الطب > موسوعة الأمراض الشائعة
النزف الهضمي العلوي: أسبابه، مخاطره وتدبيره
النزفُ الهضمي العلوي هو النزف من المريء أو المعدة أو القسم الأول من الأمعاء الدقيقة، أما النزفُ الهضمي السفلي فهو النزف من بقية أقسام الأمعاء الدقيقة أو من الأمعاء الغليظة أو المستقيم أو الشرج.
يتناول مقالنا النّزفَ الهضميّ العلوي والذي يُعبّرُ بالتحديد عن النّزف الحاصل في أيِّ منطقةٍ واقعةٍ على امتداد الأنبوب الهضمي وذلك في قسمه الواقع فوق رباط تريتز(Treitz).
يُشكِّل النّزف الهضمي الشديد العلوي حالةً مُهدِّدَةً للحياة بشكلٍ كبير، نظراً لخطورةِ مضاعفاتها؛ وتتمثّل بتطوُّرِ صدمةٍ بنقص الحجم الدموي عندَ المريض، وتُشكّل هذه الحالة سبباً من أهمِّ أسباب الاستشفاء التي تضطرُّ المريضَ لِتلقي العناية في المسشفى.
إنَّ الإقياء المدمى هو العَرَضُ الأساسيُّ والأكثر أهميّةً عند وجود نزفٍ هضميٍّ عُلوي، رغم أنّه قد يظهرُ في النزف الهضمي السفلي ولكنها حالةٌ نادرة، التغوُّط الزفتي (برازٌ بلون اسود) والتغوّط المُدمّى يَظهرُ أيضاً في النّزف الهضمي العلوي، وربّما تظهَر علاماتُ الغشي أو تغيُّمِ الوعي وعسرُ الهضم والآلامُ البطنيّة المنتشرة، ولا سيّما في النَّاحية الشرسوفيّة من البطن، وإحساسٌ بالحرقَة أو حرقةُ الفؤاد، وعسرةٌ وصعوبةٌ في البلع وفقدانُ الوزن وعلاماتُ اليرقان، باحتمالٍ ضعيفٍ لظهور الأعراض الثلاثة الأخيرة.
كيف نستطيع تحديدَ موقع النّزف؟
يمكن أن نجزُم أنَّ الإقياءَ المدمَّى والتغوُّطَ الزفتيّ عَرَضانِ أساسيّان عند وجودِ نزفٍ هضمي عُلوي، ويتغيّر لونُ محتوياتِ الإقياء بتغيُّرِ فترةِ التّماس مع حمض كلور الماء ضمن المعدة. ففي حالِ حدوثِ الإقياء مباشرةً بعدَالحدثيّة النزفيّة تظهرُ محتوياتُ الإقياء بلونٍ أحمرَ يشيرُ إلى دمٍ طازج.ويكونُ الإقياء بلونٍ أحمرَ قاتمٍ أو بنيٍّ أو بلونِ طحلِ القهوَة في حالِ تأخُّرِ حدوثِ الإقياء وتماسِ الدمِ النّازف لفترةٍ أطولَ مع المحتوى الحمضي للمعدة، وينتُج اللون عن ترسُّب الخثراتِ الدمويَّة في محتوياتِ الاقياء.
يشيرُ التغوّط المدمّى (دمٌ طازجٌ ضمن البراز) في العادةِ الى نزفٍ أسفلَ رباطِ تريتز (يُصنَّف ضمن النّزف الهضميّ السفلي) إلا أنّه قد يظهر في حالاتِ النَّزف الهضميِّ العُلوي السريع والغزير.
ما أسبابُ حدوثِ هذا النّزف؟
تُعتبر القرحةُ الهضمية السببَ الأكثر شيوعاً للنزف الهضمي العلوي، بالإضافة للعديد من الأسباب الأخرى التي تشمل كلاً من: تمزقات مخاطية المريء وقاعِ المعدة (متلازمة مالوري وايس)، والتهاب المعدة الأكّال، والتهاب المري الأكّال، وسرطان المعدة، والورم العضلي الأملس المعدي المتقرح، بالإضافة إلى قرحاتِ الشدة التي تصيب المخاطية المعدية بشكلٍ تالٍ للتعرض للصدمة والرُّضوح المتعددة والإنتان والقصور الكلوي الحاد وغيرها.
دون أن نغفل الدور الذي يلعبه تناول مضادات الالتهاب غير الستيروئيدية (كالإيبوبروفين والأسبرين...) في حدوث القرحات الهضمية.
كما يُعدُّ المصابون بالأمراض الكبدية المزمنة (الناجمة عن الإصابات الفيروسية أو استهلاك الكحول المفرط أو غيرها) وارتفاعِ توتر وريد الباب، أكثرَ عرضةً لحدوث النزف الهضمي العلوي نتيجةَ تطورِ دوالي أسفلَ المري واعتلالِ المعدة البابي.
ومن الأسباب النادرة لحدوث هذا النزف: الناسور الأبهري المعوي، والتوسع الوعائي في غار المعدة، وعسر تصنع الأوعية angiodysplasia بشكليه الخلقي والمكتسب.
متى نشكُّ بوجودِ نزفٍ هضمي؟
تبدأ عمليّة التشخيص باستجوابِ المريض للحصول على المعلومات الأساسية عن سيرِ الأعراضِ والشدّة والتوقيت ومدّة الظهور وحجمِالدم النازف، وغالباً ما تتضمن قصّة مريض النزف الهضمي العلوي ضَعفاً عامّاً ووهناً وتغيُّمَ وعي، إلى جانب الأعراض الأساسية كالإقياء المدمّى الذي يختلف لونه تبعاً لفترة تعرضه للحموضة المعدية وكذلك التغوط الزفتي.
قد تشمل القصّة برازاً مدمّى ويشير هذا إلى نزفٍ سريعٍ وغزير كما ذكرنا سابقاً.
عسرَةُ هضم وقرحة هضمية مشخصة مسبقاً أو استخدامٌ لمضادات الالتهاب اللاستيروئيديّةأوالأسبيرين، توجّهُ نحوَ الشكّ بالنّزف الهضمي.
الاستهلاك المزمن للكحول والإصابة بالتهاب الكبد الفيروسي المزمن (B أو C) يزيد من خطورة حدوث نزفٍ هضميٍّ عُلويٍّ ناتجٍ عن تمزّق الدوالي المريئيّة بسبب ارتفاع الضّغط في وريد الباب.
كيف يتصرّف الطبيب عندَ الشكّ بوجودِ نزفٍ هضمي علوي؟
إجراءُ تعدادِ دمٍ كامل وتعدادِ صفيحاتٍ لتقديرِ كميَّة الدّم المفقود نتيجةَ النزف، بعد التأكد من سلوكية الطريق التنفسي. إذ أنّ الهدفَالأوّل عند تدبير الحالة هو تفادي حدوثِ صدمةٍ بنقصِ الحجم. وذلك بإجراءِ نقلِ دمٍ إسعافيٍّ ولا سيَّما المرضى الذين في سوابقهم المرضيَّة اضطراباتٌ قلبيّة وعائيّة، ويُعاد اختبارُ تعدادِ المكوّنات الدمويّة كل 6 ساعات خلال اليوم الأول من الاستشفاء.
تقييمُ مستوياتِ الكالسيوم عندَ المريضِ ولا سيَّما عندَالمصابين بفرط نشاط جارات الدرق إذ أنّ المستويات العالية من الكالسيوم تُسبِّبُ زيادةَ الافرازِ الحمضيّ للمعدة وقد تكون سبباً في حدوث النّزف.
إجراءُ تخطيطٍ كهربائيّ للقلب لتحرّي وجودِ اضطراباتٍ في النّظم أو اضطراباتٍ قلبيّة أُخرى كالاحتشاءات النّاتجة عن انخفاض الضغط.
ما الإجراءات التشخيصية المُتَّبعة بعد تدبير الصدمة؟
• بعد تحقيقِ الاستقرارِ الهيموديناميكي والمراقبة ضمن وحدة العناية المركّزة، يمكنُ إجراءُ التنظيرِ الهضمي العلوي ويُعدُّ الإجراءَ التشخيصيَّ الأول الذي يجب إجراؤه لمرضى النزف الهضمي.
• إجراءُ صورةٍ شعاعيّةٍ للصدرِلاستبعادِ حدوثِ ذاتِ رئةٍاستنشاقيّة، انصبابُ جَنبٍ أو انثقابٌ فيالمريء.
• لا يفيدُ التصوير بالباريوم في تشخيصِ النزف الهضمي ويُمكن أن يُصعِّبَ من عملية التنظير كونَه يحجُب الرؤية، بالإضافة إلى خطرِ الاستنشاق من قبل المفحوص.
• تركيبُ أنبوبٍ أنفيّ مَعِديٍّ لتأكيدِ أو نفيِ وجودِ نزفٍ سابق (مظهرُ طحل القهوة) ضمن السوائل المُرتَشَفَة، أو نزفٍ حديثٍ ومستمر (دمٌ طازج).تُحدِّدُ صفاتُ السّوائل المَسحوبة بالأنبوب الأنفي المعدي (لونٌ أحمر طازج، طحل القهوة، صفاوة) وصِفَاتُ البراز (أحمر أو أسود أو بني) شدةَ النزف وزمنَه.
إنَّ وجودَ الدَّم الطازج في مكونات السّائل المسحوب بالأنبوب الأنفي المعدي وكذلك البراز الأحمرهو إنذارٌ خطيرٌ بوجودِ نزفٍ فعَّالٍ ومستمر.
يلي تدبيرَالصدمة بنقص الحجم، البدءُ بمعالجةِ السّبب وراءَ النّزف والذي قد يكون:
• القرحات الهضميّة النازفة: غالباً ما يتمُّ اعتمادُ العلاجِ التنظيري؛ ويضمُّ التخثيرَ الحراري أو تقريبَ طيتين محيطتين بالقرحة وجمعهما معاً أوالحقنَ بالإبينيفرين، ويكونُ لجمعِ أكثرَ من تقنيةٍ في العلاج فعاليّةٌ أكبر في منع تكرار النزف.
• علاج الدوالي المريئيّة النّازفة بإجراءِ ربط دوالي أسفل المري عن طريق التنظير، واستخدامِ خافضاتِ الضّغط التي تَستهدفُ تخفيضَ الضغطِ البابي.
• العلاج الجراحي في حال وجود انثقاب حشا أجوف.
بهذا نجد أنَّ ظهور الأعراض التي تدل على وجود نزف هضمي علوي يستدعي الحصول على استشارةٍ طبية عاجلة لتفادي تطور النزف وحدوث مضاعفاتٍ مُهدِّدةٍ للحياة، ومن ثم تحسين فرص الشفاء من حالةٍ تُعدُّ من الحالات ذات الإنذار السيء.
المصادر: