التاريخ وعلم الآثار > الحضارة السورية
البيمارستان النوري... أحد أقدم الأبنية الإسلامية في حلب
البيمارستان... كلمة مركبة من جزأين – بيمار وتعني المريض وستان وتعني الدار -والبيمارستانات في هذا الوقت هي أبنية تدل على درجة التطور والرقي التي وصل إليها العرب المسلمون في فن العمارة عموماً وفي مجال التطور الطبي بشكل خاص. لمحة تاريخية عن البيمارستانات في حلب نقدمها ضمن مقالنا التالي فتابعونا...
كانت البيمارستانات منقسمة إلى قسمين منفصلين عن بعضهما البعض قسم مخصص للذكور وآخر للإناث وكل قسم له تجهيزاته الخاصة به من أدوات وخدم وفراشين من رجال ونساء ومشرفين في حين كانت القاعات هي الأخرى مقسمة ومجهزة حسب نوع الخدمة التي تقدمها فهناك قاعة للأمراض الباطنة وأخرى للأمراض العقلية ولكل بيمارستان ناظر يشرف على إدارته.
إن أول بيمارستان في حلب قام ببنائه الطبيب /ابن بطلان/ الذي وصل إلى حلب قادماً من بغداد سنة /440/ للهجرة أيام الأمير المرداسي، وقام بتجديد عمارته نور الدين الزنكي في منتصف القرن الثاني عشر الميلادي وقد اختار /ابن بطلان/ المكان لبناء البيمارستان الخاص به في محلة الجلوم الكبرى في الشارع المعروف بـ (زقاق البهرمية) وقد أطلق عليه فيما بعد اسم البيمارستان النوري أوالعتيق.
وهناك بيمارستان بني الدقاق و قد تم ضمه لاحقاً إلى دار سودون الداوود، كما أن هناك بيمارستاناً ينسب إلى /ابن خرخار/ وله بوابة عظيمة بالقرب من الجامع الكبير.
إن وجود البيمارستانات بحلب تشهد على اهتمام أهل المدينة منذ القدم بالطب، إذ إن أي بيمارستان لا يخلو من وجود ماء جارية فيه إضافة إلى حمام و صيدلية /شربخانة/ ويشرف عليه رئيس الأطباء.
لم تكن مهمة البيمارستانات قاصرة على تقديم الخدمات الصحية للمرضى، بل كانت في نفس الوقت معاهد علمية ومدارس لتعليم الطب، يتخرج منها الأطباء والجراحون والكحالون، وكانت تضم مكتبات حافلة بأمهات المؤلفات لتكون مرجعاً للأساتذة والطلاب.
البيمارستان النوري:
هو مستشفى بناه الملك العادل نور الدين الزنكي داخل باب أنطاكية بالقرب من سوق الهواء (في محلة الجلوم الكبرى -في الزقاق المعروف بزقاق البهرمية- جنوبها الشرقي) حوالي منتصف القرن الثاني عشر للميلاد.
وهناك حكاية تاريخية حول سبب اختيار هذا الموقع لبناء البيمارستان، فقد تم اختيار موقع المشفى أو البيمارستان بعد أن تم توزيع مجموعة من قطع اللحم على عدة مناطق في المدينة فتبين أنّ القطعة التي وُضعت في موقع "البيمارستان النوري" تأخر فسادها عن باقي القطع فتم اختيار المكان لبناء المشفى.
الشكل (1): البيمارستان النوري من الخارج
يتألف "البيمارستان النوري" من عدة غرف وعلى طبقتين وإيوان وباحة يُنزل إليها بدرجات وكان يأوي إليه الفقراء وفيه قاعة للنساء ويمتاز بابه بمقرنصات في أعلى المدخل على نجفة والجدارين المجاورين للمدخل توجد كتابة هذا نصها:
(بسم الله الرحمن الرحيم أمر بعمله المولى الملك العادل المجاهد المرابط الأعز الكامل صلاح الدنيا والدين قيم الدولة رضي الخلافة تاج الملوك والسلاطين ناصر الحق بالبراهين محيي العدل في العالمين أبو القاسم محمود بن زنكي بن آق سنقر ناصر أمير المؤمنين أدام الله دولته بمحمد النبي وآله بتولي العبد الفقير إلى رحمة الله مولاه عتبة بن أسعد بن الموصلي).
الشكل (2): نص الكتابة في أعلى المدخل والجدارين المجاورين للمدخل
أما داخل القاعة المخصصة للنساء فتوجد كتابة هذا نصها:
(عُمِّر هذا المكان في دولة السلطان صلاح الدين يوسف بن العزيز محمد بتولي أبي المعالي محمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن العجمي في شهر رمضان 655 هجرية، وهذا التاريخ يوافق 1247 م).
الشكل (3): نص الكتابة داخل القاعة المخصصة للنساء
وهناك أيضاً كتابة في إيوانه تدل على أنه عُمِّر في أيام الأشرف شعبان وهذا نصها:
(بسم الله الرحمن الرحيم أنشئ هذا الإيوان وقاعة النساء الصيفية في أيام مولانا السلطان الملك الأشرف شعبان بن حسين خلد الله ملكه وكفالة مولانا ملك الأمراء جرجي الأشرفي عز نصره العبد الفقير إلى الله تعالى صالح بن أحمد الناظر الشرعي سبط ابن السفاح).
الشكل (4): نص الكتابة داخل الإيوان
وتعود الكتابة إلى العام 766 -768 هجرية ويوافقها 1365 -1367م حيث كان /جرجي/ نائب حلب فيها، هذا الإيوان وقاعة النساء من بناء ابن السفاح وعلى النافذة التي على بابه ذُكر أنه أُحدث في العام (840 هـ/ 1436م) وذلك على يد /محمد المارستاني/.
كما كان هناك غرف مفردة مخصصة للمرضى من الجهة الشمالية في الطابق الأرضي، ودرج خاص يُصعد به إلى الطوابق العُلوية.
الشكل (5): الغرف المفردة والدرج
كما نلاحظ تطور الطب في حلب وازدهاره في عهد السلطان /برقوق/ الذي طلب في العام (799 هـ/ 1396م) الطبيب /ابراهيم الشريف الإخلاصي/ من "حلب" إلى "القاهرة" لمعالجة ابنه، وكان /محمد بن عبد القادر بن محمد بن سليمان/ رئيس الأطباء في مشفى "أرغون" يعطي الدواء بنفسه للمريض وكان هناك تبادل للأطباء بين "حلب" و"القاهرة" فعندما مرض نائب حلب الأمير /الطنبغا المارداني/ في العام (749 هـ/ 1348 م) استدعى لعلاجه من "القاهرة" الطبيب /محمد بن عبد الله بن صغير بن ناصر الدين/.
المصادر:
1. ابن الشحنة : أبي الفضل محمد ، الدرر المنتخب في تاريخ حلب . تقديم : عبدالله محمد الدرويش . دار الكتاب العربي . عالم التراث . الطبعة الاولى : 1984 .
2. الطباخ : محمد راغب . أعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء ، المجلد الثاني ، دار القلم : حلب
3. الغزي : كامل ، نهر الذهب في تاريخ حلب ، المجلد الثاني ، دار القلم : حلب ، الطباعة : 1419 هـ
4. Aleppo : Visitors GUIDE. By : Soubhi Saouaf. English Version . By George F.Miller . Aleppo : 1953
5. الأسدي : خير الدين . أحياء حلب واسواقها . حققه ووضع فهارسه : عبد الفتاح رواس قلعه جي . منشورات وزارة الثقافة . دمشق : 1984 .
6. شعث : شوقي ، حلب تاريخها ومعالمها التاريخية ، منشورات جامعة حلب : 1991 .
7. طلس : محمد أسعد ، الآثار الإسلامية والتاريخية ، مطبوعات مديرية الآثار في سوريا . دمشق : 1956 .