الفيزياء والفلك > علم الفلك
اكتشافُ قزمٍ بُنيّ، اعتمادًا على ظاهرة التعدس الثقالي
في عمليّة تنسيقٍ تُعتَبر سابقة من نوعِها، قام التّلسكوبان سبيتزر وسويفت بتوحيد الجّهود، من أجل رصد ظاهرة (التّعدّس الثقالي). تحدُث هذه الظّاهرة عندما يزداد إشعاعُ نجمٍ ما ظاهرياً، بسبب تأثير حقلِ جاذبيّةِ جسمٍ آخرٍ يقعُ بينَنا وبينَه. هذه الطّريقة مُفيدة من أجل العُثورِ على الأجسام الكَونيّة صّغيرة الكُتلة، والتي تدور حول النّجوم (كالكَواكِب مثلا). أما مؤخرًا، فقد تمّ العثور على قزم بنّي، اعتمادًا على هذه الظاهرة.
بدايةً، دعني أشرح لك ما هو التّعدُس الثقالي
ينحني الضوء بِسبب الكُتلة، تماما كما ينحني داخل العدسات الزجاجيّة. وبالتالي، يُمكنُ لِثقبٍ أسودَ أو مَجرّة أو أيةِ أجرامٍ سماويةٍ ذات كُتلةٍ هائلة، أن تَجمعَ الضوءَ مِن الأجسامِ الموجودةِ خلفها، وتقوم بتركيزها باتجاهِ الأرض. تُسمّى هذه الظاهرة باسم "التعدّس الثقالي"، وهي ظاهرةٌ لا يُمكننا التحكُم بها، لأنها تحدث بشكلٍ تلقائيّ، ولكنها مفيدةٌ جدًا بالنسبة للفلكيين. أما الكُتلة الهائلةُ الّتي تُسببُ انحراف الضوء، فتُسمّى "العدسة الثقالية"؛ سُميت عدسة لأنها تَحرِفُ الضوء، أما كلمة ثقالية فقد جاءت من الثقالة، أو الجاذبية الّتي تُسببها هذه الكُتلة الهائلة، مما يؤدي إلى انحناء نسيج الزمكان حولها، الأمر الّذي يؤدي إلى انحراف الضوء عند مروره بجانبها.
يزيدُ التّعدس الثقالي من لمعان النجوم آلاف المرّات أحيانًا، مما يُمكن العُلماء من رصدها بشكلٍ أوضح؛ ويعتمد مدى هذا اللمعان، على كتلة الجِسم الّذي يُشكل العدسة الثقالية، وكيفية اصطفاف النجم مع هذه العدسة الثقالية.
يمكن فهم هذه الظّاهرة أكثر عند رصدِها من أكثر من زاوية، فعندما يكون هُناك أكثر من تلسكوب يقوم برصد اللّمعان، يُمكن لِلعلماء أن يستفيدوا من مبدأ تداخُل المناظِر. تحدث ظاهرة (تداخُل المناظِر) عندما يختلِف موضع جسمٍ ما في الصّورة مع اختلافِ نُقطة الرّصد. فعندما تَضع إبهامك أمام أنفك مثلًا، وتُغلق عينك اليسار ثم تفتحها وتغلق عينك اليمين، فإنك ستلاحظ تغيُّر مكان إبهامك ظاهرياً؛ لكنّه يبقى في مكانِه عندما تفتح العينين معاً. في حالة التّعدُس الثقالي فإنّ مُشاهدة نفس الحدث من مكانين بعيدين عن بعضهما، يمكننا من الحصول على عدّة نماذج للتكبير.
يقول Yossi Shvartzvald "عندما يكون لدينا عدّة مواقع للرّصد (في هذه الحالة التّلسكوبَين الفضائيَين) فكأنّنا نملك عدّة عيون لتقدير بعد جسمٍ ما عنّا، وعند وضع النّماذج عن آليّة عمل التّعدُس الثقالي يمكننا استعمالها لحساب العلاقة بين كُتلة الجّسم الذي يدور حول النّجمة وبُعدِه عنها."
تُعتَبر الأقزام البُنيّة الحلقة المفقودة بين النّجوم والكَواكِب، فقد تصل كُتلتُها إلى 80 ضِعف كُتلة المُشتري، لكنّها لا تملك نواةً ساخنةً أو كثيفةً كِفايّة، من أجل توليد الطّاقة، عن طريق التّفاعل النّووي كما هي الحال في بقية النّجوم. ولسبب ما، نادرا ما يجدُ الباحثون قزمًا بُنيًا يدور على بُعدِ مسافة ثلاث وحداتٍ فلكية*، من نجمه المُضيف.تُسمّى هذه المنطِقة "صحراء الأقزام البُنيّة"، لندرة وجود الأقزام البنية فيها. لكن هذا القزم البُني المُكتشف، قد يتواجد ضمنها.
إن اكتشاف هذا القزم البنّي الذي سمّي (OGLE-2015-BLG-1319)، هو أوّل اكتشافٍ يتمُّ فيه التّنسيق بين تلسكوبين لرصدِ نجمٍ اعتمادًا على ظاهرة التعدّس الثقالي.
يقول العالِم Yossi Shvartzvald الذي يعمل لدى ناسا، وأحد المُشاركين فى الدّراسة: "نريد أن نفهم كيف تتشكّل الأقزام البُنيّة ولماذا توجد هذه الهُوّة بينها وبين النّجم المُضيف. ربما تكَون هذه (الصّحراء) ليست قاحلة كما ظننّا من قبل".
الدّراسة الجديدة:
اكتشف العُلماء هذا النّظام الثّنائي (القزم البني ونجمه) عام 2015 بواسطة التّلسكوب سبيترز، خلال الأسبوعين الأخيرين من حملة التّلسكوب لرصد التّعدسات الثقالية.
بدمج البيانات القادمة من التّلسكوبين الفضائيين ومجموعةٍ من التلسكوبات الأرضيّة، تمكن الباحثون من تحديد كُتلة القزم البنّي الجديد الّتي تُقدّر بنحو 30-65 ضعف كُتلة المُشتري. كما وجدوا أنّه يدور حول نجمه كما يدور قزم من نوع (k)، وهو نوعٌ من النّجوم يملك نصف كُتلة الشّمس. وتمكّن العُلماء أيضًا من حِساب مسافتين مُحتملتين لِلبُعدِ بين القزم البٌني والنّجم المُضيف قُدِرتا بنحو (0.25-45) وحدة فلكيّة. فإذا كان بُعد القزم عن نجمِه 0.25 واحدة فلكيّة تمامًا، فهذا يعني أنه يقع بالفعل في منطقة صحراء الأقزامِ البُنيّة.
يأملُ العُلماء الحصولَ على الكثير من الأرصاد المُشابهة في المُستقبل من أجل معرفة المزيد عن خصائص الأقزام البنيّة والأنظمة الكَوكبيّة.
* الوحدة الفلكية = المسافة بين الأرض والشمس
المصدر: هنا
للمزيد حول ظاهرة التعدّس الثقالي هنا