البيولوجيا والتطوّر > علم المورثات والوراثة
اثنا عشر موقعاً يؤثّر على سلوك التكاثر عند الإنسان
ثمّةَ ما يُقدَّر بـ 48.5 مليون زوجٍ حول العالم يُعانون من العقم، بالإضافة إلى قسم كبير من حالات ضَعف الخصوبة -خاصّةً لدى الرجال- التي لا تزال عصيّةً على الفهم، وعلى الرَّغم من ارتباط العقم بتقدّم عمر الإنجاب، وعيوب الإباضة، وفشل تكوين الحيوانات المنوية، وعيوب وراثية في مورّثةٍ أو أكثر، إلَّا أنَّ مسبّباتِ هذه العوامل ما تزال غير مُثبَتة، وحتّى الآن، ما زال يُعتقد أنَّ سلوك الإنجاب -أيْ عمر إنجاب الطفل الأوّل AFB والعدد الكلي للأطفال -NEB مرتبطٌ باختيارات شخصية، أو ظروف اجتماعية، أو عوامل بيئية، ولكنَّ هذه الدراسة تُظهِر أنَّ هناك أساساً بيولوجياً جينياً ربّما يُنظّم الإنجاب!
جاء هذا الاستنتاج نتيجةَ تضافر جهود العلماء في عدّة جامعات، معتمدين على اثنتين وستين قاعدةَ بياناتٍ تحوي بياناتٍ لـ 251151 رجلٍ وامرأةٍ لدراسة العمر الذي سينجب فيه الإنسان طفله الأوّل، و343072 رجلٍ وامرأة لدراسة العدد الكلي للأطفال الذين يُمكن أن ينجبهم المرء خلالَ حياته، وكانت نتيجة هذه الجهود أن تمكَّن العلماء من تحديد مناطقَ معيّنةٍ من الـ DNA ذاتِ صلة وثيقة بالعمر الذي ينجب فيه المرء طفله الأول والعدد الكلي للأطفال الذين سينجبهم، حيث يبلغ عددُ هذه المناطق اثني عشر موقعاً.
يقول الكاتب الرئيس للدراسة الدكتور Melindo Mills من جامعة أوكسفورد: "لأوَّل مرّة نستطيع تحديدَ مواقع الـ DNA المُرتبطة بسلوك الإنجاب، فعلى سبيل المثال: وجدنا أنَّ النساءَ اللاتي يحملْنَ تغايرات الـ DNA المسؤولة عن تأخّر الإنجاب، لديهنَّ أيضاً جزء من الشيفرة الوراثية المُرتبطة بتأخّر حدوث الطمث وتأخّر انقطاعه. وسيتسنى للأطبّاء يوماً ما باستخدام هذه المعلومات المُتعلّقة بتغايرات الـ DNA الإجابة عن السؤال التالي: "كم سيطول انتظارك قبل أن ترى طفلك الأول؟". ولكنَّ ذلك لا يُلغي دورَ العديد من العوامل البيئية والاجتماعية التي تظلّ الأقوى تأثيراً على أيّة حال."
تظهر الدراسة أنَّ تغايرات الـ DNA المتعلّقة بالعمر الذي سينجب فيه الإنسان طفله الأوَّل ترتبط أيضاً بصفات أخرى مُتعلّقة بالتطوّر الجنسي، مثل سنّ البلوغ، وسنّ انقطاع الطمث لدى الأنثى، وسنّ تغيّر الخصائص الصوتية عند الذكر، كما يُمكن لهذه المناطق الاثنتي عشرة المُكتَشفةِ أن تتنبَّأ (بما تقلّ نسبته عن 1%) بالعمر الذي سينجب به الأبوان طفلهما الأوّل، وبالعدد الكلي لأطفالهم، وعلى الرَّغم من أنَّ هذه النسبة تبدو "صغيرةً للغاية" على حدّ وصف القائمين على الدراسة، إلَّا أنَّه يُمكن في بعض الحالات استخدام هذه التغايرات معاً للتنبّؤ باحتمالية بقاء المرأة دون أن تُنجِب، أو بمعنىً آخر التنبّؤ باحتمالية عقم المرأة، ومن خلال الدراسة التفصيلية لهذه المناطق الاثنتي عشرة، والمورّثات ضمن هذه المناطق، تمكَّن الباحثون من تحديد 24 مورثةً يُرجَّح أن تكونَ مسؤولةً عن تأثير هذه المناطق على سلوك الإنجاب، وبعض هذه المورّثات معروفة مسبقاً بتأثيرها على العقم، في حين أنَّ بعضها الآخر لم يُدرس بعد.
أهميّة الدراسة:
نظراً لعدم وجود مورّثات مُحدَّدة يُمكن الاعتماد عليها في إجراء تحاليل العقم حالياً، فإنَّه يُمكن اعتماداً على هذه الدراسة -ومن خلال فهم أفضل لمهمّة هذه المورّثات- عزل مواقع مورّثية معيّنة، وبالتالي إزالة التأثيرات التي تسبّبها، وهكذا نحصل على رؤية جديدة في مجال معرفة أسباب الأمراض المُتعلّقة بالتكاثر، بالإضافة إلى تقنيات تشخيصية وسريرية جديدة لعلاج العقم.
يبقى لنا أن نشير إلى أنّه على الرَّغم من ضآلة احتمالية التنبُّؤ بعمر الإنجاب والعدد الكلي للأطفال الذين سينجبهم الأبوان -حتّى الآن على الأقل- إلَّا أنَّه يُمكننا القول بقليل من التفاؤل إنَّ الطريق نحو الوصول إلى تقنيات جديدة لفهم وعلاج العقم قد ابتدأ...
المصدر: هنا
الورقة البحثية: هنا