البيولوجيا والتطوّر > بيولوجي
المافيا التي تقضُّ مضاجع الطيور
لربما سمع البعضُ عن سلوك طائر الوقوق (Cuckoo)، وخاصة الأوروبي منه، ذاك السلوك المريب الذي لا يقتصر على خداع إناث الطيور الأخرى لتحضنَ بيوضَه وتربيَ صغارَه، فما الذي يحدث بالضبط؟
تضعُ أنثى الوقوق الأوروبي على سبيل المثال بيوضَها حصراً في عش نوع آخرَ من الطيور، في حين تزيل أنثى الوقوق نفسُها بيوضَ هذه الأم البديلة من عشها، وتستبدلها ببيوضِ الوقوق التي -ولغرابة الأمر- تحاكي بيوضَ الأم البديلة إلى حدٍّ كبير. هناك احتمالان لتصرُّف الأم البديلة، فإما أن تتعرفَ على البيوض الغريبة فتترك العشَّ وتهجره، أو لا تلاحظ الفرقَ بينهما فتحضُن البيوضَ وترعاها إلى أن تفقسَ فتُعنى غالباً بتغذية الفراخ ورعايتها.
لاحقاً وبعد مدة قليلة من خروج الوقوق الوليد من البيضة يُبدي هذا الصغيرُ تصرُّفاً سلوكياً أغربَ من تصرُّف والدته، إذ يُدحرِج باستعمال وهدته الظهرية التي تشبه المِغرَفة أيَّ جسم صلب يلامس جسمه في العش إلى حافته بغرض التخلُّص منه -آلية للتخلص من البيوض الأخرى على ما يبدو- ليحظى بكامل رعاية الأم البديلة واهتمامها إذ يعدُّها مُجندةً لرعايته فقط.
من الجدير بالذكر أنَّ الأمَّ البديلةَ تكون غالباً من نوع ذو حجمٍ أصغرَ من الوقوق ما يجعلُ الوقوقَ الوليدَ يصبح أكبرَ من أمه البديلة خلال وقت قصير، وهذا ما يجعل مَهمة رعايته منهكةً جداً لكلا الأبوين اللذين سيظهران بمشهد أشبه بالكوميديا السوداء وهما يُحاولان إشباعَ نَهَم هذا "الفرخ العملاق" الذي يفوقُهما حجماً!
وإن تساءلت ما النوعُ المُبتلى بلعنة الوقوق من بين أنواع الطيور؟ فلزاماً علينا أن نخبرَك أنَّ هذا يعودُ إلى تقدير أنثى الوقوق، إذ تُفضِّل كلُّ أنثى نوعاً معيناً لتتطفلَ عليه وتتنمر. ومع اختلافِ ألوان بيوض هذه الأنواع وأحجامها، تُحاكي كل أنثى وقوق شكلَ البيض ولونه (بيض صغير وشاحب- كبير ومنقط...إلخ) بدقةٍ مثيرة للإعجاب، فتصنعُ بيوضَها بحيث تشابه بيوضَ الأم البديلة عسى ألَّا تلاحظَ الفرقَ وتقوم بالمهمة الجسيمة، ورغم أنَّ هذه الأنماط محددة وراثياً من خلال تصنيف أمهات الوقوق إلى مجموعات وراثية تُسمَّى gentes ولكنَّها تلتقي عشوائياً بالذكور المُلقِّحة، فكيف تحافظُ على هذا النمط ضمن النوع؟ ما زال هذا السؤال دون جوابٍ واضحٍ وصريح.
ورغم أنَّنا قد تحدثنا عن الوقوق الأوروبي، إلَّا أنَّه من المفيد -لتحسين صورة النوع في أذهانكم قليلاً- أن نذكرَ أنَّ أنواعاً كثيرةً من الوقوق ترعى صغارَها بنفسها، أو تتطفل على إناثٍ من نوعها نفسه. في الحقيقة يُقدِّر العلماء أنَّ هناك ما نسبته 40% من الوقوق الذي يسلك سلوكَ التطفل الأبوي حول العالم.
من ناحية أخرى يُمارس الوقوق الأمريكي الشمالي بنيُّ اللون والوقوق المُنقَّط الأوروبي الكبير ألعاباً وحِيَلاً أخرى ليقنعَ العائلةَ البديلةَ بتبني أطفالِه الطُفيليين، إذ قد يُخرِّب عشَّهَم بالكامل في حال رفضهم حضانةَ بيوضه، كانتقامٍ منه لأنَّهم لم يقبلوا بإراحته من عبء صغاره ما قد يُشبه سلوكَ بعض عصابات المُتَنمرين.
ما زال هناك المزيد لنتحدث عنه ونكتشفه لدى هذا النوع الغريب سلوكياً من الطيور، ولكنَّنا حاولنا في هذا المقال تبسيطَ الموضوع وإعطاءَ أهم الأفكار حقَها، ويبقى لك عزيزي القارئ أن تبحثَ وتستكشفَ أكثر إن أحببت، فبين متعة الاستكشاف والمعرفة غنىً للعقل وحصيلته الفكرية.
المصادر: