الهندسة والآليات > التكنولوجيا
صورٌ فريدةٌ للحمضِ النوويِّ (DNA)تلتقطُ لأولِ مرةٍ قد تسهمُ في بناءِ أجهزةٍ نانوية.
في عالمٍ يسيرُ بنا بخطىً متسارعةٍ الى آفاقَ شاهقةٍ، أصبحَ حتماً علينا أن نتعرفَ الى بعضِ عوالمِ ذاك المستقبلِ .
إنها التكنولوجيا النانوية _ واحدةٌ من أهمِ الشواهدِ على التقدمِ التكنلوجي في عصرنا.
قدمت هذه التكنلوجيا حلولاً و تفاسيرَ لكثيرٍ من الألغازِ التي حيرتِ العلماءَ في سنواتٍ مضت، وأصبحتْ بسبب صغر حجمها وخفةِ وزنها البديلَ الأمثلَ لغيرها من التقانات.
وما يزالُ البحثُ العلمي في مجال التقانةِ النانوية يبشرُ بنتائجَ واعدةٍ قد تغيرُ مجرى العالم .
استطاعَ فريقٌ دوليٌ يعملُ في قسمِ الطاقةِ في مختبراتِ بيركلي (مختبر لورنس بيركلي الوطني) أن يلتقطَ لأولِ مرةٍ صوراً ثلاثيةَ الأبعادِ عاليةَ الدقةِ لمقاطعَ مستقلةٍ للسلالمِ الحلزونيةِ المزدوجةِ للحمضِ النووي DNA، متصلةً عند أحدِ أطرافها بجزيئاتٍ نانويةٍ ذهبيةِ اللون.
و تفصِّلُ الصورُ البنيةَ المرنةَ لمقاطعِ DNA، التي ظهرتْ كحبالِ الوثبِ لكنها من النانو.
و يعدُّ علماءُ مختبرِ بيركلي روادَ اكتشافِ هذه القدرةِ التصويريةِ المذهلةِ التي لها أن تساعدَ في استخدامِ مقاطعِ ال DNA كلَبِناتٍ في بناءِ أجهزةٍ جزيئيةٍ تعملُ كنظمٍ لإيصالِ الدواءِ للجسمِ، أو كواصماتٍ وعلائمَ في البحوثِ الجينيةِ للمعنيين بعلمِ الأحياء، أو مكوناتٍ لذاكرةِ الحاسوب والأجهزةِ الإلكترونية.
ليسَ هذا فحسب فقد تَلتقطُ أيضاً صوراً لبروتيناتٍ ذاتِ صلة ٍببعضِ الأمراض أعيتْ على تقنياتِ التصوير الأخرى فيما مضى
و كذلك لعمليةِ التجميعِ التي تُنْشِئُ الحمضَ النووي ال DNA من جدائلَ مستقلةٍ منفصلةٍ .
و بتقنيةٍ ثلاثيةِ الأبعادِ وبفضلِ مجهرٍ الكترونيٍّ متطورٍ وحقنٍ بالبروتين وباستخدامِ برنامجٍ حاسوبيٍّ متقدمٍ وذي دقةٍ عاليةٍ أُعيدَ إنشاءُ جدائلِ الحمضِ النووي الملتفةِ المحاطةِ بجزيئاتِ النانو الذهبيةِ المضلعةِ الشكل سهلتْ إثراء العلمِ بتفاصيلَ بنيويةٍ لأحجامَ تقاربُ اثني نانوميتر أو مليارَ جزءٍ من المتر .
يطلعنا غانغ رين العالمُ في مختبرات بيركلي و قائدُ هذا البحثِ الذي نَشرتْ نتائجَه مجلةُ Nature Communications في نهايةِ شهرِ آذارَ الماضي: "كانَ الغموضُ يشوبُ كلَّ شيءٍ، لم تكن لدينا أيُّ فكرةٍ عن وجودِ حمضٍ نوويٍّ ثنائيِّ الجدائلِ بين دفتي جزيئاتِ الذهبِ النانوية. هذه المرة الأولى التي تجسد فيها صورةُ الحمض النووي بجديلتيه بتقنيةٍ ثلاثيةِ الأبعاد ".
سُميت تقانةُ التصوير التي طورها هذا الفريق بـالتصويرِ المقطعي الإلكترونيّ للجزيء المنفرد
( individual-particle electron tomography IPET)،
التقطتْ هذه التقانةُ أيضاً قبلَ فترةٍ وجيزةٍ صورةً ثلاثيةَ الأبعادِ لبروتينٍ أحاديٍّ يلعب دوراً أساسياً في عمليةِ استقلابِ الكوليسترولِ عند البشر.
بالاعتمادِ على التقاطِ صورٍ ثنائيةِ الأبعاد لنفس المادة من جهاتٍ مختلفةٍ، مما مكَّنَ الباحثينَ من تجميعِ صورةٍ ثلاثيةِ الأبعادِ لتلك المادة.
كما استخدم الفريقُ هذه التقنيةَ أيضاً للكشفِ عن تخبطاتِ بروتينٍ مرنٍ آخر، هو الغلوبولين المناعي عند البشر والذي يلعب دوراً في الجهاز المناعي.
أثناءَ دراسته للبنى النانوية لل DNA استخدمَ رين تقنيةَ شعاعٍ الكتروني تعتمد على حزمةٍ من إلكتروناتٍ تُسمى Cryo-electron Microscopy (cryo-EM) أو التكبيرَ الإلكترونيَ المجهريَ لنموذج بدرجة حرارة النايتروجين السائل، ليختبرَ عيناتٍ نانويةً مجمدةً من الـ DNA التي تحملُ جزيئاتِ الذهب في نهايتيها، واستعان بعدها بتقنية IPET لتركيبِ صورٍ ثلاثيةِ الأبعادِ لعيناتٍ محقونةٍ بأملاحَ معدنيةٍ ثقيلةٍ.
استخدم الفريق أيضاً أدوات محاكاة لأشكال الجزيئات لاختبار التغيرات الشكلية الطبيعية في العينات والتي تدعى (خاصيةُ التشكلات)، وقارنوا هذه الأشكالَ المحاكاةَ مع الأشكال التي تمت مراقبتها.
يضيف رين: " إنَّ حركةَ وتنقلاتِ هذه العيناتِ المرنةِ أشبهَ برجلٍ يلوِّحُ بيديه فمن الصعب تفصيلُ جميعِ سلوكياتها بطريقةٍ أو وسيلةٍ تعتمد على قياس متوسط ما تم رصده.
إحدى الطرقِ الشائعة الأخرى تتطلب جمعَ آلاف المواد المتطابقة نوعاً ما التي تُرى بمجهر الكتروني.
أشهرُ الطرقِ لرؤيةِ هذه التفاصيل البنيوية النانوية لعيناتٍ بيولوجيةٍ حساسةٍ هو إنشاؤهم في بلوراتٍ وتحفيزهم بأشعة رينتغن(أشعةx).
قد تتطلبُ تقنياتٌ بحثيةٌ شائعةٌ أخرى آلافاً من صور العينات المتطابقة نوعاً ما تُرى بمجهرٍ الكتروني لتشكيلِ بنيةٍ ثلاثيةِ الأبعاد، ولكنَّ هذه الصورةَ ثلاثية الأبعاد لا تُظهِرُ التقلباتِ الشكليةَ الطبيعيةَ للعينة المعطاة.
الفيديو التالي يظهر التقنيات التي استخدمها العلماء لصنع أشكال ثلاثية الأبعاد تظهر التبدلات الشكلية في مقاطع ال DNA المزدوجة والمرتبطة بجزيئات الذهب النانوية.
شُكِلَتِ العيناتُ في التجربة السابقة من اتصالِ جسيماتٍ ذهبيةٍ نانويةٍ مضلعةِ الشكل قطرها حوالي 5 نانومتر، مع جدائلِ مقاطع ال DNA المنفردة والتي تمتلك 84 زوجاًَ قاعدياً. الأزواج القاعدية هي أجزاءُ ربطٍ كيميائية أساسية تعطي ال DNA شكلَه المعروف. كل مقطع DNA منفردٍيرتبط مع جزيء نانوي من الذهب ومع شريكٍ مماثل له ليشكلوا مقطع ال DNA المزدوج والذي ينتهي طرفاه بجزيء ذهب.
تم تعريضُ العينات للتجميد اللحظي لحفظِ بنيتها لتُستخدمَ في الدراسة و تصويرها ب cryo-Em.
ترواحت المسافةُ بين جزيئي الذهب في العينات المنفردة بين 20-30 نانومتر تبعاً لأشكال ال DNA المختلفة التي تمت مراقبتها. استخدم الباحثون من أجل هذه الدراسة المجهر الإلكتروني في مسبك المعادن الجزيئي في مختبرات بيركلي.
قاموا بجمع عدة صور معدلة للعينات المحقونة بالبروتينات، ورسموا 14 خريطة للكثافة الإلكترونية توضح بنية كل عينة على حدة وذلك باستخدام تقنية IPET. بعد جمع كمية من أشكال العينات، وجدوا أن التغيرات الشكلية لل DNA كانت متماثلة مع تغيرات العينات التي تم قياسها بطريقة cryo-EM. كما كانت العينات أيضاً مطابقة للعينات المدروسة بطريقة التصوير الالكتروني والطرق المعتمدة على تشتت أشعة X، ومع المحاكاة الحاسوبية.
بالرغم من الأشكالِ ثلاثيةِ الأبعاد التي تظهرُ البنيةَ النانوية الرئيسية للعينات، حيث يقول رين: "مع أننا بدأنا حالياً بإظهار بنياتٍ ثلاثية الأبعاد بدقة 1 أو 2 نانومتر، نستطيع باستخدام أدواتٍ أفضلَ وخوارزمياتٍ حسابيةٍ مطورةٍ أن نزيدَ الدقةَ بحيث نظهرُ مقطع DNA مفرداً مع بروتين واحد".
يضيف رين إنَّ التقنية بدأت تجذبُ اهتمامَ بعض أهمِ شركات الأدوية والباحثين في مجال التقانة النانوية، وأن فريقَه العلمي لديه الكثيرُ من المشاريع البحثية المرتبطة بهذا الموضوع.
سيحاولُ الباحثون مستقبلاً زيادةَ دقةِ التصويرِ للحصولِ على بُنىً أكثر تعقيداً تضمُ عدةَ مقاطع DNA، كنوعٍ من "أوريغامي" لل DNA، (أو تجميعِ ال DNA، الأوريغامي هو فنٌ ياباني يعتمدُ على طي الورقِ للحصول على أشكالٍ معينة). يأملُ الباحثون في صنعِ أجهزةٍ جزيئيةٍ وتخصيصها بشكلٍ أفضلَ باستخدام مقاطع ال DNA بحيث تصبح قادرةً مثلاً على تخزين وتسليمِ الدواءِ إلى المناطق المطلوبة في الجسم.
يقول رين: "من السهل برمجةُ ال DNA وتجميعُه وؤاستنساخُه، لذلك يمكن استخدامُه كأداةٍ مميزة تتجمع ُ ذاتياً في بنياتٍ نانويةٍ وتقودُ عملياتِ الأجهزةِ الجزيئية. دراستُنا الحاليةُ هي مجردُ إثباتِ إمكانيةِ تصويرِ هذه الأنواعِ من الأجهزة الجزيئية"
المصدر: هنا