الهندسة والآليات > التكنولوجيا
إعصارٌ واحدٌ؛ طاقةٌ لخمسين عاماً.
تخيّلوا معنا الطاقةَ الهائلةَ للأعاصير والتي كانت وما زالت وبالاً على البشرية، فحيث يحلُّ الإعصارُ يحلُّ الدمارُ والخرابُ بسبب القوةِ التدميريةِ الهائلةِ التي يمتلكها. لكنّ المبدعين كعادتهم ينظرون للأمورِ من وجهةِ نظرٍ مختلفة، إذ يحاولُ مهندسٌ يابانيٌ جعلَ وبالِ الأعاصيرِ حلاً سحرياً لمشكلة الطاقة.
قام المهندسُ اليابانيُ (أتسوشي شيميزو) باختراع أولِ عنفةٍ ريحيةٍ قادرةٍ على توليدِ الطاقةِ الكهربائيةِ وجمعها أثناء الأعاصير، شيميزو هو المسؤولُ عن تصميمِ وتنفيذِ هذه العنفاتِ الريحيةِ الجديدة ومؤسسُ شركةِ "Challenergy" التي تهدف لتوليد الطاقة النظيفة، يعتقد شيميزو أنّ مصفوفةً من هذه العنفات داخلَ أحدِ الأعاصيرِ يمكنها جمعُ طاقةٍ كهربائيةٍ تكفي اليابانَ لمدة خمسين سنةٍ ومن إعصارٍ واحدٍ فقط. فاليابان بلدٌ تضربه الأعاصيرُ بشكلٍ مستمرٍ، وقد وصلَ عددُ الأعاصير التي عصفت باليابان هذه السنة إلى ستة أعاصير، وبالتالي فإننا نتحدث هنا عن كميةٍ كبيرةٍ جداً من الطاقة المحتملة.
و قد صرّح شيميزو لشبكة "CNN" بأنَّ اليابانَ تملك بالفعل كميةً من طاقة الرياح أكبرَ من كميةِ الطاقةِ الشمسية، ولكنها لا تستثمرها بالشكل المطلوب، حيث أنها يمكن أن تحصل على طاقةٍ هائلةٍ من خلالِ العنفاتِ الريحية. وبالنسبة له فإنّ العنفاتِ الريحية التي تستوردها اليابانُ من أوروبا لا تستطيعُ التكيفَ مع طقسِ اليابان الخاص، فهي لا تستطيع الصمود في وجه الأعاصير العاتية، ولذا فإن استيراد العنفاتِ الأوروبيةِ يعني ضياعَ فرصةٍ كبيرةٍ لإنتاج الطاقة.
بالنظرِ إلى النقطةِ السابقةِ يمكننا أن نفهمَ الهدفَ الذي دعا "شيميزو" إلى التفكيرِ ببناءِ عنفاتٍ ريحيةٍ بتصميمٍ مختلف يمكنها مواجهةُ اتجاهات الريح غير المتوقعة والتي لا يمكن التنبؤُ بها، وكلُّ هذا بفضل تصميمها المميزِ.
تتألف العنفةُ من ثلاث شفراتٍ تعتمدُ بعملها على المبدأ الفيزيائي "تأثير ماغنوس" الذي اكتشفه الفيزيائيُّ الألمانيُّ غوستاف ماغنوس، وقد فسّرَ ماغنوس باكتشافه لهذا المبدأ كيفيةَ انحناءِ الهواءِ حولَ أيِّ جسمٍ يدور وانحرافَ كرةِ القدمِ بصورةٍ قوسيةٍ أثناءَ حركتها وغيرَ ذلك من الظواهرِ المشابهة.
يبيّن مقطعُ الفيديو التالي حركةَ العنفة:
قام العلماءُ بإجراءِ محاكاةٍ لإعصارٍ حقيقيٍ في مقرِّ الشركةِ المصنعة، وقد نجحت العنفةُ الجديدةُ بالعمل ضمن هذا الإعصار ولكن بمردودٍ قدره 30% فقط أي أقل من المردودِ الوسطيِ للعنفاتِ الهوائيةِ الموجودةِ والذي قد يصلُ إلى 40%. رغم ذلك فإنَّ ميزةَ العنفةِ الجديدةِ هي قدرتُها على الصمودِ في وجهِ الأعاصيرِ على عكس العنفات التقليدية غير القادرة على ذلك. ويمكن بكل بساطة التغاضي عن انخفاضِ المردودِ في العنفةِ الجديدةِ إذا عرفنا أنَّ الطاقةَ التي يمكن جمعها من خلالها وفي إعصارٍ واحدٍ فقط قد تساوي نصفَ الطاقةِ الكهربائيةِ الكليّةِ الموجودة في كوكب الأرض.
يواجه الفريقُ تحديَّ تخزينِ الطاقةِ؛ فلو استطاعَ - كما يدّعي - جمعَ الطاقةِ الكليَّةِ التي يمكن جمعها فلن يجدَ بطارياتٍ كافيةٍ لتخزينِ هذه الطاقةِ الهائلةِ. وقد قامَ الفريقُ بالفعل بتركيبِ أولِ عنفةٍ من صُنعهِ في مدينةِ أوكيناوا في تموز الماضي وينتظر بفارغِ الصبرِ أولَ إعصارٍ حقيقيٍّ لتجريب العنفة بعيداً عن المخبر في الشركة.
إذا أردنا أن نكون أكثر صراحة وواقعية؛ فإنَّ توليدَ الطاقةِ من خلالِ الأعاصيرِ هو ضربٌ من الجنونِ وهو أمرٌ صعبُ المنالِ ولكنه ليس مستحيلاً. وكلنا أملٌ بأن تنجح هذه التجربةُ فتقودنا ربما إلى القضاءِ على أزمةِ الطاقةِ بشكلٍ نهائيٍّ ومن جذورها.
ونختم بما قاله شيميزو: "نعلم أنَّ فرصتَنا بالنجاح ضئيلةٌ، ولكنَّ الفرصةَ موجودةٌ وهذه هي التكنولوجيا التي نحتاجها. أشعرُ تماماً كما شعرَ دون كيشوت* عندما قبلَ تحدّيَ طواحينِ الهواء، ولكنه خسرَ بينما نحن سنفوز".
وفي النهاية، لو نجحتِ اليابان في ذلك الاختراع فسوف تكون قادرةً على سدِّ احتياجاتها من الطاقةِ بل وتصديرها أيضاً، و ستحقق البشريةُ قفزةً كبيرةً نحو الاستغناءِ عن طاقةِ الوقودِ الأحفوريِّ الذي يُدّمرُ بيئتَنا .
*دون كيشوت أو دون كيخوتي: هو بطل رواية "دون كيخوتي دي لا مانتشا" للأديب الإسباني ميغيل دي ثيربانتس.
المصدر: