الرياضيات > الرياضيات
نظريّة Futurma: نظريّة واقعيّة تحلُّ معضلةً خياليّة.
إنّ النّظريّة الّتي تُدعى "The Futurama Theorem" هي نظريّةٌ رياضيّةٌ ذاتُ صلةٍ بالحياةِ الواقعيّةِ، جاءَ بها كاتبُ مسلسلِ Futurama وهو "كين كيلر" الحاصل على الدّكتوراه في الرّياضيات التّطبيقيّة من جامعة هارفرد. وقد اخترَعَها فقط من أجلِ إحدى حلقاتِ المسلسلِ في الموسمِ السّادس، لتكونَ بذلك أوّلُ نظريّةٍ صُنِعَت خصّيصاً لأغراضٍ ترفيهيّةٍ في مسلسلٍ تلفزيونيٍّ، كما أشارَ "كيلر" إلى أنَّها تهدفُ إلى نشرِ الرّياضياتِ أكثرَ بين اليافعين.
تتطوّرُ الرّياضياتُ في المسلسلِ كجزءٍ أساسيٍّ منُه، ففي إحدى الحلقاتِ صَنَعَ "البروفيسور فارنزورث" وَ "إيمي" (إحدى شخصيّات المسلسل) آلةً لتبُادلِ العقولِ، يمكنُها أن تبدِّلَ بين عقلَي أيِّ كائنَين. وبعد نقاشٍ لم يستمر طويلاً، قرَّرَ الاثنانِ أنَّه سيكونُ رائعاً لو أنَّهما تبادلا دماغيهِما.
وكما قد تتوقّعون، بعد فترةٍ قصيرةٍ أرادا أن يعودا لوضعِهِما الأصليِّ، ولكن للأسف وبسببِ استجابةِ الدّماغِ المناعيّةِ الطبيعيّةِ، اكتشفوا أنَّه حينما يتبادلُ شخصانِ دماغَيهِما لايستطيعان أن يعكسا التّبادلَ ليعودا لوضعِهِما الأصليِّ. وهذا يجعلُ السَّؤالَ التَّالي يتبادَرُ إلى أذهانِنا: إذا تبادلَ شخصان دماغَيهِما فهل يمكنهما العودةَ لجسميهما الأصليَّين باستخدام شخصٍ ثالثٍ؟ يقوم هنا "بيندر" (أحد شخصيّات المسلسل) بتبادُل دماغِه مع "إيمي" لأسبابٍ ليست مهمةً هنا، بعد ذلك يدورُ النِّقاشُ التَّالي بين "البروفيسور فارنزورث" وَ"إيمي":
البروفيسور فارنزورث ( في جسد بيندر) : الآن يا إيمي سنعودُ إلى أجسامِنا، ولكن.. لا، سأعودُ أنا فقط لجسمي، وستكونينَ أنتِ وبيندر قد تبادلتُما، سيجعلُكُما هذا غيرَ قادرَين على أن تعودا لجسمَيكما لأنَّكُما سَبَقَ وتبادلتُما أدمغَتِكُما مرةً.
إيمي ( في جسد البروفيسور) : آه لا! هل مَن المُمكنِ أن نجعلَ الجميعَ يعودونَ إلى أ وضاعهم الأصليَّةِ باستخدامِ أربعةِ أشخاصٍ أو أكثرَ؟
البروفيسور: لستُ متأكِّداً، أخشى أنَّهُ علينا أن نستخدمَ ... الرّياضيات!
خلالَ ما تبقّى من الحلقةِ، يحدثُ تبادُلُ أدْمِغةٍ بينَ العديدِ منَ الشَّخصيَّاتِ. فتتبادَلُ "إيمي" (الّتي امتلكت دماغ البروفيسور) معَ "ليلا"، ويتبادلُ "فراي" مع "الدّكتور زويدبرغ"، أمّا "نيكولاي" فيتبادل مع دلو، وهكذا دَواليك. وحينما تشارفُ الحلقةُ على الانتهاءِ يكون عددٌ كبيرٌ من التّبادُلاتِ قد حصلَ بحيثُ يَصْعُبُ تتبُّعَهُ. ولكن في النّهايةِ يكتشفُ "كلايد ديكسون" أنَّه بإضافةِ شخصَين جديدَين فقط إلى لعبةِ تبادُلِ الأدمغةِ هذه، يُمكنُ للجميعِ أن يعودوا لوضعِهِم الأصليِّ. ويتمُّ عرضُ البرهانِ في الحلقةِ باختصارٍ، ولكننا هنا سنعرضه كاملاً لكلِّ المُهتَمِّين.
سيلاحظ ُالقارئُ إن كان يملكُ خلفيَّةً رياضيّةً بعض الشّيءِ أنَّ هذه اللُّعبةَ تتعلقُ بالمجموعاتِ المُتناظرةِ ذات n عنصر. لتكن π حلقةٌ مؤلّفةٌ من k حلقةٍ فرعيّةٍ، أي لنفترضَ أنّ k شخصاً قد تبادلوا أدمِغَتَهم. فلَنُقل أنَّ دماغَ الشَّخصِ الأوَّلِ أصبح في جسدِ الشَّخصِ الثَّاني، ودماغَ الشَّخصِ الثَّاني أصبحَ في جَسَدِ الشَّخصِ الثَّالِث... وهكذا، فيكونُ دماغُ الشَّخصِ الأخيرِ (الشّخص رقم k) موجوداً في جَسَدِ الشَّخصِ الأوَّلِ.
π = 1 2 ... k k+1 ... n
2 3 ... 1 k+1 ... n
بإضافة شخصين x و y إلى المجموعة:
π* = 1 2 ... k k+1 ... n x y
2 3 ... 1 k+1 ... n x y
الآن نُعيدُ الجميعَ إلى طبيعتِهم بتطبيقِ مجموعةِ التَّبديلاتِ التَّالية، حيث تُشيرُ إلى أنّ جَسَدَي الشَّخصَين a وَ b قد تبادَلا أدَمِغَتِهِما، ومن أجل أيّة قيمةٍ لـ i بين الـ 1 وَk:
σ = (
لاحِظوا أنَّ كلَّ عنصرٍ منَ الجموعةِ قد قامَ بالتّبادُلِ مع x أو y، إذاً جميعُهُم مختلفون عن التّبديلات الّتي شكَّلَتِ المجموعةَ π، بعدَ ذلكَ نجدُ أنَّ جميعَ الأدمغةِ قد عادت إلى أجسادِها الأصليَّةِ ما عدا x وَ y، فقد انتهى الأمرُ بدماغِ x في جَسَدِ y وَدِماغِ y في جَسَدِ x.
وبما أنَّنا لم نُطبِّق التّحويل
π* σ = 1 2 ... n x y
1 2 ... n y x
إن بدت العمليَّةُ السَّابقةُ مُربِكةً بعضَ الشَّيءِ، سنعودُ لِطَرحِها بمثالٍ معَ الصُّوَرِ. فلنفترض أنَّ "إيمي" وَ "البروفيسور فارنزورث" علموا بهذا البرهان منذ بدايةِ الحلقةِ، أي أنَّهما يعلمان بإمكانيّةِ عودتهما لطبيعتهما بإضافةِ شخصَينِ للمجموعةِ. دعونا نضيف "ليلا" وَ "هيرمس" (اثنين من شخصيّاتِ المسلسل) على أنَّهُما اللّاعبانِ الإضافيّان.
كما تنصُّ النَّظريَّةُأنَّه وحتّى يعودَ الجميعُ لطبيعتِهِ يجبُ أن تتبادَلَ "إيمي" مع "ليلا" (لا يهمُّ هنا أن نبدأ بإيمي أو البروفيسور، و ليلا أو هيرمس). تذكَّروا أنَّ عقلَ "البروفيسور فارنزورث" موجودٌ في جسدِ "إيمي"، وبالتَّالي بعدَ هذهِ العمليَّةِ أصبحَ في جسدِ "ليلا"، بينما عقلُ "ليلا" أصبح في جسدِ "إيمي":
بعدَ ذلكَ، سيتبادلُ الأدمغةَ كلٌ من جَسَدَي "البروفيسور فارنزورث" وَ "هيرمس". وهذا يُعطينا مايلي:
الآن نُبَدِّلُ أدمِغَتَي جَسَدَي "ليلا" وَ "البروفيسور فارنزورث". لاحظوا أنَّه بعد هذا التَّبديلِ قد عاد جَسَدُ البروفيسور ودماغُه إلى طبيعَتِهِما:
أما "إيمي" فتعودُ إلى طبيعَتِها بالتّبديلِ بينَ جَسَدَي "إيمي" وَ "هيرمس":
بَقيَ لدينا الآنَ دماغُ "ليلا" محتجزاً في جَسَدِ "هيرمس"، وَدماغُ "هيرمس" محتجزاً في جَسَدِ "ليلا". لكن بما أنَّ الاثنين لم يقوما بالتَّبديلِ فيما بيَنهما سابقاً خلال العمليّةِ، يُمكننا أن نجعلَهُما يتبادلانِ وبذلك يعودُ الكلُّ إلى طبيعتِه مرةً أُخرى!
هذا يُظهِرُ لنا أنَّه بإمكانِ الجميعِ أن يعودَ إلى طبيعتِه بعد القيامِ بـ 5 تبديلاتٍ، كما أنَّ كلَّ شخصٍ قد بدَّلَ دماغَهُ 3 مرات فقط. أمَّا في المسلسلِ فكان عددُ الشَّخصيّاتِ أكبرَ وبالتَّالي احتاجَ الأمرُ إلى 13 تبديلةً ليعودَ الجميعُ لِمَا كانوا عليه. إن لم تكونوا قد شاهدتم هذه الحلقة، ننصحكُم بمتابعتِها الآنَ بعد أن أصبحتُم تعرِفونَ هذه النَّظريَّة وطريقةَ بُرهانِها.
كما رأينا لم يتردّد طاقم كُتَّابِ مسلسلِ Futurama في استخدامِ بعضِ الرّياضيّاتِ المتقدمةِ في المسلسل كما أنَّهم استلهَموا هذه النَّظريَّةَ الجديدةَ من حَبكَةِ الحلقةِ، وهذا مثالٌ على أنَّ التَّفكيرَ النَّقديَّ يمكنُهُ أن يقودَنا إلى حلولٍ لمختَلَفِ المشاكِلِ الّتي تواجهنا في الحياةِ العمليَّةِ. والآن ليس علينا أن نقلقَ بشأنِ تبادُلِ الأدمغَةِ، فإن تمَّ اختراعُ تلكَ الآلةِ يوماً ما في المستقبلِ، سنكونُ قادرِينَ بفضلِ هذه النَّظريَّةِ على استخدامها بأمانٍ.
المصادر: