كتاب > روايات ومقالات
مراجعة رواية (ملائكة وشياطين): العلم والعقائد والأسرار
الأسئلة التي راح الإنسان يطرحها على نفسهِ دائماً، منذ بداية الكون ..
من أين أتينا؟
وممّ نحن مكونون؟
وما الذي نفعله هنا على هذه الأرض؟
وما هو معنى الحياة والكون؟
من سيجيبنا على هذه الأسئلة!؟..
لطالما اعتبرناها منسوبة للدين والروح، ولكن أيمكن أن يكون للعلم الدور الأكبر في فك رموزها؟!
لنسرد الحكاية من أولها..
كان يامكان في بداية الزمان، إنسان يلجأ إلى الروحانية والدين في محاولة منه لسدِّ الثغرات التي لم يتمكّن العلم من فهمها، فكانت الهزّات الأرضية والأمواج المتذبذبة مثلاً، تفسر بحسب المعتقدات القديمة على أنها ناجمة عن غضب الإله بوسيدون وهو إله البحر عند الإغريق.
ولكن مع تقدّم الوقت قام العلم بالإثبات أن هذه الآلهة ليست سوى أوثانٍ زائفة. وقام العلم بدوره ليجيب عن كل الاسئلة الخاطرة على بال الإنسان تقريباً. ولم يتبقى بالتالي سوى القليل منها، الأسئلة المتعلقة بالمسائل السريّة والخفيّة، كتلك التي ذكرناها سلفاً، ولكن.؟! لم تنته الحكاية بعد. فما زال في جعبة العلم المزيد.
ليوناردو فيترا، واحد من العلماء المختصين بمجال الفيزياء والجسيمات، العامل في مجمع سيرن الأوروبي -الممتد كيلومترات تحت الأرض باعتباره أضخم مسرع جسيمات صممه الإنسان- قد قام مؤخرا مع ابنته العالمة فيتوريا فيترا باكتشافات علميّةٍ مذهلة. حيث نجح بتجربةٍ لخلق مادّة هي الضد للمادة التي نراها أمامنا، أسماها المادة المضادة، ذات طاقة هائلة تفوق تلك التي تمتلكها الطاقة النووية، تَولدّت عن طريق تصادم الجزيئات بسرعات خيالية، هذا الاكتشاف من شأنه أن يكون محاكاة لنظرية البيغ بانغ، القاضية بوجود مصدر هائل للطاقة أوجَد الحياة.
عند الساعة الثالثة بعد منتصف الليل، وُجد عالمنا السيد ليوناردوا فيترا مقتولاً. موسوماً بوسمٍ غريبٍ على صدره، وسمُ Illuminati (الطبقة المستنيرة)، أوّل جمعية علمية وفكرية سرية في العالم، منذ أيام العالم الإيطالي الشهير غاليليو، كانت تضم العلماء المضهدين من قبل الكنيسة، فلطالما كان الدين يضطهد العلم، في ذلك الصراع التاريخي بين الكنيسة ورجال العلم. كان هناك هوة هائلة تفصل العلم عن الدين، وبالتالي كان العلماء في القرون الوسطى يُضطهدون ويُقمعون من قبلِ الكنيسة لكشفهم النقاب عن الحقائق العلمية التي تعتبرها هرطقات وخروجٌ غير مقبول عن تعاليم المسيح والكتاب المقدّس.
إذن لماذا بعد كلِّ هذا الوقت تعود الإليوميناتي للظهور؟ وتقتل عالماَ! أتنتهي حكاية الإليوميناتي عند هذا الحد؟
في نفس وقت اكتمال التجربة العلميّة في سيرن وفي الفاتيكان في روما، يموت البابا ويُدعى الكاردينالات من كافة أنحاء العالم لاختيار البابا الجديد للكنيسة الكاثوليكية.
تستمر الأحداث الغريبة ففي وقت يشهد فيه الفاتيكان أهم إجتماعاته والمتمثل بالخلوة الانتخابية لتعيين البابا، يُخطف أربعة من الكاردينالات النخبة، ذوي الحظوظ العليا ليكونوا خلفاً للبابا المتوفى حديثا من قِبلِ عدوٍّ يتوعّد مهدداً بتفجير الفاتيكان بالكامل.
مَن وراء قتل العالم وخطف الكاردينالات النخبة؟ والتهديد بتفجير الفاتيكان؟ أهما من فعل شخص واحد؟
وذلك كلّه خلال أقل من 6 ساعات وفي دائرة مكانيّة صغيرة هي الفاتيكان وكنائسها، من خلال وتيرة سريعة وأحداث مثيرة ومتلاحقة يتصادم فيها التاريخ مع الواقع والأساطير، نتنقل بين أشهر المواقع الدينية والتاريخية في روما، مكتبة الفاتيكان وأزقّته وممراته وسراديبه السرية، والكنائس القديمة في العاصمة الإيطالية بتماثيلها ومنحوتاتها. ف"دان براون" يمتاز بروعة تصويره الدقيقة لجميع الأماكن التي يمر بها أبطال روايته، فهو قادر على خلق مناخ تصويري في ذهن القارئ يجعله معايشاً للحقيقة.
في "ملائكة وشياطين" يصحبنا دان براون برفقة "روبرت لانغدون" عالم فك الرموز وتحليل الشفرات والعالمة "فيتوريا"، في رحلتهم للمساعدة في كشف طلاسم هذه الجريمة البشعة وذلك بسبب الرمز الموسوم على صدر الضحية، ينقلنا دان براون إلى قلب العد العكسي قبل الانهيار الكبير، في تلك الرحلة بين شخصيات تاريخية وعلماء ومنحوتات وتماثيل وأعمال فنية تضم ألغاز وأسرار ترجع إلى قرون خلت، قد تقود إذا ما أحسن لانغدون تفسيرها وتتبعها إلى إمساك القاتل والخاطفين وإنقاذ الفايتكان، فمصير الفاتيكان قد أصبح الآن مرتبطاً بقدرة لانغدون على حل الألغاز وقراءة الرموز الخفية، فمفتاحنا ومرشدنا هي تلك العبارة (دعوا الملائكة ترشدكم في ضآلتكم، إن درب التنور قد رسمت.).
الرواية تُجسّد الصراع الأزلي بين كل متضادَين، الصراع الأزلي والمواجهات بين الحق والضلال، الخير والشر، النور والظلمة، الليل والنهار، العدل والظلم، الجنة والنار. المواجهة بين الملائكة والشياطين. بين العلم والدين؟! ولكن أهما عدوان أم حليفان؟ فلسفتان متعارضتان أم متناسقتان؟ هل هما حكايتان لقصة واحدة توصلنا لحقيقة واحدة أم أنهما قصتان محتلفتان؟
هل سينتصر أي منهما على الآخر في النهاية؟ أم لسنا في صراع لنرى من المنتصر؟
إلى أن يُبتَّ في هذا الأمر، سنكون أكثر دقة ونقول أن الرواية تسرد المواجهة بين رجال العلم ورجال الدين، بين الطبقة المستنيرة والكنيسة بين مجمع سيرن والفاتيكان كما رسم لنا دان براون في مخيّلته العبقرية، من خلال فصول عدّة غنية بالمعلومات الدينية والتاريخية والأثرية والعلمية عن الذرات والطاقة والمادة، عن أخويات المتنورين ورجال الدين والمعماريين ورموزهم، مفعمة بالتشويق تزرع الشكوك في كل شخوص الرواية، لتُترك عاجزا عن إفلات الكتاب قبل معرفة ما سيحدث في النهاية، ومُتمنياً زيارة الفاتيكان، للإطلاع على كنائسها وعمرانها وفنونها وألغازها الغامضة والمكوث في مكتبتها الضخمة لسنوات عديدة.
وإلى أن يتحقّق ذلك وتقوم بزيارتها على أرض الواقع استمتع بالزيارة من خلال صفحات هذا الكتاب المذهل في رحلةٍ فريدةٍ من نوعها.
معلومات الكتاب:
اسم الكتاب: ملائكة وشياطين
الكاتب: دان براون
عدد الصفحات: 568
نشر للمرة الأولى عام 2000 ونشر باللغة العربية عام 2005 من قبل الدار العربية للعلوم