الهندسة والآليات > التكنولوجيا
أنابيبُ كربونٍ نانويةٍ لتدعيمِ هياكلِ الطائرات.
تُصَنَّعُ أحدثُ طائرات الركاب التي تطير في هذه الأيام من خليطِ موادٍ متطورةٍ جداً مثل البلاستيك المقوى بألياف الكربون، وتتمتع هذه الموادُ بوزنٍ خفيفٍ جداً ومتانةٍ عاليةٍ؛ الشيءُ الذي أدى إلى التخفيفِ من وزنِ الطائرات بنسبة 20% مقارنةً بالطائراتِ ذاتِ الهياكلِ المصنوعةِ من الألمنيوم. وكما يمكن أن نتوقع، فإن التخفيفَ من وزن الطائرةِ يؤدي بشكل مباشرٍ إلى توفيرٍ في الوقود، وهو الهدف الأساسي من هذه البحوث. ولكنَّ خلائطَ الموادِ أيضاً ضعيفةٌ بشكل مفاجِئ؛ فبينما يُمكن للألمنيوم أن يتحملَ صدماتٍ كبيرةٍ نسبياً قبل أن ينكسر، فالطبقاتُ المتعددةُ في الخلائطِ يمكنُ أن تتحطمَ نتيجةَ صدماتٍ صغيرةٍ نسبياً، ويعتبر هذا العيبُ نقطةَ ضعفٍ لمثل هذه المواد.
أما الآن فقد قامت مجموعةٌ من مهندسي الطيران في معهد (MIT) بإيجاد طريقةٍ لربطِ بعض خلائط موادِ الطبقات بطريقةٍ تُنتجُ مادةً أكثرَ قوة ومقاومة للصدمات من الخلائط الأخرى المتطورة، وقد نُشرَت نتائجُ بحثهم في مجلة (Composites Science and Technology).
قام الباحثون بتثبيت طبقاتِ خلائط المواد مع بعضها عبر استخدام أنابيب كربون نانوية (لفات بسماكة الذرة من الكربون)، والتي تتميز -على الرغم من بنيتها الميكروية-بمتانة عاليةٍ جداً، فقد قاموا بتضمين شبكاتٍ صغيرةٍ من أنابيبِ الكربون ضمن بوليمر لاصق بين الطبقات، وبعدها ضغطوا طبقات خلائط ألياف الكربون. تُشكِّل الأنابيبُ النانوية غرزات مرتبة عامودياً توضعُ ضمن الشقوق في كل طبقة مكونةً دعائمَ لتثبيت الطبقات ببعضها.
وقد وجد الباحثون عند تجربة مقدارِ تَحمُّلِ هذه المواد المُدَعَّمة أنها أقوى بـ 30% من الخلائط المشابهة وأنها تتحمل قوى أكبر بكثير قبل أن تتحطم.
يقولُ (Roberto Guzman) الذي يترأسُ هذا العملَ في مرحلةِ ما بعدَ رسالةِ الـ(PHD) في معهد (MIT)في قسمِ الملاحةِ الجويةِ والفضائية: "هذا التحسينُ سيؤدي إلى أجزاءِ طائرةٍ أكثرَ قوة ومتانة وأخفُ وزناً، ولا سيما تلك التي تحتاجُ إلى مسامير أو براغي والتي تسبب ضعفاً في الخلائط المختلفة. المزيدُ من العمل يجب القيام به، لكننا موقنون بأنَّ هذه الطريقةَ ستؤدي إلى طائرات أقوى وأخف وزناً، وهذا يعني التوفير في الكثير من الوقود، الشيء الذي يعود بالفائدة على البيئة وعلى نقودنا".
تتشكل خلائط موادنا الحالية من عدة طبقاتٍ أفقيةٍ من ألياف الكربون متلاصقةٍ ببعضها بواسطةِ بوليمر لاصق، وتُعتبرُ منطقةُ البوليمر اللاصق حسب رأي أحد الباحثين: "منطقةٌ ضعيفةٌ جداً وتُسبب لنا المشاكل"، وهناك طريقتين لزيادة قوة هذه المنطقة هما: تشابكٌ بشكلِ حرفِ (Z) والنسيجُ ثلاثيُ الأبعاد. تقوم هاتين الطريقتين على شبكِ أو نسجِ حزمٍ من أليافِ الكربون بين الطبقات بطريقةٍ مشابهةٍ لإدخال مسمار في طبقات الخشب أو خياطة خيط في القماش كما في الصورة التالية:
يقول (Brian Wardle) أحدُ الباحثين من شركة الفضاء والدفاع السويدية: "الغرزةُ أو المسمارُ أكبرُ بآلاف المرات من أليافِ الكربون، لذلك فعند إدخالهم في طبقات الخلائط فسيتم كسر الآلاف من ألياف الكربون وستتضررُ الخلائط". أما أنابيبُ الكربون النانوية فيبلغُ قطرُها حوالي 10 نانومتر، أي أنها أصغرُ بما يقاربُ مليونَ مرةٍ من أليافِ الكربون.
ويتابع (Wardle) قائلاً: "المقاسُ مهمٌ، لأننا نستطيع أن نضعَ هذه الأنابيبَ النانوية دون أن نُلحقَ ضرراً بأليافِ الكربون الأكبر؛ وهذا يحافظ على قوة الخليطة. ومما ساعدنا على تحسين القوة هو أنَّ لأنابيبِ الكربونِ النانويةِ مساحةَ سطحٍ أكبر بألفِ مرةٍ من أليافِ الكربون مما جعلها ترتبط بشكل أفضل مع نسيج البوليمر".
توصّل كلٌ من (Roberto Guzman) و(Brian Wardle) إلى تقنيةٍ لدمجِ دعاماتٍ من أنابيبِ الكربونِ النانويةِ داخلَ البوليمر اللاصق، حيث قاموا في بادئ الأمرِ بتشكيل مجموعاتٍ من صفوفٍ أفقيةٍ من أنابيبِ الكربونِ النانوية وأضافوا عليها تقنيةَ التثبيتِ التي طورها (Wardle) وفريقه، وحولوها بعد ذلك إلى طبقةِ خلائط لزجةٍ وغيرِ مختمرةٍ، ثم أعادوا هذه العملية لتكوين مجموعةٍ من 16 طبقةٍ من الخلائط (صفيحة نموذجية من خلائط) مع أنابيبِ الكربونِ النانويةِ اللاصقةِ بين كلِّ طبقةِ وأخرى.
أُجريَ اختبارُ الشدِّ (اختبارٌ معياريٌ يُستخدم لقياسِ أجزاءِ الطائرات) من أجلِ معرفةِ قوةِ هذه المادة، حيث أدخلَ الباحثون برغياً ضمن ثقبٍ في الخليطةِ المعدنيةِ ثم قاموا باقتلاعه، وكانت المفاجأةُ أنه في مثلِ هذه التجربةِ كانت تتحطم الخلائطُ المتوفرةُ سابقاً متأثرةً بقوى شدٍّ كهذه، على عكس الخلائط المُدَّعمةِ الجديدةِ التي كانت أكثرَ قوة وذاتَ قدرةٍ على تحمُّلِ قوى أكبر بنسبة 30% قبل أن تبدأ في التصدع.
كما أجرى الفريقُ اختبارَ ضغطِ الحفرةِ المفتوحةِ فطبقوا قوةَ ضغطٍ على فتحةِ البرغي، وكانت النتيجةُ أنَّ الخلائطَ المُدَّعمةَ تتمتعُ بقدرةِ تحملٍ لقوةٍ أكبر بنسبة 14% من القوة التي يمكن أن تتحملها الخلائطُ السابقة قبل أن تتحطم.
يقول (Wardle): " يُظهرُ التحسينُ الذي تمَّ على صعيدِ القوةِ بأنَّ هذه المواد ستكون ذات مقاومة أكبر لأيِّ شكلٍ من أشكال الضرر، وبما أنَّ 50% من وزنِ غالبيةِ الطائراتِ الحديثةِ هي عبارةٌ عن خلائط معدنية فإن التحسينَ في هذه الخلائط له الكثير من الإيجابيات المرتبطة بأداء بنية الطائرات".
يقول (Stephen Tsai) الأستاذُ الفخريُّ في جامعةِ ستانفورد (وهو ليس مشاركاً في هذه الدراسة)، يقولُ بأن الخلائطَ المتطورة لا مثيل لها في التقليل من تكاليف الوقود، وبالتالي في التقليل من انبعاثات الطائرات، ويضيف: "يجعلها خفةُ وزنِها فريدةً من نوعها، ولا يوجد شيءٌ على وجهِ الأرضِ يمكنه منافسة خلائط هذه المواد في التخفيف من التلوث الذي يُسببه الطيران التجاري وحتى الحربي، ولكن امتنعت صناعةُ الطائرات عن التوسُّعِ في استخدام هذه المواد بسبب انعدامِ الثقةِ بقدرتها على تحمّل الأضرار. يتناول العملُ الذي قام به البروفيسور (Wardle) كيفيةَ تحسينِ وتقليل احتماليةِ الضررِ وبالتالي كيفية تطبيق هذه التقنية على درجات عالية المستوى والتي هي جوهر الخلائط المعدنية التي لا مثيل لها.
نأملُ بأن تمُرَّ الدراساتُ بخطواتٍ جديةٍ لتطويرِ هذه النوعية من الأبحاث، وذلك للتخفيف من الحوادث المرتبطة بالطيران وما شابه ذلك. لربما يخرج (Tom Hanks) بريئاً من التهمِ الموجهةِ إليه. عليكم متابعةُ الفيلمِ بعد الانتهاء من هذا المقال.
المصدر: