المعلوماتية > عام
تكنولوجيا السيارات ذاتية القيادة ستكون جاهزةً قبل جُهوزية القوانين
يفترضُ القانون الآن أنَّ الإنسان هو الموجودُ في مقعد السائق، وهو السببُ الذي يُبقي أيدي سائقي جوجل وتسلا المحترفين بالقربِ من عجلة القيادة وعيونهم تركز على الطرقات. كما أنّ سيارات تسلا تستخدمُ التحذيرات الصوتية لتنبيه السائق، وهذا يجعل استخدام هذه السيارات قانونياً في الوقت الراهن، لكنّه لا يساعدُ تسريعَ بدءِ استخدام المركبات الذاتية بشكلٍ كامل.
لا يُمكِننا تأجيلُ تغييرِ القوانين حتى ظهورِ السيارات ذاتية القيادة، لأنّ القوانينَ اليوم تتركُ الكثيرَ من المجال لعدم اليقين؛ وعدمُ اليقين هذا يؤدي إلى تأخيرِ عملية التطوير، إذ لا يٌمكن أن نتوقَّعَ من شركةِ سياراتٍ الاستثمارَ في إنتاجِ أسطولٍ جديدٍ من السياراتِ ذاتيةِ القيادة عندما قد تضطرُ إلى سحبها جميعاً من الأسواق عند وقوع الحادث الأول. وبالتالي لن تكون لدينا سياراتٌ مستقلّةٌ حقاً حتى يتمَّ الانتهاءُ من وضع القوانينِ وتثبيتِها.
ويعتقدُ معظمُ الباحثين القانونيين أنَّ وقوعَ حادثِ سَيرٍ سيؤدّي إلى دعوى قانونيةٍ تتعلقُ بتصميمِ السيارة، و هذا ما يُقلق شركاتِ السيارات لعدة أسباب:
أولاً: ستكون الدعوى القانونية باهظة الثمن بغضِّ النظر عن الجهة التي قد تفوز.
ثانياً: من الصعبِ التنبؤُ بنتائجِ هكذا قضيّة، عُموماً فإنّ السؤال الرئيسي في قضايا مسؤوليةِ المُنتِج هو إذا ما كان للمنتَج "خللٌ" يسبب "خطرٍ غيرِ معقول". وهذا غالباً ما ينطوي على تحديد إذا ما كان باستطاعة مُصمِّم المنتَج أن يجعله أكثرَ أماناً بتكلفةٍ مقبولة. ولكنْ من يُحدّد ويعرف مفهوم الـ "معقول" لهذه التكنولوجيا الجديدة؟ ومن يحدّد مفهوم "آمنةٍ إلى حدٍّ معقول"؟ هل هو السائق الاعتيادي أم المثالي أم الكومبيوتر السائق؟
ثالثاً: قد يؤدي التقريرُ القانونيُ الناتج، إلى سحبِ جميع هذه السيارات من الأسواق لأنَّ التصميمَ مَعيبٌ وتَسبَّبَ بوقوع الحادث. وهو قرارٌ مكلفٌ جِداً!
وأخيراً، يُمكن للتعويضاتِ الجَزائية أن تلعبَ دوراً مهماً، فعلى سبيل المثال كانت نتيجةُ قضيةِ Liebeck ضدَّ McDonalds عامَ 1994 جائزةَ أضرارٍ جزائيةً بقيمة 2.7 مليون دولار بسبب حروقٍ نتجت عن القهوة الساخنة!
قد يكونُ الحلُّ لمشكلةِ الدعاوي القضائية في الواقع بسيطاً جداً: يجب أن نُعامِلَ الكومبيوترَ السائقَ تماماً كما نُعاملُ الإنسان، وبدلاً من تطبيقِ قوانينَ تتعلقُ بعيوبِ التصميمِ على الكومبيوتر السائق، يتمُّ استخدامُ قوانينِ الإهمال العادية. أي ينبغي أن يُعتَبر الكومبيوترُ السائقُ مسؤولاً إذا اعتُبِرَ السائقُ البشريُّ مسؤولاً في نفسِ الظروف.
تؤثّرُ السياسةُ العامّةُ على كيفية تصميمِ الطُّرقاتِ وجُهوزيّتها، إذ تعتمدُ اليوم على قدرةِ البشرِ في الرؤية والإدراك، فنحنُ مثلاً نتوقّفُ عندما تكونُ الإشارةُ الضوئيةُ حمراء، ونتمهّلُ عندما تُصبح الإشارةُ برتقالية، وغيرِها من القواعدِ البديهية بالنسبةِ إلينا، ولكنّها ليستْ بهذه البساطة من منظور الآلات. تتعرَّفُ المركباتُ ذاتيَّةُ القيادةِ اليوم على الأشياءِ باستخدامِ مزيجٍ من الأدواتِ مثلَ تتّبُّعِ الكائنِ باستخدام المسافةِ والسّرعةِ والتعرّفِ على الأشياء، لكنْ لا تزالُ هذه التكنولوجيا بحاجةٍ إلى الكثير من التطوير لتحسين أدائِها. (يُمكنك قراءةُ مقال "التعلم العميق يساعد السيارات بدون سائق في التعرف على المشاة") .
من المُمكنِ جعلُ البنيةِ التحتيّةِ صديقةً للسياراتِ ذاتيّةِ القيادة، إلّا أنّها ستكونُ عمليةً مُكلِفَةً ولن تُلغي كافّةَ التحدّياتِ الموجودة، فالسّيارةُ لا تزالُ بحاجةٍ إلى "رؤية" الطفل وهو يقترب من التقاطع، ولكنْ ستُقدّم هذه التغيراتُ الكثيرَ من التَسهيلات، فباستخدام مُرسِلات التردداتِ الراديوية في إشارات المرور على سبيل المثال، يُمكن أن يعرفَ السائقُ الكمبيوترُ إذا كان هناكَ ضوءٌ أخضرُ أو أحمرُ بسرعةٍ أكبرَ وبدقةٍ أكبرَ من نظام الرؤيةِ العادي والذي قد يتأثّرُ بوجود الظّل أو الوهج. ويجب أن تحدثَ هذه الأنواع من التغييرات على الصعيد الوطنيّ، مع التّنسيقِ الدّوليِّ إذا أمكن، مِن خِلال تنظيمِ وتوحيدِ التكنولوجيا.
إنَّ محاولةَ تسريعِ بدءِ استخدامِ السّيارات ذاتيةِ القيادة لم تأتِ عن عبث، إذ بإمكانِ هذه التكنولوجيا أن تُنقذَ 30،000 شخصٍ سنوياً في الولايات المتحدة وحدَها، ويُمكِنُها أن تمنعَ 5 ملايينِ حادثٍ و2 مليونِ إصابةٍ سنوياً، والحفاظُ على 7 ملياراتِ ليترٍ من الوقود، وحفظُ مئاتِ الملياراتِ من الدولارات التي تَنتُجُ عن فقدانِ الإنتاجيّة والتكاليف المتعلِّقة بها.
يعودُ السّببُ في ذلك إلى أنّ السائقينَ الكمبيوتريين هُمُ الأكثرُ أماناً من حيث المبدأ، فالسائقُ الكومبيوتر لن يحاولَ إرسالَ رسالةٍ نصّيةٍ أو وضعَ المكياج أثناء القيادة، ولن يغفو على عجلة القيادة! في المقابل، تُسبّبُ الأخطاءُ البشريةُ ما يُقارب من 93 في المئة من الحوادث. كما يُمكن للسائقين الكومبيوتريين الرؤيةُ بـ 360 درجة، وذلك بفضل الليدار والرادار وأجهزة الاستشعار بالموجات فوق الصوتية والتي يُمكنها أن ترى من خلال الضباب والظلام. ومن الأسباب الأُخرى أيضاً:
أولاً: يُمكن للسائقين الكمبيوتريين "التخاطر": يمكن للسائق الكمبيوتر أن يُعلِم السائق الكمبيوتر الآخر أنه يريدُ تغييرَ مسارِه قبلَ اتخاذ هذا القرار. ويُمكنه أن يتواصلَ مع إشارات المرور للحدِّ من أوقاتِ الانتظار عند التقاطعات وتحسين تدفقِ حركة المرور.
ثانياً: يستطيعُ الكومبيوتر التفاعلَ بشكلٍ أسرع، فبينما يعتمدُ البشرُ على إشاراتٍ كيميائية مع سرعةِ ردِ فعلٍ محدودةٍ بحوالي 1.5 ثانية أو 37 متراً (حوالي 120 قدم) في السرعات العالية؛ إلا أنّ أجهزة الكمبيوتر تعتمدُ على الإشارات الكهربائية والمعالجات من مرتبة الغيغاهيرتز.
ثالثاً: يُمكن إخضاعُ السائقِ الكومبيوتر إلى اختباراتٍ أكثرَ صرامةٍ مقارنةً مع اختبارات القيادة اليوم، والتي غالباً لا تتجاوز الـ 20 دقيقة. ويُمكن اختبارُ قدرة السائق الكمبيوتر على القيادة بأمانٍ مثلاً لمسافة مليون ميل قبل أن يُسلَّم رخصة القيادة.
وأخيراً، لدى السائقين الكمبيوتريين قدرةٌ أفضلُ على التعلّم من الخطأ مقارنة مع الإنسان، إذ يُمكن لكلِّ سيارةٍ أن تتعلّم من آلافِ السّيارات الأُخرى من خلال التحسينات الهندسية الإضافية المستمرة، بينما يكرر البشر -لسوء الحظ- أخطاءً قام بها آخرون.
من ناحيةٍ أُخرى، ستكون هناك العديد من الآثار الناتجة عن وجود السيارات ذاتية القيادة في الطرقات، من هذه الآثار:
أولاً: سيكون هناك تأثيرٌ على النموذج القياسي من ملكية السيارات واستخدامها. عادةً ما تكون السيارات حالياً متوقفةً 95 في المئة من الوقت، وإذا طَلب الناسُ السيارة ذاتية القيادة عند الحاجة فقط (مثل نظام التاكسي)، فإنَّ معدلات الاستخدام سترتفع وتكاليف الملكية ستنخفض، وكفائدةٍ إضافية، فإننا سنتمكّنُ من ركوبِ سياراتٍ من أحدثِ طِرازٍ مع تأثيرٍ أقلّ على البيئة. ولكنْ ما هو التأثير الممكن على مبيعات السيارات؟
ثانياً: يُمكن أن تكون الخصوصيةُ مصدراً للقلق؛ فالسياراتُ ذاتية القيادة تُمثّل الشكلَ الأقصى لاتصال الآلات بالشبكة، ولن تعرفَ المكانَ الذي تودُّ الوصولَ إليه والطريقَ فحسب، بل ستكونُ السياراتُ مجهّزةً بأجهزةِ مراقبةٍ وتسجيلِ فيديو وغيرِها من وسائل منع التخريب، إضافةً إلى أنَّ السياراتِ ذاتيةَ القيادة تُراقِبُ باستمرارٍ السائقين الآخرين على الطريق، وإلى الآن لا نعلم إن كانت البيانات ستُخزَّنُ بشكلٍ دائمٍ أو كيفيةِ استخدامِها في وقتٍ لاحق.
ثالثاً: سيكونُ للسيارات ذاتية القيادة تأثيرٌ عميقٌ على تصميم المدن؛ إذ تحتلُّ أماكنُ وقوفِ السيارات في المتوسط حوالي 31 في المئة من المناطق التجارية المركزية في المدن التجارية. أمّا السياراتُ ذاتيَّةُ القيادة فبإمكانها رَكنُ نفسِها في أماكنَ بعيدةٍ ومنْ ثمَّ تصل إليك عند الحاجة، وفي هذهِ الحالة يُمكنُ تكريسُ المزيدِ من الأراضي لمناطقَ للمشاة والتسوق والحدائق، وغيرها من الاستخدامات ذات القيمة.
يجبُ أن يتمَّ التعاملُ مع جميع هذه القضايا آجلاً أم عاجلاً، لأنَّ الهدفَ هو الوصولُ إلى أفضلِ الوسائل التقنيّة القابلة للتطبيق بتكاليفَ معقولة، ونتائجَ تعمُّ من خلالها الفائدةُ على المجتمعات.
تقوم شركة غوغل اليوم بنشر تقريرٍ شهريٍّ عن حالة السيارات ذاتية القيادة التي تختبرها، وفي تقريرها الصادر في شهر شباط 2016 تحدّثتْ غوغل عن حادث السير مع الباص، والذي تسببت به السيارة ولكن دون وقوع إصابات، وتَصفه غوغل بالحادث الذي يُمكن أن يتسبَّب به أيُّ سائقٍ بشريٍّ وهو ناتج عن سوء التقدير.
المصادر: