الاقتصاد والعلوم الإدارية > تسويق
وسائل التواصل الاجتماعي ومستقبل التجارة الاجتماعيّة
يدور الحديث مؤخراً حول استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للوصول إلى محادثات المستهلكين وردود أفعالهم حول تجاربهم في التسوّق، حيث تمتلك معظم الشركات سسلسلةً واحدة من هذه المحادثات عبر قنواتها الخاصّة. ولكن ماذا لو كان بإمكان أصحاب الأعمال الحصول على صورةٍ شاملة لكافة المحادثات التي تجري عبر وسائل التواصل الاجتماعي؟! ليس فقط تلك التي يجدونها على صفحة الفيسبوك الخاصة بهم، ولكن فلنقل، في كافة مواقع وسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك تلك التي يديرها المنافسون! جمع كافّة البيانات المتناثرة في الفضاء الافتراضي لشبكات التواصل الاجتماعي في منصةٍ واحدة سيضمن الحصول على أفكارٍ شاملة مُستمدّة من المحادثات الافتراضية، وبالتالي فإنّ حصول أصحاب الأعمال عليها سيُمثّل الحدث الأبرز في مجال التسويق. يناقش هذا المقال ضرورة الحصول على موافقة المستهلكين لنتمكّن من بناء منصاتٍ كهذه.
تنخرط الشركات الحالية في الواقع بشكلٍ محدود من أشكال التجارة الاجتماعية من خلال الجمع بين بياناتٍ من مصادر داخليّة والاستعانة بمصادر خارجيّة لتعزيز المبيعات وبناء العلامة التجاريّة. فتقوم شركةٌ ما، على سبيل المثال، بإنشاء صفحةٍ على موقع فيسبوك، وحساب على تويتر، ومدوّنة خاصة بها، وربما تلجأ إلى إطلاق قناة خاصةٍ بها على يوتيوب. عادةً ما تنطوي هذه الأساليب على استخدام تقنيّةٍ واحدةٍ أو أداةٍ (فيسبوك، يوتيوب، إلخ..) من ضمن فئات التجارة الاجتماعيّة* الأربع: شبكات التواصل الاجتماعي، وسائل الإعلام المتعددة، المدونات الصغرى، والمدونات. فالتجارة الاجتماعيّة تُعرّف على أنّها: مجموعة فرعية من التجارة الإلكترونيّة، تنطوي على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام على الإنترنت لدعم التفاعل الاجتماعي بالإضافة إلى مساهمات المستخدمين، لمساعدة وتسيير عمليات الشراء عبر الإنترنت وبيع المنتجات والخدمات.
للأسف، كل هذا يصبّ في خدمة مهمّة واحدة في عالم الأعمال ألا وهي المبيعات وبناء العلامة التجاريّة. ويُعتبر هذا مضيعةً لوسائل التواصل الاجتماعي بما تزخر به من بياناتٍ متنوّعة وذات طبيعةٍ قابلة للتكيّف. عادةً، وبحالاتٍ مثاليّة، ينبغي على أي نشاط تجاري استخدام كل الأدوات والوسائل المتوفرة لديه وجعلها في خدمة كل أعماله التجاريّة لغرض التواصل مع المزيد من العملاء والمستهلكين بشكلٍ أسرع من أيّ وقتٍ مضى. التواصل بشكلٍ صحيح مع المستهلكين عبر الإنترنت سيؤدي إلى خلق ولاء المستهلك وزيادة ثقته، الأمر الذي يمكن القيام به بتكلفةٍ أقل من أي وقتٍ مضى.
قامت بعض شركات الخدمات بالفعل بإعادة تشكيل نفسها لتقديم أفضل الخدمات للعملاء. فعلى سبيل المثال، قامت شركة Marketwire الكنديّة، وهي شركة لتوزيع البيانات الصحفيّة، بإعادة هيكلة نفسها ليصبح اسمها: Marketwired. وأصبحت الآن قادرة على تحليل بياناتٍ تعود لعامين ماضيين، والحصول على كافة معلومات قواعد بيانات وسائل التواصل الاجتماعي التي يمكن البحث عبرها، والتي تقوم بأرشفة الملايين من المحادثات الجديدة كل يوم. وهذا يمكن أن يزوّد العملاء بمعلوماتٍ مفيدةٍ مثل أفضل ساعة في اليوم لنشر التغريدات لمتابعيهم. مثالٌ آخر هو شركة Solutions Turnstyle ومقرّها في تورونتو، كندا، والتي تستخدم التقنيّات الحديثة لتتعرّف على الإشارات اللاسلكيّة التي تُبثّ باستمرار عن طريق الهاتف المحمول، ويتيح هذا لأصحاب الأعمال تحديد الموقع الحقيقي للعملاء. فمعرفة الأماكن التي يُمضي فيها العملاء أوقاتهم (متاجر التسوّق، النوادي الرياضيّة،…) يُعدّ أداةً تسويقيّةً فعّالة.
تعمل بعض المواقع مثل موقع eBay و Etsy و Amazon على تمكين عمليات بيع التي تجري بين مستهلك-مستهلك، حيث يتواصل الأشخاص في السوق المجتمعيّة مع بعضهم و يقومون بالبيع لبعضهم البعض. وهذه المواقع تشبه الإعلانات الشخصيّة في الصحف، فهي تقوم بجمع المشترين والباعة وتقف بعيداً بانتظار إتمام الصفقة. وإذا صعدنا درجةً على سلم التكنولوجيا، نجد تلك المواقع التي تعمل على تمكين المبيعات عبر شبكات التواصل الاجتماعي، حيث تجري المبيعات عن طريق توصيات شبكات التواصل الاجتماعي أو في بعض الحالات تحدث على هذه الشبكات نفسها. ومن الأمثلة على هذا النوع من المواقع نجد Facebook و Twitter و Pinterest. تعمل بعض المواقع مثل Groupon و LivingSocial على مبدأ الشراء الجماعي. فإذا وافق ما يكفي من المشترين على شراء منتجاتٍ وخدماتٍ من هذه المواقع يحصلون عليها بسعرٍ مخفض. وهذا أشبه ما يكون بتشارك سيارة، حيث تتشارك مجموعة من الناس لتخفيض التكلفة الفرديّة العالية.
وإذا ذهبنا أبعد من ذلك، نجد مواقع تقدم توصياتٍ للآخرين بشكلٍ حصري، حيث تقوم بتجميع مراجعات العملاء للمنتجات أو الخدمات. وفي بعض الحالات تقوم بإعطاء توصياتٍ لبعض المنتجات بناءً على ردود أفعال المشترين الآخرين و/أو تقوم بمنح الأفراد المكافآت لمشاركتهم معلومات تخصّ المنتجات وعمليّة الشراء مع الأصدقاء عبر شبكات التواصل الاجتماعي. ومن الأمثلة على هذا النوع نجد: Amazon، TripAdvisor. وأخيراً، نجد التجارب الافتراضيّة للتسوّق داخل المدينة، والتي توفّرها مواقع التسوّق الاجتماعيّة مثل Motilo ،Rent the Runaway. تحاول هذه المواقع محاكاة تجربة التسوّق مع الأصدقاء في المتاجر الفعليّة بتضمينها للدردشات والمنتديات لتبادل الصور وتقديم المشورة والآراء.
كما رأينا، هناك بئر عميقة من المعلومات المتاحة عن أذواق المستهلكين وسلوكياتهم. من خلال تجميع المحادثات الحاصلة عليها كل هذه المواقع، يمكن لأصحاب الأعمال والمسوقيّن قطع شوطٍ طويلٍ نحو فهم العملاء واحتياجاتهم ومصالحهم. إلّا أنّ النظر إلى قناة تواصل اجتماعيٍ وحيدةٍ معزولة يمكن أن يُشكّل خطورةً كبيرة، لأنّ النظر من خلال نطاقٍ ضيق من المعلومات المتعلقة بالمستهلك يمكن أن يؤدي إلى استنتاجاتٍ خاطئة. ولتمكين وسائل التواصل الاجتماعي من التطور لتصبح حقاً من أدوات التجارة الاجتماعيّة، علينا استخدام الإنترنت بطريقة جمعيّة. في العقد الماضي، بدأت العلامات التجاريّة الكبرى بتبنّي طرق تحليل البيانات، فعبر دراسة سلوكيات العملاء أصبح بإمكانهم معرفة ما إذا كانت شريحة من العملاء قد اشترت هذا المنتج أو ذاك، ومدى أرجحية شراء أي منتج آخر. ويمكن بناء نماذج بيانات مماثلة باستخدام محادثات وسائل التواصل الاجتماعي.
أحد الأساليب المتبعة لتحليل محادثات العملاء على وسائل التواصل الاجتماعي هو التالي: إذا أجرت شريحة من العملاء المحادثة "A" و "B" و "C"، فقد تكون مهتمّة بالمنتج "D"، وفي الوقت نفسه يمكن أن تكون مهتمّة بمنتجات/خدمات أخرى تقدمها العلامة التجاريّة "X"، أو يمكن أن تتابع أحد المشاهير الذين يُروّجون للعلامة التجاريّة "Y". حتى الآن، يكون تحليل البيانات والتسويق المُوجّه قد تناول فقط السلوك الشرائي، ولكن في هذا النموذج الجديد، يمكن أن تُشكّل المحادثات الافتراضيّة على وسائل التواصل الاجتماعي امتداداً لهذا السلوك. بل ويمكن أن يقدّم تحليل محادثات وسائل التواصل الاجتماعي طريقةً أكثر دقة لفهم نوايا المشترين وميولهم الشرائيّة، عن طريق الاستماع إلى العديد من المحادثات على العديد من المواقع و تجميعها ومحاولة فهمها. من الممكن النظر إلى العملاء بطريقةٍ أكثر شموليّة، وبالتالي تكون نتائج تحليل البيانات ذات فائدةٍ أكبر.
ازداد الجدل في السنوات الأخيرة حول حماية خصوصيّة المستخدمين على مواقع التواصل الاجتماعي، من المهم بالطبع التعامل مع قضايا الخصوصية بطريقة تسدّ احتياجات كلٍّ من المستهلك وأصحاب الأعمال. والوضع الراهن لمواقع مثل Facebook، Google، eBay وغيرها هو أنّ بيانات المستخدمين تتواجد بصيغ موزّعة. فتقوم هذه المواقع بجمع وإدارة واستخدام بيانات المستخدمين بطريقةٍ منظّمةٍ لتسهيل سير أعمالها. ومع ذلك، فهي تترك فرصةً ضئيلةً للمستخدمين للتحكّم في إدارة واستخدام البيانات الخاصّة بهم. وعادةً ما يكون لكل موقع سياسة خصوصيّةٍ مختلفة، الأمر الذي يعمل على مراكمة البيانات الحساسة دون داعٍ، ويجعل من الصعب بالنسبة للمستهلكين إدارة إعدادات الخصوصيّة أو توحيد كلمات المرور وأسماء المستخدمين الخاصة بهم، وهكذا لا يستطيع المستهلكون تدعيم التحقق من هويّتهم في العالم الافتراضي. من الطبيعي نوعاً ما اليوم أن تجمع الشركات وتستخدم وتكشف بيانات العملاء لأغراضها الخاصة محصّنةً ذاتها بسياسات الخصوصيّة الخاصّة بها. إلّا أنّه من المؤكد أن يثير التسويق القائم على وسائل التواصل الاجتماعي بهذا الشكل بعض الاعتراضات من جانب المستهلكين على الدوام.
ونتيجة لذلك، يجب أن يكون مستقبل التجارة الاجتماعيّة أكثر شفافيةً، مدعّماً بنظامٍ شاملٍ فعّال تتشارك فيه الشركات الاعتقاد بأحقيّة الأفراد بامتلاك القدرة على التحكّم ببياناتهم الخاصّة. فقد أصبح من الضروري تطوير تقنيّاتٍ تساعد في جمع وتخزين واستخدام ومشاركة وإدارة المعلومات الشخصيّة الخاصة بالمستهلكين بطريقة تمكّنهم من السيطرة عليها. علاوةً على ذلك، ينبغي لهذا النظام أن يعمل على تمكين الأفراد من العمل على مستوى نقطة تكامل البيانات، ويمكّنهم من جمع واستخدام المعلومات والكشف عنها لأغراضهم الخاصّة وفقاً لإعدادات الخصوصيّة الشخصيّة الخاصّة بهم.
وقد جرى وضع مجموعةٍ من المبادئ التي أصبحت معتمدةً حالياً من قِبل العديد من مسؤولي الخصوصيّة، ويُعتقد أنّها ضروريّة جداً لكسب ثقة المستخدمين في السوق الافتراضيّة. حيث تتضمن جعل إجراءات الخصوصيّة استباقيّة وليست عبارة عن مجرد ردود أفعال، وأن تعمل بشكلٍ كاملٍ فعّال، وأن تكون الخصوصية الكاملة أساسيّة في العالم الافتراضي، وشملت أيضاً وجوب توفير الأمان الكامل، وأن تتمتّع تدابير الخصوصية بالوضوح والشفافية، وأن تقوم بالتركيز على المستخدم، مع التشديد على احترام خصوصيّة المستخدم أولاً وقبل أيّ شيء.
اتباع إجراءات الخصوصيّة هذه والالتزام التّام بها سُيسهم في خلق نظامٍ شاملٍ متكامل يقدّم طيفاً واسعاً من الخدمات، مثل: خيارات الدفع عبر الإنترنت، طرقاً جديدة تتيح للمستهلك المشاركة والاتصال والبحث عن أيّ منتجٍ يحتاجه، بالإضافة إلى خدمات تحويل العملات وحصولهم على مكافآتٍ ماديّة لقاء ولائهم لعلاماتٍ تجاريّة معينة. في المقابل، يحصل أصحاب الأعمال والشركات على ميزة توحيد كل البيانات الناجمة عن محادثات المستخدمين في الواقع الافتراضي مجموعةً في منصةٍ واحدة لتعزيز جهود التسويق وتحسينها. التحكم من قبل المستهلك هو المفتاح لكافة إمكانات التجارة الاجتماعيّة، لأنّ قبول المستهلك سيُحدِّد في نهاية المطاف المستوى الذي يسمح به المستهلكون للمسوّقين بدخول حياتهم.
المصدر
Hear، T، A،. (2014): Manufacturing Consumer Consent: The Future of Social Commerce. Ivey Business Journal. May/ June. Retrieved from: هنا