الرياضيات > الرياضيات
رياضيات استخراج القهوة: البحث عن طريقة التّخمير المثاليّة للقهوة
القهوة: اسمٌ من أسماءِ الخمرِ عندَ العربِ لأنّها تَقهي عن الطّعامِ أي تُخَفِفُ الشّهية، وتمّ إطلاق نفسِ الاسم (القهوة) على الشّرابِ المصنوعِ من البُنِّ لأنَّ له نفس التّأثيرِ أي يّقهي عن الطّعام. ويقال أنَّ اليمنَ هي أولى الدّولِ الّتي اكتشفتِ القهوةَ، وتغنى العرب بها شعرًا فقالوا:
أنا المعشوقةُ السّمرا ... وأجلى في الفناجينِ
وعودُ الهندِ لي عطرا ... وذكري شاعَ في الصّينِ
وعندي الفاتحة تقرأ ... وهذا القَدُرُ يكفيني
وقد أطلقَ الأوروبيّونَ على القهوةِ والمشروباتِ الأُخرى المصنوعةِ من البُنِّ في البدايةِ (نبيذُ العربِ).
وفي تركيبتها المؤلَّفةُ من أكثرَ من 1800 مكونٍ كيميائيٍّ، تُعتَبَرُ القهوةُ واحدةً منَ المشروباتِ الأكثرَ استهلاكًا على نطاقٍ واسعٍ في العالم. حيثُ يتمُّ تحميصُ وطحنُ حبوبِ القهوةِ وهي بذورُ نباتٍ يحمل ذاتَ الاسم، ومن ثُمَّ يتمُّ السَّماحُ لتدفُّقٍ من الماءِ السَّاخنِ باستخراجِ مكوناتِها القابلةِ للذَّوبان. وتتمُّ تصفيةُ المكوناتِ غير المنحلَّةِ عن الجُزَيئاتِ المُنحَلَةِ، والسّائلُ النَّاتِجُ يُصبِحُ الطَّبخةَ الّتي يشربُها كثيرٌ من السُّكانِ في كلِّ يومٍ.
(أ) يتمُّ صنع قهوةِ الإسبريسو من خلالِ إجبارِ الماءِ السّاخن على المرور - تحت ضغطٍ عالٍ - خلالَ سرير مضغوطٍ من القهوةِ المطحونَةِ ناعمًا. (ب) آلة تخميرٍ وتصفيةٍ بالتّنقيط تتضمّنُ ماءً ساخنًا متدفقًا عبر سريرٍ فضفاضٍ من القهوةِ الخشنةِ في مُرَشِّحٍ. وفي كلا الطّريقتَين يندفعُ الماء عبرَ السّرير، مرشِّحًا مكوناتِ القهوة القابلة للذّوبان عن الحبوب. وعند مغادرة السّائل للمرشِّح يتمُّ تصفيةُ أيّة موادٍ صلبةٍ غير منحلةٍ من العُصارة. حقوق الصورة: كيفن م. موروني Kevin M. Moroney.
هذا وقد طَوَّرَ مُخَّمِّرو القهوةِ العديدَ من التِّقنيّات لإعدادِ هذا المشروبِ الشَّعبيّ. وتستندُ جميع التّقنيّات على التّرشيحِ عبرَ عمليّةِ استخراجِ الصُّلبِ والسَّائلِ، وتهدف كلُّ طريقةٍ لإنتاجِ أفضلِ نوعيَّةٍ ممكنةٍ من القهوةِ - وهو إنجازٌ ذاتيُّ يُعبِّرُ عادةً عن مسألةِ تفضيلٍ شخصيَّةٍ بالرَّغمِ من تقييماتِ ذوَّاقَةِ القهوةِ المحترفين. ذلك أنّ العديدَ من المكوِّناتِ الكيميائيَّةِ تُشكِّلُ دفعةً واحدةً من القهوة، وتحديد العلاقاتِ الدَّقيقةِ بين المُعاملاتِ الفيزيائيَّةِ القابلةِ للذَّوبانِ وجَوْدَةِ المشروبِ أمرٌ صعبٌ. وبأيِّ حالٍ، فإنّ فَهْمَ رياضياتِ عمليّةِ الاستخراجِ يمكن أن تساعِدَ في التَّعرُّفِ على تأثيرِ المُعاملاتِ المُختلفةِ على المُنتَجِ النِّهائيِّ. وفي ورقةٍ بحثيَّةٍ تمَّ نشرُها في مجلةِ سيام للرّياضيات التَّطبيقيّةِ SIAM Journal on Applied Mathematics، قام كلٌّ من كيفن م. موروني Kevin M. Moroney ووليام ت. لي William T. Lee وستيفن ب. ج. أوبراين Stephen B.G. O’Brien وفريك سويجفر Freek Suijver ويوهان مارا Johan Marra بتقديمِ وتحليلِ نموذجٍ جديدٍ ومُتَعدِّدِ النِّطاقاتِ لاستخراجِ القهوةِ من سَريرِ قهوةٍ.
في حين أنَّه في الدِّراساتِ السّابقةِ حولَ رياضياتِ استخراجِ القهوةِ، أعطى الباحثونَ القليلَ من الاهتمامِ لنظامِ التَّخميرِ والتَّصفيةِ بالتَّنقيطِ drip filter brewing system. تُشكِّلُ آلاتِ التَّصفيَةِ بالتَّنقيطِ ما يُقارِبُ من 10 ملايينَ آلةِ قهوةٍ من بين ما يزيد على 18 مليون آلةِ قهوةٍ تُباعُ سنويّاً في أوروبا، وتتضمَّن ماءً ساخناً مُتدفِّقًا عبرَ سريرٍ منَ القهوةِ المطحونَةِ المُتَضَمَّنَةِ في مرشِّحٍ. وتقومُ الجاذبيَّةُ بِسَحْبِ الماءِ خلالَ المُرَشِّح، مُستَخرِجَةً الموادَ الذَّائبةَ للقهوةِ من الحبوبِ خلالَ التَّدَفُّقِ.
تُرَكِّزُ الورقةُ البحثيَّةُ لموروني وآخرونَ على آلاتِ التَّصفيَّةِ بالتّنقِيطِ وتُعْتَبَرُ توسيعًا لأعمالِهم السّابِقَةِ، والّتي نُشِرَت في مَجَلَةِ علومِ الهندَسَةِ الكيميائيَّة في العامِ 2015. يقولُ موروني: "إنَّ معظمَ نماذجِ الاستخراجِ الّتي وجدناها في الأدبِ كانت إمّا تُرَكِّزُ على دفعةِ الاستخراجِ في نظامِ خلطٍ جيِّدٍ، أو تقومُ باشتقاقِ معادلاتِ نقلٍ عامَةٍ دونَ اقتراحِ آليَّاتِ استخراجٍ محدَّدَةٍ أو التَّحقُّقِ من صِحَّتِها من خلالِ التَّجارُبِ".
ويُضِيفُ: "وفي المقابلِ، فإنَّ نموذَجَنا يَصِفُ التَّدَفُّقَ والاستخراجَ في سريرِ القهوة، مُحَدِّدًا آليّاتِ الاستخراجِ من حيثُ خصائصِ حبوبِ القهوةِ، ويقارِنُ أداءَ النَّموذجِ مع التَّجربةِ. وتركيزُنا الأوّليّ على التَّدفُّقِ خلالَ غرفةِ التَّخميرِ الأسطوانيَّةِ سمحَ لنا بالنَّظَرِ إلى النَّموذَجِ في تناظُرٍ مكانيٍّ واحدٍ وضمانِ أنَّ افتراضِ نموذجِ السَّريرِ الثَّابتِ كانَ صحيحاً.
الانتقالات المتضمَّنة في نموذجِ استخراجِ القهوةِ (تمَّ إعادةُ إصدارِها من قِبَلِ ك. م. موروني وآخرونَ، 2015): حيث يبيّن الرّسم البيانيّ انتقالَ الماء والقهوة والموصوفة بنموذج استخراج القهوة والمقدّمة في المرجع أعلاه. حقوق الصّورة: كيفن م. موروني Kevin M. Moroney.
قَدَّمت ورقةُ البحثِ السّابقةِ للمؤلفينَ اشتقاقًا عن هذا النّموذَجِ العام، والّتي تأخذُ بعينِ الاعتبارِ أبعادَ سريرِ القهوةِ، ومعدَّلاتِ التَّدفُّقِ، وتوزيع حجمٍ مطحونِ القهوةِ، وانخفاضِ الضَّغطِ. وقد افترَضوا شروطاً متساويةَ الحرارةِ (درجةُ حرارةٍ ثابتةٍ)، لأنَّ ظروفَ التَّخَمُّرِ المثاليةَ تتطلَّبُ نطاقاً ضيَّقاً من درجاتِ الحرارةِ يتراوحُ بين 91-94 درجةٍ مئويَّةٍ. كما افترضوا أيضاً أن تبقى خواصُ سريرِ القهوةِ مُتجانِسةً عند أيِّ مقطعٍ عرضيٍّ، وأن تُشبِعَ المياهُ جميعَ المسامِ في سريرِ القهوةِ، ممَّا يُلغي الحاجةَ لنمذَجَةِ التَّدفُّقِ غيرِ المُشبع. حيث تقومُ مجموعةٌ من معادلاتِ الحفظِ على مقياسِ السَّريرِ بمُراقبَةِ انتقالِ القهوةِ والسّائلِ عبرَ سريرِ القهوةِ.
ويقومُ المؤلفونَ الآنَ بأخذِ النَّموذَجِ خطوَةً أبعدَ من ذلك. حيثُ يقول لي Lee: "الورقةُ البحثيَّةُ عن نَموذَجِ تَخميرِ القهوةِ والّتي تمَّ نشرُها في مجلةِ علومِ الهندَسةِ الكيميائيّةِ Chemical Engineering Science كانت رياضيات بشكلٍ كاملٍ. ولكنّي أودُّ أن أصِفَ ذلك كنموذجٍ يمكن للكمبيوتر فقط أن يحبَّه: وهو نظامٌ معقَّدٌ من المعادلاتِ التَّفاضليَّةِ الجُزئيَّةِ الثُّنائيَّةِ والّتي لا يمكنُ حلَّها إلّا بشكلٍ عدديٍّ"، ويضيفُ: "تُحلِّلُ هذه الورقةُ الجديدةُ ذلك النَّموذجَ لإنتاجِ نظامٍ محدودٍ من المعادلاتِ والّتي يمكن من أجلِها إيجادُ حلولٍ تحليليّةٍ تقريبيّةٍ".
ولأنّ تخميرَ القهوةِ ينطوي على الكثيرِ جِدّاً من المكونّاتِ، فيُصبحُ عندَها تبسيطُ النّموذّجِ ضروريّاً. يقول أوبراين O’Brien: "في نمذجةِ عمليّةٍ فيزيائيّةٍ معقَّدَةٍ كتخميرِ القهوةِ، إحدى المحاولاتِ هي في كتابةِ نظامِ معادلاتٍ يمكن من خلالِه تصويرَ جوهرِ العمليَّةِ"، ويضيفُ: "ولفعلِ ذلك، نقومُ أصلًا بالقيامِ ببعضِ التّبسيطاتِ الّتي تُهمِلُ بعضَ جوانبِ المُشكلةِ الحقيقيّةِ. فعلى سبيلِ المثالِ: تحتوي القهوةُ الحقيقيّةُ على عددٍ كبيرٍ من الموادِ الذَّائبةِ؛ فنقومُ بتبسيطِ نموذَجِنا من خلالِ الأخذِ بعينِ الاعتبارِ مثلَ حالةِ وجودِ مادةٍ مُفرَدَةٍ. وعندَها يستوعِبُ النَّموذَجُ الرِّياضيُّ قوانينَ الحِفْظِ (القوةُ الدَّافعةُ للكُتلَةِ)، والّتي لا يُمكنُ لها أن تُحَلَّ تماماً بصيغتِها الكاملةِ.
ومن ثُمَّ استخدَمَ المؤلفونَ نظريَّةَ اللّا أبعادِ، والّتي تقيسُ المتغيراتِ بالنِّسبةِ لجوهرِ الثَّوابتِ الأساسيّةِ لهذه المُشكلةِ، وذلك من أجل زيادةِ تبسيطِ نموذجِ الاستخراجِ. وهذه التّقنيّةُ تُقلِّلُ من عدد المُعاملات – والّتي تتضمَّنُ معدّلَ التّخميرِ، ووقتَ التّخميرِ، ونوعيّةَ المياهِ ودرجةَ الحرارةِ، وحجمَ الطَّحْنِ والتَّوزيعِ، وتوحيدَ الاستخراجِ – ولذلكَ فقد سمحَ هذا للمؤلفِينَ بتمييزِ مُعادلاتِ الحدودِ المُهيمِنَةِ قبلَ أن يبدؤوا البَحثَ عن الحلولِ بنشاطٍ. ويقولُ أوبراين: "إنَّ إهمالَ الحدودِ الصَّغيرةِ سمحَ لنا بإيجادِ الحلولِ التّقريبيّةِ".
تَميُّزُ هذه الحلولِ التّقريبيّةِ ساعدَ المؤلفِين على تحديدِ الاتجاهاتِ النَّمطيّةِ بسهولةٍ. حيث يقولُ موروني: "تتمُّ صياغةُ الحلولِ التّقريبيّةِ بناءً على العمليّاتِ المُهيمِنةِ في سريرِ القهوةِ خلالَ المراحلِ المختلفةِ من عمليّاتِ الاستخراجِ،" ويُضيفُ: "في البدايةِ، يتمُّ تحديدُ تركيزِ القهوةِ في السّريرِ من خلالِ التَّوازُنِ بين الاستخراجِ السّريعِ من أسطُحِ حبوبِ القهوةِ والمُعدَّلِ الّذي يتمُّ فيه استخلاصُ القهوةِ من سريرِ القهوةِ بواسطةِ ماءِ الاستخراجِ. وفي وقتٍ لاحقٍ من هذهِ العمليّةِ، يتمُّ التَّحكُّمُ بعمليةِ الاستخراجِ من خلالِ الانتشارِ البطيءِ للقهوةِ من نوى الحبوبِ الكبيرةِ، والّتي كانت مُهمَلَةً في البدايةِ." على الرّغمِ من الجداولِ الزَّمنيّةِ المذكورةِ أعلاه هي أقصرُ من ذلكَ بكثيرٍ في المطحونِ النَّاعمِ للقهوةِ منَ المطحونِ الخَشنِ، ولا يزالُ بإمكانِ المؤلفِينَ بناءُ حلولٍ تقريبيَّةٍ بسببِ الحجمِ الصّغيرِ لمعدَّلاتِ الجداولِ الزّمنيّةِ. ويقولُ موروني: "تكمُنُ قيمةُ الحلولِ في القُدرةِ على الرّبطِ بشكلٍ واضحٍ بينَ أداءِ نظامِ التَّخَمُّرِ مع خصائصِ القهوةِ والماءِ والأدواتِ المُسْتَخْدَمَةِ." فهذه الحلولُ تساعدُ على التّنبُّؤِ بجَودَةِ القهوةِ من أجلِ ترتيباتِ تخمُّرٍ مُحدَّدَةٍ.
موقع القهوة في السّرير: يتكون سرير القهوة من (خلايا حُبيبية) المسام والحبوب. وتتكوّن الحبوب من (خلايا حبيبية) المسام والمواد الصّلبة. التّخطيط يبيبن الانهيار لهذه القهوة في الحبوب (المسام الحبيبية غير مُمَثَّلة للتّوضيح) حقوق الصورة: كيفن م. موروني Kevin M. Moroney.
وفي النّهايةِ، ينوي المؤلفونَ تحليلَ نموذَجِهم للكَشْفِ على الرّياضياتِ المُتَضمَّنَةِ في تَخمُّرِ القهوةِ. حيثُ يقولُ مارا: "يَهدُفُ العملُ البحثيُّ في نهايةِ المطافِ إلى تحسينِ فهمِنا لعمليَّةِ التَّخميرِ وفَهمِ العلاقةِ بينَ مُعامِلاتِ عمليَّةِ التَّخميرِ وطَعم القهوةِ المُلاحَظِ.".
تتضمَّنُ الخطوةُ المُحتَمَلَةُ القادمةُ دَمْجَ تَغييرِ شكلِ سريرِ القهوةِ والّذي يحدُثُ بينما يتدفَّقُ الماءُ خلالَ حاملِ مُرَشِّحٍ مخروطيٍّ لآلةِ تصفيةٍ بالتَّنقيطِ. حيثُ يقولُ مارا Marra: "وهذا يُسبِّبُ كلاً من الاستخراجِ ومُعدّلِ التَّدفُّقِ خلالَ سريرِ القهوةِ ليُصبِحَ تابعاً للموقعِ،" وبحثَ المؤلِّفِينَ له القُدْرَةَ على الإلهامِ لمزيدٍ من النَّماذجِ على عمليّاتِ استخراجٍ مُختلفةٍ، تضمَنُ التَّدفُّقَ غيرَ المُشبِع ومُحاصَرَةَ جيوبِ الهواءِ في سريرِ القهوةِ، وذلكَ في سَعيهِ الدّائمِ لفُنجانِ قهوةٍ مثاليٍّ.
المصادر:
Asymptotic Analysis of the Dominant Mechanisms in the Coffee Extraction Process. SIAM Journal on Applied Mathematics، 76(6)، 2196-2217.