العمارة والتشييد > عمارة سورية المعاصرة
مركز استكشاف الطفل
يُشكِّل مركز استكشاف الطفل "مسار" حجرَ الأساس للبرنامج التعليمي السوري "مسار" الذي أطلقته الأمانة السورية للتنمية* بهدف منح الأطفال السوريين الفرصة لمقابلة واستكشاف العالم من خلال اللَّعب. يسعى البرنامج لخلق فرصٍ تعليميةٍ أفضلَ للشباب في بلدٍ فتيٍّ لا يتجاوز عمر 40% من سكانه 14عاماً. يستند المركز في عمله على المزج بين العلوم الأساسيّة والخبرات العمليَّة المكتسبة من الأنشطة لتمكين الشباب السوري من المساهمة الفعّالة ببناء مستقبلهم.
المشروع من تصميم المكتب المعماري Henning Larsen Architects ويقوم بتنفيذه مكتب Buro Happold للاستشارات الهندسية.
الموقع والمحيط:
يمتاز المركز الاستكشافي بموقعٍ مميزٍ على ضفّة نهر بردى في قلب العاصمة دمشق، إحدى أقدم المدن المأهولة في العالم، والتي تعتبر بذاتها مكانا جديراً بالاستكشاف. فهو يتوسَّطُ المحور الواصل بين مدينة دمشق القديمة وساحة الأمويين، مجاوراً لعددٍ من الأبنية الهامة كجامعة دمشق ودار الأوبرا والمتحف الوطني. يضمُّ المركز معارضَ علميَّة متعدِّدة، بالإضافة إلى مناطقِ عرضٍ خاصَّة ومكتبة وقاعاتٍ دراسيّةٍ نوعيَّةٍ للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين (5 –15) عاماً ومرافقَ للأبحاث وأقسامٍ إداريَّة. سيشكِّل المركز وجهةَ جذبٍ رئيسيةٍ تتكامل مع الفراغات التفاعليّة المحيطة به ذات النشاطات المتنوعة والتي ستترك لدى الزوار انطباعاً مكانياً حميمياً يستهدف كل الحواس بمساحةٍ تبلغ 170000 م2.
يقول رئيس المشروع Tom Hay: " يعتبرُ هذا المشروع فريداً من نوعه، فهو يمنح الأطفالَ الوسيلة لرؤيةِ العالم من حولهم من خلال التراث الثقافيّ السوري الذي لا يُضاهى، مما سيشكِّل علامةً فارقةً من شأنها تمكين معارف الأطفال السوريين، ممَّا يُشعِر فريق عمل مشروع مسار التابع للمكتب بالفخر والامتياز للمشاركة في هذه العمليّة".
التصميم والإنشاء:
استوحيت الفكرة التصميميّة من الوردة الدمشقية الناتجة عن قشرة هيكلية محمولة على نظام إنشائي شعاعي من الأعمدة البيتونية المائلة والمُلتفَّة بطابعٍ يشبه بَتلات الوردة. تتألف هذه القشرة من سلسلةٍ من الجدران المنحنية المرتبة على عدة طبقاتٍ تتحلّق حول فراغٍ مركزيٍّ مشتركٍ (وهو المكان الذي يتمُّ فيه التلقيح المعرفي)، حيث يلتقي الأطفال ويطوِّرون الأفكار سوياً بهدف إنضاج معارفهم، ومن هذا الفراغ تنطلق عدّة مساراتٍ دائريَّة ناتجة عن سلسلة من الرامبات والأدراج المتداخلة مع الصَّحن المركزي مشكلَّةً رحلةً داخلية غامضة مستوحاةً من ممرات المشاة بمدينة دمشق القديمة، بينما تتوزَّع فراغات العرض والتي تتفاوت حجومها وارتفاعاتها خلف الجدران المنحنية.
تمَّ اكساء واجهة المبنى الخارجية من الحجارة الجيرية المحليَّة، حيث تقوم هذه الواجهة بتصفية أشعة الشمس القوية لتخلق خلفها شبكة متراقصةً من الظلِّ والنور عبر سلسلة من الفتحات الصغيرة. أما الجدران الداخلية فمكسيةٌ بالجص الطيني والذي ُيغمر بضوء النهار غير المباشر.
يقول Louis Becker رئيس قسم التصميم بمكتب Henning Larsen Architects واصفاً المشروع " يؤمِّن شكلُ مركز الاستكشاف المستوحى من الوردة الدمشقية المميَّزة التظليل والتهوية الطبيعيَّة للمبنى. كما يشكِّل مركز التكوين فراغاً عاماً مشتركاً كبيرَ الحجم"
التصميم المستدام:
يستفيد المبنى من خواص المواد والمهارات المحليَّة والموارد الطبيعيَّة للموقع. حيث يهدف شكل المبنى على إبقاء الشَّمس خارجاً ممَّا يخفِّف من استهلاك الطَّاقة.
ساهم شكلُ المبنى ومواد الاكساء المستخدمة في التقليل من المتطلَّبات اللازمة لتشغيل أجهزة التدفئة والتكييف، فالقدرة على السَّيطرة على الكسب الشَّمسي واستخدامه يُساعد بتخفيض استهلاك الطاقة، حيث يتم تخزين واستغلال الطاقة الشمسيةَّ في الشتاء لتخفيض أحمال التدفئة، أما التظليل فيساعدُ صيفاً بتخفيض أحمال التبريد، كما زُوِّد المبنى بنظامٍ خاصٍّ لإعادة تدوير المياه ذاتياً، بينما يتم توليد جزء من الطاقة اللازمة لتدفئة المياه وضخِّها عبر نظامٍ صديقٍ للبيئة يعملُ على الاستفادةِ من الطَّاقة الشمسيَّة والحرارة الجوفيَّة، ممَّا يجعلهُ أحد المباني المُستدامة التي تتمتَّع بأداءٍ بيئيٍ مرتفعٍ.
يُعتبر مركز استكشاف الطِّفل "مسار" أحدَ المشاريعِ المميَّزة التي يُتوقَّع مساهمتها بإغناءِ الرصيدِ المعماريِّ لمدينة دمشق على الصَّعيد العالمي انطلاقاً من تصميمهِ المستدام الذي يُراعي تراثَ المدينةِ المعماريِّ والرِّسالةِ الهادفة التي سيساهم بنشرها.
وأنتم أصدقائي ما رأيكم بهذا المشروع؟
* "الأمانة السورية للتنمية" منظمة سورية غير حكوميَّة تقوم بدعم واحتضان المبادرات المجتمعية، وبناء الشراكات مع منظمات المجتمع المدني والأفراد لمناصرة القضايا التنموية، وتوسيع مساحة المجتمع المدني ودوره في التخطيط وصناعة القرار، وتشجيع المواطنة الفعالة وريادة الأعمال وثقافة التطوع، وبناء القدرات والمعرفة وتشاركها . وتعمل على تمكين المجتمعات والأفراد وإشراكهم في العمل التنموي من أجل تأدية دورهم في بناء مجتمعهم وصياغة مستقبلهم.
المصادر: