الفلسفة وعلم الاجتماع > الفلسفة
6. مقدار العقاب
مقدار العقاب:
إن الاعتقاد السائد والأكثر قبولاً في أغلب الحالات أن مقدار العقاب يجب أن يتفاوت ويختلف تبعاً لحجم الجرم وجديّته، ولمتبعي المذهب النفعي ومذهب القصاص طرق مختلفة للوصول إلى هذه الخلاصة.
رأي النفعيين بمقدار العقاب:
يرى "بينثام" - أحد النفعيين - على أنه "كلما ازداد الأذى الناجم عن الجريمة، كلما ازداد حسابها بما يتوجب أن يحقق العقوبة". إن الجريمة والعقاب وُجدا ليسببا التعاسة، وبالعودة إلى النفعية نذكر أنها تهتم فقط برجحان السعادة على التعاسة الناتجة عن الفعل، لذلك وعند تحديد مقدار العقاب المسموح به إزاء جرم مرتكب، يجب علينا مقارنة التعاسة الناتجة عن الجرم بالتعاسة التي سوف تسببها أنواع متعددة من العقاب. ويتناسب مقدار العقاب طرداً مع حجم الجرم، وذلك في محاولة للحد من وقوعه قبل أن تفوق التعاسةُ التي يسببها العقاب، التعاسةَ التي يسببها الجرم.
إذن غالباً ما يطبق النفعيين مبدأ أن العقاب يجب أن يتفاوت تبعاً لخطورة الجريمة، ومع ذلك يبدو أنهم أحياناً ينتهكون هذه القاعدة، وتتوجه إليهم الانتقادات لأنهم ملزمون في بعض الحالات بإلحاق عقابٍ شديدٍ بجرمٍ صغيرٍ نسبياً.
يطلب منا "تِن" أن نتخيل عالماً فيه الكثير من السرقات الصغيرة، ولصوصاً من الصعب القبض عليهم، بما أن هناك العديد من السرقات لا بد أن التعاسة الناتجة عنها كبيرة، ثم نتخيل أنه قد ألقي القبض على أحدهم وأن السلطات المختصة تناقش كيفية البتّ في حكمه، لو كانت هذه السلطات متبعةً للنفعية سوف تكون ملزمة بإعطاءه حكماً قاسياً جداً - ربما عشر سنين من السجن! - إن كانت تلك الطريقة الوحيدة لردع عدد كبير من صغار اللصوص.
ولكن طبعاً جعل لصِّ واحد ألقي القبض عليه لسوء حظه أو لقلّة حيلته وعدم قدرته على الهرب عبرةً لمن اعتبر، أمرٌ غير عادل، وهذا ما يجعل نهج النفعيين غير ملائم وغير مقبول.
مقدار العقاب لدى مؤيدي القصاص:
يجادل مؤيدو القصاص في أنّ الجرائم الكبيرة يجب أن يطبَّق على مرتكبيها عقوباتٍ أشدَّ بكثير من تلك التي تطبّق على مرتكبي الجرائم الصغيرة.
ونظراً لمناقشتنا سابقاً مبدأ القصاص، يجب ألا نُفاجَأ بأن الاستحقاق يلعب دوراً مركزياً هنا، وفقاً للعديد من التظريات الكلاسيكية للقصاص ومن بينها الخاصة بـ"كانت"، يحدَّدُ العقاب المُستحق بقانون الانتقام استنادا إلى القول القديم: " العين بالعين والسن بالسن" الذي يتطلب فرض أذىً على المجرم مطابق للأذى الذي ألحقه هو بضحيته. إن الذين يطالبون بعقوبة الإعدام للقتلة، غالباً ما يأخذونه حُجة لهم، ولكن نادراً ما يتم الرجوع إليه في تحديد العقوبات الأنسب لجرائم أخرى.
وقلة شعبيته تعود إلى العديد من الاعتراضات، أولها أنه من الصعب تطبيقه على العديد من الجرائم، ويبدو غير قابلٍ للتطبيق على البعض الآخر، فكيف نعاقب المزوّر مثلاً أو القرصان أو سارق الأطفال الذي لا يمتلك أطفالاً! ثانياً هناك العديد من الحالات التي تتطلب منا عقاب الجناة بتنفيذ إجراءات لا يجدر بأي حكومة القيام بها، فحتماً نحن لن نعتدي على المعتدين! لذلك ولأسباب أخرى فإن تطبيق هذا المبدأ في الثقافة المعاصرة نادرٌ جداً، ما لم تكن القضية المطروحة هي عقوبة الإعدام.
يقول العديد من القصاصيين المعاصرين أن مبدأ التناسب يجب أن يُستخدم في تحديد مقدار العقاب الذي يواجه حالات خاصة، وينص هذا المبدأ على: "إن مقدار العقاب يجب أن يتناسب مع الخطورة الأخلاقية للجرم"، وإن إصدارات مختلفة من مبدأ التناسب تستدعي طرقاً مختلفة لتقرير كيف يجب أن تحدد شدة العقاب، لتلبية متطلبات هذا المبدأ:
هل يجب فقط أن يكون هناك علاقة مباشرة بين مقدار العقاب وخطورة الجرم؟!
أم هل يجب أن يعاني المجرمون من نفس مقدار الألم الذي سببوه لضحيتهم أو ضحاياهم؟!... من أجل تلبية تلك المطالب...
لا يتفق القصاصيون تماماً على الإجابة عن هذا السؤال.
المصدر:
مصدر الصورة: