الفلسفة وعلم الاجتماع > الفلسفة
المغالطات المنطقية: مناشدة الشفقة (استدرار العطف)
في هذا المقال، سنناقش مغالطةً نقع فيها جميعًا، وهي مغالطةُ مناشدةِ الشفقة، أو استدرارِ العطف. يقع الإنسانُ في هذه المغالطة عندما يميلُ إلى الحكم على قضية ما أو مسألة ما ميلًا تسوِّقُه العاطفة، أو عندما تُسْتَدَرُّ مشاعرُ الناس نحو أمر ما حتى تُكسَبَ الدعوى أو يُربَحَ النقاش، أي يُستغنَى عن الدليل المنطقيِّ المقْنع الذي لا يفتح أيَّ بابٍ للشكّ، ويُستعاضُ عنه بالعواطف والمشاعر. ويُستخدَم هذا الأسلوبُ في أغلب الأحوال في المسائل المصيريّةِ الهامّة؛ في الخطابات السياسيّة، وفي الإعلانات، وفي التصويت مثلًا.
أمثلة على هذه المغالطة:
- أحد طلاب الدراسات العليا يهاجم أساتذتَه بعد رفضهم لرسالته التي قدمها قائلًا: «كيف ترفضون رسالتي بعد عنائي وتعبي في إعدادها عدّةَ سنين؟!»؛ فبدلًا من أن يدافع عن رسالته بتقديم أدلّة علميّة تقنع أساتذتَه بأنّها ذاتُ قيمة علميّة حقيقيّة، وتستحقُّ القبول؛ نراه يخاطبهم مخاطبةً عاطفيّةً تثيرُ الشفقة.
- يقول أحد الطلاب مستجديًا عطف أستاذه في المدرسة: «يجب أن تمنحني درجة النجاح في الامتحان لأنّ أمّي مريضة؛ فلو سمعتْ أني رسبت، سوف تموتُ بنوبة قلبيّة!».
- في قاعة المحكمة، يقول أحد المحامين مُدافعًا عن موكِّله المتّهَمِ بجريمة قتل: «سيّدي القاضي، يجب أن تأخذك الشفقة تجاه موكِّلي؛ فإنّك إن أمرت بسَجْنه فسوف يتشرّد أطفالُه، ويعانون من الجوع والمرض والفقر!».
إنّ الشفقة هنا ليست في موضعها؛ فالعدالةُ يجب أن تأخذَ مجراها، ويجبُ أن يحاسَبَ المذنبُ ويأخذَ عقابَه، ولو أنّ كلَّ قاضٍ حكم على كلِّ قاتل بالبراءة شفقةً على حاله وحال أسرته، لَساد القتل، واستسهل الناس ارتكاب الجرائم!
إنّ وجود المشاعر حيال أيِّ موضوع لن يغيّر من حقيقته وجوهره؛ فمهما كانت مؤثّرةً ومقنعة، يبقى التحليلُ الموضوعيُّ هو وحدَه نقطةَ الحسم، وعادةً ما يستسهل الناسُ الحكمَ على ظواهر الأشياء حكمًا عاطفيًّا وجدانيًّا؛ إذ إنّ استدرارَ العواطفِ أسهلُ وأسرعُ في الإقناع؛ وذلك لأن الإنسان بطبعه كائنٌ عاطفيّ، ولأن التحليلَ المنطقيَّ المنهجيّ العقلانيّ يحتاج وقتًا أكبر؛ ومن هنا نستطيع أن نقول إنّ قوة هذه المغالطة تأتي من أنها شائعةٌ جدًّا، ولكنها تبقى مغالطة، ويبقى أنّ الحكمَ على الأشياء يجب أن يكون حكمًا عقلانيًّا حياديًّا، لا وجدانيًّا.
المصدر:
المغالطات المنطقية، عادل مصطفى، 2007، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، الطبعة الأولى.