الفيزياء والفلك > علم الفلك
هل تتغيّر أشكال الكوكبات النجمية مع مرور الوقت؟
مع تعدُّد الاكتشافات الحديثة والمميَّزة التي يبهرنا بها العلم في جميع المجالات، لا بدَّ أحياناً من العودة خطوةً نحو الوراء، وطرح الأسئلة الجوهريّة التي ينبغي علينا التفكير بها والتعمق فيها.
أحدُ هذه الأسئلة هو "هل تتغيّر أشكالُ الكوكباتِ النجمية مع الزمن؟ وإن كان الجواب بالإيجاب فمنذُ متى تبدو هذه الكوكبات بالشكلِ الذي نراها عليه اليوم؟"
الكوكبة النجميّة أو البُرج هي عبارةٌ عن مجموعةٍ من النجوم الّتي نراها نحنُ من منظورنا على أنها تُشبِهُ شكلًا مُعينًا، مثل كوكبة القوس، أو الأسد، أو الحوت.
كان من الصعبِ البحثُ عن إجابةٍ على سؤالٍ كهذا في الماضي، فقد توجّب على الشخص الّذي يبحثُ عن إجابة، الاستعانةُ بكتابٍ أو مجلّةٍ أو حتى أحد الأشخاصِ المهووسينَ بعلمِ الفلك. أما اليوم فالأمر أسهلُ بكثير! كلُّ ما ينبغي فعلهُ هو البحث في الشبكة العنكبوتيّة، ليجد الجواب بسرعة "نعم"، إنّ أشكال هذه الكوكبات تتغيّر مع مرورِ الزمنِ.
فالنجومُ التي نراها كنقاطٍ ثابتةٍ من الأرض، بالإضافة إلى النجم الأقربِ لنا 'الشمس' في حركةٍ دائمة، فهي تدورُ في مداراتها المجريّة الواسعة وفي نفس الاتجاه تقريباً حول مركز كتلة المجرة، لكلِّ نجمٍ مداره الخاص بشكلٍ مشابه لمدارات الكواكب حولَ الشمس.
يمكن لمدارِ أيِّ نجمٍ من هذه النجوم أن ينحرف قليلا، بالمقارنة مع بقيّة المدارات. وتعتمد سرعاتُ هذه النجوم بشكلٍ كبير على بعدها عن مركز المجرة، فهي لا تختلف عن السيّارات التي تتحرَّك باتجاهٍ واحدٍ على الطريق السريع، لكلٍّ منها سرعته بالنسبة لمرجعٍ ما، ولكل منها سرعة نسبيّة مقارنةً بالسيارات الأخرى، مما قد يغيّر من مواضعها والمسافات التي تفصل بينها.
هذه التغيُّرات النسبيّة البطيئة في مواقع النّجوم تعطي لكلِّ نجمٍ مرئيٍّ في سمائنا "حركةً ذاتيّة أو حركةً خاصة" ممثّلةً بتغيُّرٍ في الموضع الزاويّ في السماء، هذا التغيُّر صغيرٌ جدّاً ويُقدَّر بميللي ثانية قوسيّة في السنة، والثانية القوسيّة هي جزء من 3600 جزء من الدرجة. فإذا قمت بمدِّ أصبع الخنصر على طول يدك، يمثّل عرضُ الخنصر عندها زاويةً تساوي تقريبا درجة واحدة، والدرجة الواحدة هي 3600 ثانية قوسية.
إنّ أسرع النجوم في سمائنا اليوم هو نجمُ برنارد، الّذي يدعى بنجم السهم، وهو قزمٌ أحمرٌ صغير الحجمِ والكتلة، يبعُد ستَّ سنواتٍ ضوئيّةٍ في كوكبة الحواء فوق كوكبة العقرب، ويسمّى أحيانا ببرناد الهارب بعيداً نظراً لسرعته العالية، فهو كالرّصاصة التي تخترق صفوف النجوم الأخرى نحو مصيرها المحتوم.
تبلغُ سرعةُ نجم برنارد الشعاعيّة مُبتعدا عنا، نحو 110 كلم في الثانية. أما عن الحركة الذاتيّة لهذا النجم فهي تبلغ سرعةً تساوي 10.3 ثانية قوسيّة في السنة، أي ما يعادل 10300 ميللي ثانية قوسيّة في السنة، وهو مقدارٌ كبيرٌ جدّا مقارنةً بباقي النجوم.
ورغمَ سرعته الكبيرة جداً فإن برنارد الهارب يحتاجُ إلى 350 سنة ليتحرّك مسافةً تعادل عرض إصبع الخنصر في السماء، بالنسبة لمنظومة رصد ثابتة.
يمكننا الآن الانتقالُ إلى القسم الثاني من السؤال، كم تحتاجُ الحركاتُ الذاتيَّةُ للنجوم من الوقت لتُغيِّر من الأنماطِ التي نراها في هذه الكوكبات؟
إنّ الإجابة واضحة، فذلك يتطلّبُ زمناً طويلاً جدّاً، إذ أنَّ حركةَ أسرع النجوم 'برنارد الهارب' عصيَّة على ان تُلاحظ بالعين البشرية، أضف إلى ذلك حقيقةَ كونِ أكثرِ النجوم لمعاناٌ تُظهر حركاتٍ ذاتيّةٍ بسرعاتٍ أقلّ من نجم برنارد، وهو ما يدلُّنا على أن القدماء قد شاهدوا هذه الكوكبات بالشكلِ الذي نراها عليه اليوم. وحتى بعد ألفِ عامٍ من اليوم، سيلاحظ أحفادنا الأنماطَ نفسها في السماء، ورغم أن أسمائها قد تتغير في ذلك الزمن لكن أشكالها ستبقى نفسها.
نبذة عن الكاتب:
بينجامين بوريس
وهو عالم فلك في مركز شابوت للعلوم والفضاء منذ عام 1999، تخرّج من جامعة ولاية سونوما عام 1985، ونال درجة البكالوريوس في الفيزياء وتحديداً في علم الفلك، ثم عملَ مدرِّسا للفيزياء والرياضيات مع فيلق السلام في دولة كاميرون الأفريقيّة، كما عمل بين عامي 1989 و 1996 مع طاقم مرصد كويبر التابع لناسا، وذلك في مركز أبحاث آميس في كاليفورنيا، وكان رئيس المراقبين في أحد برامج مرصد لويل في فلاجستاف بين عامي 1996 و1999.
المصدر: هنا?
للإطلاع على أشكال الكوكبات السماوية بعد 50 الف عام، انقر الرابط هنا هنا?
هل أعجبك هذا المقال؟ شاركنا رأيك بتعليق.