الفيزياء والفلك > علم الفلك
ثقبٌ أسود عملاق يجولُ الفضاءَ وحيداً!
تمتلكُ معظمُ المجراتِ ثقوباً سوداء هائلةِ الحجم في مراكزِها، وعندما تصطدمُ المجرات وتندمجُ فيما بينها فإنّ الثقوب السوداء تندمجُ أيضاً مكوّنةً الثقوب السوداء الفائقة الحجم الموجودة حالياً في الكون. وللتعرف أكثر على مواقع الثقوب السوداء، قام فريقٌ من الفلكيين بدراسة الثقوب السوداء التي لا تتواجد في مراكز المجرات، إذ قام الفريق برصد أكثر من 1200 مجرة باستخدام مرصد (Very Long Baseline Array) (VLBA) التابع لمؤسسة العلوم الوطنية (National Science Foundation) واستنتج الفريق بأنّ كلّ المجرات تقريباً لديها ثقب أسود في مكانهِ المحدد أيّ في مركز المجرة نفسها.
لكن الفريق أوجد ثقباً أسوداً يقع في عناقيد مجريّة تَبعدُ حوالي ملياري سنة ضوئية عن الأرضِ، والملفت في الأمر أنّهُ لم يَكن في وسطِ المجرة، كما أدهش الباحثون رؤية الثقب وقد تم تجريدهُ من النجومِ المحيطة به، وبمجرد تحديد الثقب والذي سمي لاحقاً (B3 1715+425) استخدم الباحثون مقرابي هابل وسبيتزر لرصده ومعرفة تفاصيل أوفى عنه، وما حصلوا عليه من معلومات شكّلت قصة غير اعتيادية. "نحنُ لم نرى شيئاً كهذا من قبل" هذا ما صرّح به جيمس كوندون، من المرصد الراديوي الوطني لعلوم الفلك (NRAO).
أصبح الثقبُ الأسود الفائق الحجم والذي سنسميه اختصاراً (B3) موضع فضول الباحثين، إذ كان الأكثر إشراقاً من كل الأجسام المحيطة بهِ، بالإضافة إلى أنّه كان الأبعد من الثقوب السوداء التي تمت دراستها، إن ثقب أسود بهذا الطاقة يمكن أن يتواجد في مركز مجرة كبيرة جداً ولكن (B3) كان الجسم الوحيد المتبقي من المجرة المحيطة به.
يُفسر لنا كوندون ما حدث قائلاً "نحن نتكلم عن ثقبين أسودين يدوران حول بعضهما، ويقع أحدهما على مسافة بعيدة عن مركز المجرة، ويبدو هذا كدليل واضح على عملية اندماج مجريّ سابق، لهذا فقد وجدنا هذا الثقب الأسود يبتعد عن المجرة الأكبر، تاركاً ورائهُ الكثير من الحطام".
أستنتج كوندون وفريقهُ بأنّ (B3) كان ثقب أسود فائق الحجم يقع في قلب مجرة كبيرة، ثم أصطدم مع مجرة أخرى أكبر، تحتوي على ثقب أسود أكبر حجماً منهُ، خلال هذا الاصطدام سُحبت معظم نجوم (B3) بعيداً، باستثناء تلك التي كانت على مقربة منهُ.
لايزال (B3) يتسارع مبتعداً بمعدل يتجاوز 2000 كيلومتر بالثانية. وسوف يستمر (B3) وما تبقى من نجومهِ بالتحرك عبر الفضاء هرباً من مواجهة مجرة أخرى، ولكنه على الأغلب لن يهرب من العنقود المجري المحيط بهِ.
يوضح كوندون النهاية المحتملة لـ (B3) وحسب ما توصل إليه فإن الثقب لا يملك نجوماً كافية، فضلاً عن أنّهُ لا يحتوي على ما يكفي من الغاز المحيط بهِ من أجل إطلاق نجوم وليدة، بالإضافة إلى أنّه ليس قادراً على جذب نجوم جديدة، لذلك في النهاية بقايا نجوم مجرة (B3) الأصلية ستسافر معهُ وتزدادُ خفوتاً بالتدريج مع مرور الزمن. حتى أنّ (B3) سوف يخفت مع مرور الزمن، وذلك لعدم وجود مادة جديدة لتبقيه نشطاً، وأخيراً سيكون من المستحيل رؤيتهُ وسيبقى فقط تأثير جاذبيتهُ هو ما سيُحدد موقعهُ، يُرجح كوندون أنّ هذا سيحدث خلال مليار عام تقريباً.
استخدم كوندون وفريقهُ مجموعة المرصد (VLBA) التابع للمرصد الراديوي الوطني لعلوم الفلك من أجل البحث عن الثقوب الوحيدة، المجموعة عبارة عن معدات فلكية راديوية تتألف من عشرة هوائيات متطابقة بطول 25 متر منتشرة حول العالم، ويقع مركز التحكم في مدينة نيو مكسيكو، تقدم المجموعة تفاصيل فائقة الدقة عن طريق الموجات الراديوية للطيف.
تُعتبر دراسة الفريق مشروع طويل الأمد للاستفادة من الوقت المتوفر في مرصد (VLBA)، ولكن التلسكوبات المستقبلية مثل (Large Synoptic Survey Telescope) والذي يجري بناءهُ حالياً في تشيلي، سيُسهل من عمل الدراسات المشابهة لِدراسة فريق كوندون أكثر. سيُقدم كوندون وفريقهُ تقريراً عن دراستهم ليتم نشرها في مجلة (Astrophysical Journal).
المصدر: هنا