الفنون البصرية > فن وتراث
الخرزة الزرقاء، تراثُ خرافة
يميل بعض الناس إلى الاعتقاد بقوى خفية شريرة تسبب لهم الأذى والضرر، لذا يلجؤون إلى بعض التمائم والطلاسم والتعاويذ لدرء اللعنات والحماية منها. ولايقتصر الاعتقاد على منطقة ما في فترة زمنية محددة، بل نراه ضارباً في الزمان والمكان، إذ لا يخلو مجتمع من معتقدات دينية وأسطورية عن قوى الشر وبالتالي من وسائل سحرية للحماية والوقاية منها. وإحدى أشهر هذه المعتقدات وأكثرها تقبلاً وانتشاراً هو لعنة "عين الشر" أو "عين الحسود" ،فقد سُجّل أول ذكر للإيمان بمعتقد لعنة عين الشر في منطقة بلاد الرافدين على ألواح طينية مكتوبة بالخط المسماري تعود لما يقارب خمسة آلاف عام. ويمكن القول إن أصل هذا المعتقد قد يعود للعصر الحجري الأعلى.
وتُعتبر الخرزة الزرقاء إحدى أشهر التمائم التي تقف في وجه معتقد عين الشر في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط، لاسيما في دول الشرق الأوسط، فهي وسيلة لدرء العين الشريرة أو الحاسدة التي ينتشر الإيمان حول العالم بقدرتها على التسبب باللعنة والأذى فتسمى بالعربية بـ "عين الحسود" و بالانكليزية "Evil eye" وبالفرنسية "Mauvais Oeil" وبالألمانية "Böse Blick" و بالعبرية " عين هرع עין הרע" وبالسويدية "Onda ögat" وبالتركية "Kem göz".
وتمثل العين المرسومة على خرزة كروية أو مفلطحة وغالباً ماتكون زرقاء شكل تميمة الخرزة الزرقاء والمعروفة بالتركية " Nazar Boncuk" والتي ترمز لعين محدقة في الكون تقوم بدرء الشر وتحصن حاملها من المخاطر. أما اللون الأزرق فيرمز للماء العذب الذي يعطي الحياة. ويمكن القول إن وقوع تركيا في منطقة جافة نسبيا، هو مادفع الناس لاختيار اللون الازرق للتميمة، ليرمز بالتالي للخير الذي يعطيه الماء للحياة والناس. ويرمز اللون الأحمر والأخضر في بعض المعتقدات للخير والحظ ما يفسر وجود تمائم حمراء وخضراء.
أمّا في منطقة الشرق الأوسط فقد تأخذ التميمة شكل الكف وتسمى بـ "الخمسة" أو "يد فاطمة" أو "يد مريم"، وغالباً ماتكون زرقاء أيضاً. وينتشر الاعتقاد بوجود ثلاثة أنواع للعنة عين الحسد فالأولى هي عين غير مقصودة التي تؤذي الآخرين والأشياء عن غير عمد، في حين الثانية تؤذي عن عمد. أما الثالثة فتكون مخفية وغير مرئية وتعد الأخطر. وهنا يأتي دور عين الخرزة الزرقاء، فهي تبصر كل أنواع الشرور وتعكس الشر ليعود على حامله بواسطة اللون الأزرق.
ويعتقد أن أصل الخرزة الزرقاء يعود للمصريين القدماء. فالعين هي عين إله السماء والخير والعدل حورس الحارسة الخارقة، والتي اعتبرها الفراعنة تميمة تحمي عروشهم، وتؤمن استقرار الدولة. أما اختيار اللون الأزرق، فيعود إلى دلالته الدينية، بالإضافة للشهرة التي نالها الفراعنة لاهتمامهم بصناعة اللون الأزرق الخاص بهم والذي انتشر في العالم المصري القديم.
ومن المحتمل ظهور هذا الاعتقاد لدى مختلف الثقافات غير المعتادة على العين الحسودة كما في أوروبا الشمالية والقارة الأمريكية، إذ تفرض ضريبة محلية ضد تجاوز المدح أو التحديق في الأطفال. لذلك تستخدم التمائم ضد عين الحسود في اليونان وتركيا على شكل عين زرقاء. ويسود اعتقاد في بعض المناطق التي تندر فيها العيون الفاتحة كالزرقاء والخضراء أنها قادرة على التسبب بلعنة عين الحسد وبالتالي تستخدم تمائم الخرز الأزرق لابعادها.
توضع الخرزة الزرقاء في كل مكان يريد المؤمن بقدرتها السحرية أن يحميه من عين الحسد ونظراً لجماليتها فهي لاتتطلب من الشخص أن يكون مؤمناً بفعاليتها ليستخدمها في تزيين الحلي والأثاث. ولشدة إيمان وولع تركيا بالخرز الازرق وبصناعته فقد تم إدراج "ثقافة الخرز الأزرق" على قائمة اليونيسكو للتراث العالمي.
المصادر: