا أو حتى مدينةٍ غريبةٍ عنا، فإنَّنا دائماً ما نحاول تحديد "نقاط علام" كلوحة إعلانات أو أبنيةٍ ذات تصميمٍ معينٍ أو مجموعةٍ من الأشجار المميزة كي لا نضلَّ طريقَنا ولنتمكَّن من العودة إلى المكان الذي انطلقنا منه إن استجدَّ طارئ. لكنَّ القصةَ مختلفةٌ تماماً في الصحراء حيث الكثبانُ الرمليةُ في كلّ الاتجاهات، وحتى آثار الأقدام لا تلبثُ أن تُمحى بالرياح؛ ولذا فالتيه والضياع فيها هو القاعدة، أما معرفة الطريق الصحيح فهو الاستثناء! فكيف يجد النمل الذي يعيش في الصحراء طريقه يا ترى؟!
تأتينا أولى الإجاباتِ عن هذا السؤال من دراسةٍ نُشرت في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، وأشارت إلى أنَّ النملَ يراقب حركةَ الشمس لكي يعرفَ طريقَ العودة إلى منزله، وبذلك يحددُ الاتجاهاتِ كما كان البحارةُ يفعلون سابقاً، أمَّا لمعرفة المسافةِ التي قطعها فإنَّه يعدُّ خطواتِه!، وتُعرَف هذه التِقْنية ككل بالـ "Path Integration" أو تِقْنية دمج الطرق. يعلّق المختص في علم الأعصاب Matthias Wittlinger على ذلك: "البيئة قاسيةٌ جداً في الصحراء، والنملُ يتحرك في أحرّ الأيام حين تصل الحرارة إلى 70 درجة مئوية، وعليه أن يكون سريعاً جداً في الحصول على الطعام والعودة إلى عشه، وبالفعل قد تسيرُ النملةُ بسرعة تصل إلى مئة ضعف طول جسمها في الثانية الواحدة."
ولكنَّ نظامَ الملاحة هذا يشترطُ على النملة أن تسيرَ كي تتمكنَ من عدّ خطواتِها، فماذا عن النملات المحمولة، أي اللاتي يُحملنَ على ظهر نملاتٍ أخريات، وبالتالي لا يُمكنهن عدُّ خُطواتِهن. هل يستطعن العودةُ إلى أعشاشهن؟ لنجيبَ عن هذا السؤال، نستحضرُ في أذهاننا النحلَ والدبابير، فهي لا تمشي (وبالتالي لا تعدُّ خطواتِها) لكنَّها تعتمدُ على التدفق الضوئي Optic Flow)) أي أنَّها تتبعُ كميةَ المعلوماتِ الضوئية الواردةِ إليها لتحفظَ طريق العودة.
فهل تفعل النملات المحمولات الأمر نفسه؟
ليتأكدَ العلماءُ من هذا الفرض، انتظروا خروجَ نملتين تحمل إحداهما الأخرى وبعد أن تحركتا 10 أمتارٍ، فُصِلتا عن بعضهما، وكانت المفاجأة أنِ استطاعتِ النملة المحمولة أن تعودَ إلى العش مباشرةً. لاحظ العلماء أنَّ هذا لا ينطبقُ سوى على النملاتِ اللاتي بإمكانهنَّ الرؤية، فحين تُغطّى عيونُ النملة المحمولة لمنعها من الرؤية أثناء الرحلة، تفقدُ قدرتَها على العودة لأنَّها لم تتمكن من توظيف تقنية التدفق الضوئي لحفظ معلومات طريق العودة.
تعيش هذه الكائناتُ في إحدى أكثر البيئات قسوةً في العالم، فلا عجبَ أنَّها تطوَّرت لتمتلك تِقْنيتي "دمج الطرق" و"التدفق الضوئي"، ولذلك فإنَّه على النمل الذي يعيش في الصحراء أن يمتلكَ نظامَ مِلاحةٍ جيدٍ مؤلفٍ من التِقْنيتين المذكورتين آنفاً، فإذا ما تعطلت إحداهما، سيكون بمقدوره استخدامُ الأخرى.
إذا كنت تعيش في الصحراء، فيجب أن تكون بارعاً في إيجاد الطريق وهذا ما يتقنه النمل جيداً، ذلك الكائن المذهل التي قد ترغب في معرفة المزيد عنه من خلال قراءة هذا المقال عن غرائب النمل:
المصدر: هنا