البيولوجيا والتطوّر > منوعات بيولوجية
ماذا يخبرنا ريش الطيور الحالية عن ألوان الحيوانات المنقرضة؟
صبغةُ الميلانين هي المسؤولةُ عن اختلاف لون البشرة لدى البشر، فالميلانين هو الصباغ السائدُ في معظم الثدييات والطيور كواحدٍ من أكثر الآليات شيوعاً في تلوين الأنسجة الحية، وأكثرُ أنواعه شهرةً هو صبغة (Eumelanin) التي تعطي تدرجاتِ اللون الأسود والبني، وصبغة (Pheomelanin) التي تعطي تدرجاتِ اللون الأحمر والأصفر في التراكيب المغلِّفة الغشائية (integumentary) المُتقرِّنة مثل الجلد والشعر والريش. إلَّا أنَّ دورَ الميلانين لا يقتصر فقط على إعطاء اللون، بل يشارك أيضاً في العديد من العمليات الفيزيولوجية، إذ يؤدي دور واقٍ ضوئي، ويسهم في توازن العناصر المعدِنية، كما يؤدي دوراً في العديد من الأمراض مثل سرطان الجلد (melanoma) وداء باركنسون. إلا أنَّ كيمياءَ هذا المركب غيرُ معروفة تماماً، ويرجع ذلك إلى الطبيعة غير المتجانسة والمعقدة للميلانين، كما أنَّ العديدَ من الدراسات تستخدم نظائر اصطناعية قد تبدي اختلافاتٍ كبيرةً مع الأصبغة داخلية المنشأ (ضمن الأنسجة الحية).
في هذه الدراسة حلَّلَ فريقُ العلماء، بقيادة جامعة مانشستر، العناصرَ المرتبطةَ مع صبغة الميلانين في الرِّيْش الذي تطرحه الطيور الموجودة في المحميات الحيوانية، إذ تمكنوا من إثبات أنَّ تحليلاتِ الأشعة السينية بالإلكترونات المُسرَّعة (synchrotron X-ray) يُمكن أن تُحدِّد هُويَّةَ المعادن المرتبطة بصبغة الميلانين ضمن ريش الطيور الحالية في موطنها الطبيعي. فقد أظهر التصويرُ أنَّ توزيعَ العناصر المعدنية (الكالسيوم والنحاس والزنك والكبريت) وانتشارَها يقع حصرياً تقريباً تحت سيطرة توزيع صبغة الميلانين وانتشارها. وأظهر جهازُ الامتصاص الطيفي للأشعة السينية أنَّ ترتيبَ ذراتِ الزنك والكبريت يختلف ضمن مناطق انتشار صبغة (Eumelanin) مقارنةً مع مناطق انتشار صبغة (Pheomelanin) ضمن الريشة الواحدة، والأمرُ نفسُه ينطبق أيضاً على كلٍّ من الكالسيوم والنحاس، فكما هو موضح في الصورة يشيرُ اللونُ الأحمر إلى الزنك، والأزرق إلى الكالسيوم، والأصفر إلى الكبريت.
يقول المؤلف الرئيسي في هذه الدراسة نيكولاس إدواردز Nicholas P. Edwards من جامعة مانشستر: "وجد الباحثون اختلافاتٍ طفيفةً ولكنَّها قابلةٌ للقياس بين الأنواع المختلفة من الميلانين فيما يتعلَّق ببعض العناصر."، ويشير ديموسثينيس سوكاراس Dimosthenis Sokaras أحدُ المشاركين في هذه الدراسة إلى أنَّ "إحدى مزايا استخدام الأشعة السينية، هي أنَّنا قادرون على رسم خريطة هذه الأنماط البصرية للعناصر الكيميائية المرتبطة بالألوان بطريقة غير مدمرة (أي دونَ تخريب العينات المدروسة)، إذ يُمكننا دراسةُ أي شيء في حالته الأصلية."
تمكَّن الباحثون في هذه الدراسة من تحديد العناصر التي تشكِّل الصبغاتِ المسؤولةَ عن تدرجات الأحمر والأصفر وتدرجاتِ الأسود والبني في الريش، ويتطلعون إلى استخدام هذه المعلومات للعثور على آثار من الأصبغة نفسها في العينات الأحفورية للحيوانات المنقرضة كالديناصورات؛ إذ يُلغي هذا الاكتشافُ التصوُّرَ أحادي اللون للمخلوقات المُتحجرة السائد لدى العلماء، ويدعو إلى اتخاذ خطواتٍ حثيثةٍ نحو تصوير الألوان بدقة أكبر. وكما يقول أستاذ الكيمياء الجيولوجية في جامعة مانشستر وكبير معدي الدراسة روي واجيلياسRoy A. Wogelius : "إنَّ الحقيقةَ الجوهرية في علم الجيولوجيا هي أنَّ الحاضرَ هو مفتاح الماضي، فهذا العملُ على الحيوانات الحالية يوفر الآن "مفتاحاً" كيميائياً آخرَ لمساعدتنا في إعادة بناء نموذج الحيوانات المنقرضة منذ زمن بعيد بدقة."
المصدر: هنا
الورقة البحثية: هنا