منوعات علمية > ما بين العلم والخيال
مصاصو الدماء
يعود الاعتقاد بمصاصي الدماء إلى العصور الوسطى في أوروبا، تيمّناً بمصاص الدماء الأكثر شهرة «برام ستوكر دراكولا «أو بمن تستشهد به البحوث الجارية وهو الأمير الروماني «فلاد تيبس« البطل القومي الذي دافع عن امبراطوريته من الأتراك العثمانيين.
هل مصاص الدماء بشر أم شيطان؟
يُرجع البشر الأكثر دراية بدراكولا مصاص الدّماء المعتقد أن له أصولٌ سلافية إلى الجثثِ البشرية التي يُقال إنها تعود من القبر لإلحاق الضرر بالأحياء، لكن البعض وخاصة كبار السن لا يعتقدون أنّ مصاص الدماء هو انسانٌ بشريٌ، ولكن بدلاً من ذلك هو شيءٌ خارقٌ أو شيطانيٌ.
ماثيو بيريسفورد مؤلف كتاب من الشياطين إلى دراكولا: اختلاق أسطورة مصاصي الدماء الحديثة يقول في كتابه: «هناك أسسٌ واضحة لمصاصي الدماء في العالم القديم، لكنه من المستحيل إثبات متى ظهرت هذه الأسطورة، وتقوم هذه الأسس على افتراضات بأن مصاصي الدماء وُلدوا من السحر في مصر القديمة أو أنهم شياطين استُدعوا إلى هذا العالم، ويتفرع مصاصي الدماء إلى أنواع مختلفة حول العالم أبرزها مصاص الدماء الآسيوي الذي يطلق عليه «جينشاي« وأرواح الشياطين التي تهاجم البشر وتستنزف طاقة أجسامهم وغيرها الكثير«
في حين أن الناس يستطيعون تسمية عدةَ أمورٍ من تقاليدِ مصاصي الدماء إلا أنه ليس هناك خصائصٌ واضحةٌ، وراسخة؛ إذ يقال بأن مصاصي الدماء يمكنهم التحول إلى خفافيشَ، أو ذئاب فيما لا يستطيع البقية فعلَ ذلك ويقال أيضًا إنّه يمكن قتل مصاص الدماء بالماء المقدس أو أشعة الشمس، إلا أن هناك مصاصي دماء لا يتأثرون بالأسلحة السابقة.
كيف تعثر على مصاص الدماء؟
ليس من السهل أن تعثر على مصاص دماء، ووفقًا لأسطورة رومانية »لتعثر على مصاص دماء ستحتاج إلى طفلٍ يبلغُ من العمر سبعَ سنوات مع حصانٍ أبيض، الطفل يجب أن يرتدي لباسًا أبيضًا، و يركب الحصان ليتجها إلى مقبرة في منتصف اليوم، اتركهما يهيمان في المقبرة، وعندما يتوقف الحصان أمام قبر تيقن أنّه قبرٌ لمصاصِ دماء أو ربما شيءٌ صالحٌ للأكل، هنا عليك التأكد«
ويقول الفلكلوري بول باربر في كتابه دفن مصاصي الدماء وموتهم، الفلكلور والواقع: «إنّ هيئة مصاصي الدماء يمكن تحديدها عند الولادة كولادة طفل بأسنان مشبوهة "أنياب حادة" أو طفلٍ لديه حلمة إضافية، أو عدم وجود الغضروف في الأنف و انقسام الشفة السفلية، أو عند ولادة الطفل بغشاء أحمر محيط به كدليل على الرجوع من الموت«.
وحالما تتحقق واحدة من تلك الأمور، تصاب المنطقة بسوء حظٍّ غير مبرر، وجفاف للمحاصيل أو مرض معين ينتشر في المنطقة الملعونة بوجوده، وينشر الرعب بين سكانِ المنطقة آنذاك، لتتوجه أنظارهم إلى المتوفين حديثًا الذين يعودون من قبورهم بنية الشر، وتحميلهم مسؤولية الأحداث التي تحدث لهم.
نتيجة ذلك تعرضت الكثير من القبور للنبش والكشف، الغريب آنذاك ظهور بعض جثثِ الموتى بهيئة كاملة غير متحللة، وهذا ما أثار الرعب والذعر بينهم.
مع العلم أن الجثة بعد دفنها يجب أن تتحلل فورًا، لكن في فصل الشتاء وخاصة في الدول الباردة مثل روسيا ورومانيا يتأخر التحلل لأسابيع أو أشهر، ويخلق التحلل في الأمعاء انتفاخًا يجبر الدم إلى الصعودِ إلى الفم فتظهر الجثّة وكأنها امتصت مؤخرًا بعض الدّماء.
هذه الأمور مفهومة جيدًا من قبل الأطباء في العصر الحديث، لكن في أوروبا، وفي العصور الوسطى أُخذت على أنها علامات واضحة بأن مصاص الدماء حقيقة موجودة.
كيف تتعامل مع مصاص الدماء؟
أفضل طريقة للتعامل مع مصاصي الدماء وبطبيعة الحال هي منعهم من العودة في المقام الأول، قبل بضعة قرون في أوروبا كانت هذه الفكرة تراود الكثيرين وبعضهم حاول منعهم من الخروج من القبور بالبحث عن القبور المشتبهة وشبك صدر مصاص الدماء بالأرض، واختير الصدر لأنه جذع الجسم.
تشمل الأساليب التقليدية الأخرى قطع الرأس ومن ثم حشو الفم بالثوم، أو الطوب وفي الحقيقة بعض القبور المشتبهة وجدت بعلامات مماثلة.
في مقالة تابعة لموقع ليف سينس لعام 2012 ذُكر أنه تم العثور على جثة امرأة في مقبرة جماعية في جزيرة البندقية يشتبه أنها قد تكون من مصّاصي الدماء حيث قام حفارو المقابر بشقّ رأسها ووضع صخرة في فمها لمنعها من المضغ، وإصابة غيرها بالطاعون كما قال ماتيو بوريني من جامعة فلورنسا.
لكنه تم الطعن في وقت لاحق بهذا التفسير من قبل باحثين آخرين، وتعجبوا من كيفية وجود قطعة الحجارة في فمها وارجعوا السبب إلى سقوط هذه القطعة بعد عملية الدفن أي أثناء عملية ردم القبر.
وسرعان ما تبين عكس كلام الباحثين، ودحض نظريتهم السابقة بمقال في مجلة الآثار في عام 2013 أظهر اكتشاف قبرين في بلغاريا يحتويان على هيكلين عظميين متصلين بقضيبين من الحديد وهذا دليل على التقنيات التي كان يستخدمها البشر لمنع مصاصي الدماء من الخروج إلى عالم الأحياء.
ماذا لو أهمل القرويين المحليين كشف قبور مصاصي الدماء وعادوا من القبر، كيف كانوا سيحمون أنفسهم؟
وفقًا للتقاليد المتبعة آنذاك، أفضل وسيلة لإيقاف مصاصي الدماء هي حمل حقيبة صغيرة من الملح وإذا حاول مطاردتك اسكب الملح على الأرض خلفك، هذا كفيل بتوقفه لعد الحبيبات ومن ثم إكمال السعي خلفك. إذا لم يكن لديك ملح فإن أي حبيبات متوفرة تكون جيدة في هذه الحالة بما فيها طعام الطيور أو الرمل.
وذكر في بعض التقاليد أن مصاصي الدماء لا تدخل المنزل إلا إذا دعيت إليه وربما هذا هو سبب منع الحديث مع الغرباء وإدخالهم البيت خاصة فئة الأطفال.
مصاصي الدماء الحقيقيون:
هناك بطبيعة الحال عددٌ قليل من الحيوانات مصاصة للدماء مثل العلق، الانقليس، والخفافيش.
وفي جميع الحالات تكون نيّة مصاص الدماء الحيواني هي الحصول على ما يكفي من الدّم للقوت اليومي ولكن ليس بما يكفي لقتل المضيف.
هل هناك مصاصي دماء بشريين؟
نعم، هناك مصاصي دماء ولكن ليس بطبيعة بيولوجية وإنما بشر عاديون يشاركون في ثقافات متفرعة ومستوحاة من أساطير مصاصي الدماء ولهم نوادٍ خاصة وطقوس سرية بما فيها ارتداء رؤوسٍ، أو زراعة أنيابٍ ليبدو وكأنهم مصاصي دماء حقيقييّن!
في حين أنّ شرب الدم هي مسألةٌ أخرى، لن يستطيع أحد فعلها؛ بسبب طبيعة الدم السّامة؛ وذلك لغناه بالحديد الذي يجد الجسم البشري صعوبة بالتخلص منه، وأي شخص يستهلك الدم بانتظام سيعرض نفسه لخطرٍ حقيقيٍّ من ترسّب الأصبغة الدّموية الثانوي (جرعة زائدة من الحديد) والذي يمكن أن يسبب أمراضًا متنوعةً في الكبد والجهاز العصبي والعظام.
بشكل أو بآخر إنّ ظاهرة مصاصي الدماء هي جزءٌ ثقافيٌ وتراثيٌّ مخيفٌ سيلازم الأجيالَ القادمة وما بعدها ربّما.
المصادر:
Radford، Benjamin.2014. Vampires: Fact، Fiction and Folklore.22 October. Livescience{accessed 19 November 2016} available from: