المعلوماتية > الذكاء الصنعي
المنطق الرياضي في الذكاء الصنعي
المنطق الرّياضيّ:
يُشكّل علم المنطق الرّياضيّ جزءاً هاماً تقوم عليه العديد من أنظمة الذّكاء الصُّنعيّ وغيرها من العلوم الرّياضيّة. يمتلك كلّ نظامٍ مبنيٍّ قاعدةً مُعرَّفَةً يستند إليها ليُقرّرَ ما هو التّصرف المناسب تجاه المعطيات الّتي حصل عليها.
قواعد المعرفة هذه ما هي إلا عباراتٍ يتمُّ التّعبير عنها تبعاً لقواعد اللّغة المُعتَمَدة. ويتمُّ تحديد ما إذا كانت هذه العبارات مُصاغةً بشكلٍ جيّدٍ تبعاً لناحيتين هامَّتَين:
أولاً: يجب التّأكد أنّ هذه العبارة تتبع قواعد اللّغة الكتابيّة : مثلاً عبارة x+y=4 هي عبارةٌ مُصاغَةٌ بشكلٍ جيّدٍ، لكنّ عبارة x4z+= ليست كذلك.
ثانياً: يجب التّأكد أنّ معنى الجملة صحيح في العالم الممكن لهذه العبارة: مثلاً عبارة x+y=4 صحيحة في عالمٍ يكون فيه x=2 وَ y=2 لكنّها تصبح خاطئةً في عالم يكون فيه x=1 وَ y=1. بشكلٍ أدّق نستعمل كلمة "نموذج" بدلاً من كلمة "عالم". سوف نتحدث عن مجالَين في المنطق وهما المنطق الاقتراحيّ ومنطق الرُّتبة الأولى.
المنطِق الاقتراحيّ أو المنطِق العباريّ:
المنطِق الاقتراحيّ هو منطِقٌ سهلٌ وفعّالٌ يُستَخدَمُ لجَمْعِ الجُمَلِ أو الاقتراحاتِ أو البياناتِ لبناءِ جُمَلٍ أو اقتراحاتٍ أو بياناتٍ أكثَرَ تعقيداً.
بناء الجملة syntax، المعاني والدلالات semantics:
يُحدِّدُ بناء الجملة syntax في المنطِق الاقتراحيّ ما هي الجُمَلُ المسموحةُ، و تُحدِّدُ المعاني والدّلالات semantics القواعدَ الّتي تُحَدِّدُ ما إذا كانت الجُمَلُ صحيحةً أو خاطِئةً في نموذجٍ مُعيّنٍ. تتكون أصغَرُ جُملةٍ ممكنةٍ من رمزٍ واحدٍ قد يكون صحيحاً True أو خاطئاً False . ثمَّ يّتُمُّ تشكيلُ جُمَلٍ أكثرَ تعقيداً من هذه الجُمَلِ البسيطةِ عبر ربطِ الجُمَلِ ببعضِها بعباراتِ الوصل المنطقيّة الّتي تَشمَل:
* النَّفي ~ : فإذا كان لدينا الرّمز المنطقيّ p فإنّ p~ يدعى بنفي p. فإن كان p صحيحاً سيُصبحُ نفيه خاطئاً والعكس صحيحٌ.
* الوصل المنطقيّ ^ : فإذا كان لدينا الرّمزان المنطقيّان p،q فإنّ العبارة p^q ستدلُّ على الوصل المنطقيّ لـِ p وَ q و الّذي يكون صحيحاً إذا كان كلاً من p وَ q صحيحين وخاطئاً فيما عدا ذلك.
مثال: يُشتَرَطُ لنجاحِ الطّالب في مساقٍ جامعيٍّ معيّنٍ أن يقومَ بإنجازِ مشروعٍ عمليٍّ ما وأن ينجحَ في الامتحان النّهائيّ. فإذا قمنا بتمثيل حقيقة إنجاز المشروع العمليِّ بالرّمز المنطقيّ p وحقيقةُ النّجاحِ في الامتحانِ بالرّمزِ المنطقيّ q وبهذا فإنّ نجاح الطّالب في المساق يتطلّب أن يكون كلاً من p وَ q صحيحان، و إذا كان أيٌّ منهما خاطئاً أي إن قام بإنجاز المشروع و لم ينجح في الامتحان النّهائيّ أو العكس فلن ينجح في المساق. إذاً يمكن تمثيلُ النّجاح في المساق الجامعيّ بعبارة p^q.
* الفصل المنطقيّ v : فإذا كان لدينا الرّمزان المنطقيّان p،q فإنّ العبارة p v q ستدلُّ على الفصل المنطقيّ لـِ p وَ q و الّذي يكون خاطئاً إذا كان كلاً من p وَ q خاطئيَن، وصحيحاً فيما عدا ذلك.
مثال: يُشترط لنجاحِ الطّالب في مساقٍ جامعيٍّ معيّنٍ أن ينجحَ في الامتحان النّهائيّ الأوّل أو الامتحان الثّاني التّعويضيّ له. فإذا قُمنا بتمثيلِ حقيقةِ النّجاحِ في الامتحان النّهائيّ الأوّل بالرّمز المنطقيّ p وحقيقةِ النّجاحِ في الامتحان التّعويضيّ الثّاني بالرّمز المنطقيّ q فإنّ نجاح الطّالب في المساق يتطلّب أن يكون أيّاً من p وَ q صحيحاً، ولا يُشتَرَطُ أن ينجحَ في الامتحانين. ولن يفشلَ الطّالبُ في المساق إلّا إن فشلَ في اجتيازِ كلٍّ من الامتحانَينِ ولم ينجح في أيٍّ منهُما. إذاً يمكن تمثيلُ النّجاحِ في المساق الجامعيّ بعبارة p v q.
* الاقتضاء → : تتألّف عبارة الاقتضاء الرّياضيّ من الفرضيّة والنّتيجة المُتَرتِّبَة عليها. فإن كان لدينا الرّمزين المنطقيّين p و q فإنّ العبارة p→ q ستدلُّ على أنّ p تقتضي q، هذا الاقتضاء يكون خاطئاً فقط إن كانت p صحيحة وq خاطئة وصحيحاً فيما عدا ذلك.
مثال: إن كانت p تُمثّلُ طريقةً لحلّ مسألةٍ رياضيّةٍ معيّنةٍ، و q تُمثّلُ الجواب لهذه المسألة. فإن كانت الطّريقة صحيحة سنصل لحلٍّ صحيحٍ، هذا اقتضاءٌ سليمٌ.
وإن كانت الطّريقةُ خاطئةً لن نصل لحلٍّ صحيحٍ، هذا اقتضاءٌ سليمٌ كذلك. قد نصلُ إلى الحلِّ الصّحيح بالصُّدفةِ بالرَّغمِ من كّونِ الطّريقة خاطئة، لكن لا يمكن أن نستعملَ طريقةً صحيحةً ونصلَ إلى حلٍ خاطئٍ.
هذا بالتّفصيل معنى الاقتضاء وقيَمِه، لا يكون الاقتضاءُ خاطئاً إلا إذا كانت الفرضيّةُ صحيحةً والنّتيجةُ خاطئةً.
* التّكافؤ الرّياضيّ ↔ : إذا وفقط إذا، العبارةُ ثنائيّةُ الشّرطِ هي العبارةُ الّتي تتحقّقُ إذا ما تحقّقَ الاقتضاءان الموجودان فيها. فإن كان لدينا الرّمزان المنطقيّان p وَ q فإنّ العبارة p ↔ q تتحقّق إذا تحقّق كلٌ من p→ q وَ q → p حسب تعريفِ الاقتضاءِ السّابق.
يمكنُ التّعبيرُ عن هذه القواعدِ في ما يسمى بجدولِ الحقيقةِ الّذي يُحدِّدُ القيمةَ الحقيقيّةَ لجملةٍ مُعقَّدةٍ من أجل كل قيمةٍ مُمكِنةٍ لكلٍّ من مكوناتِه. يُمثّل الشّكل التّالي جدولَ الحقيقةِ للقواعدِ الخمسةِ الّتي ذكرناها:
الاستدلال في المنطق الاقتراحيّ:
ذكرنا في الفقرةِ الماضيةِ عباراتٍ منطقيّةً بسيطةً. ماذا لو أردنا إثباتَ عبارةٍ منطقيّةٍ مُعقّدةٍ ؟ يمكنُ الوصولُ للإثباتِ عبر التّدرُّجِ بين العباراتِ باستخدام المُكافئاتِ المنطقيّةِ المعياريّةِ والّتي تُمَكِنّنا من الانتقالِ من عبارةٍ منطقيّةٍ إلى أخرى مكافئةٍ لها و هكذا إلى أن نصِلَ إلى العبارةِ المطلوبِ إثباتها.
يشمل الجدول التّالي المُكافِئات المنطقيّة المِعياريّة:
مَنْطِق الرُّتبة الأولى:
يبدو المنطِقُ الاقتراحيّ سهلاً وغنيّاً، لكنَّه للأسف غيرُ قادرٍ على تمثيلِ المعرفةِ في البيئاتِ المُعقّدةِ بشكلٍ مختَصَرٍ لأنّه يَعتَبِر كلَّ ما في العالمِ حقائق فقط. لذلك نلجأ أحياناً إلى منطقِ الرُّتبة الأولى First Order Logic) FOL) الّذي يُشبهُ اللُّغاتِ الطّبيعيّةِ فهو يستندُ إلى كلٍّ من الأشياءِ والعلاقات أو الخصائص والتوابع. على سبيلِ المثال: واحد زائد اثنان يساوي ثلاثة.
هنا كلٌّ من : "واحد" وَ"اثنان" وَ"ثلاثة" هي أشياء، "زائد" هي تابعٌ أي عمليّةٌ تجري على شيءٍ معيّنٍ لتُنتِجَ شيئاً آخر، "يساوي" هي علاقة.
بناء الجملة syntax، المعاني والدّلالات semantics:
يتمُّ بناءُ الجمل في منطق الرُّتبةِ الأولى انطلاقاً من العناصرِ التّالية:
- الثّوابت: الملك، عادل، السّيف ..
- المسنَدات: أكبرُ من، أخ، صديق ..
- التّوابع: الجذر التّربيعيّ لـ ... ، الرِّجل اليسرى لـ...
- المُتغيّرات: x،z،a،b ...
- الواصِلات: ^ ، V ، ↔ ..
- المساواة: =
- مُحدِّدات الكميّة: ∀ (والّتي تعني أيّ عنصر)، ∃ (والّتي تعني يوجد عنصر)
وهكذا تتركَّبُ أبسطُ جملةٍ من تطبيقِ المسنَدات على مصطلحات معيّنةٍ:
- مسند (مُصطَلح 1، مُصطَلح 2 .....) أو من تَسَاوي مُصطَلَحَين بحيث يتكوّن كلُّ مُصطَلَحٍ من تطبيقِ تابعٍ على مُصطَلحٍ آخر، أو من ثابتٍ أو مُتَغيّرٍ.
مثال: أخ (مراد، جميل) ← (اسم العائلة (مراد) ، اسم العائلة (جميل))
أي أنّ وجودَ علاقةِ أخوّةٍ بينَ مرادٍ و جميلٍ يقتضي أن يكونَ اسمُ العائلةِ لكليهما مُتشابِهاً.
كمثالٍ آخرَ لاستخدامِ مُحدِّدات الكميّة نأخذُ العبارةَ التالية:
ومعناها: من أجل كل متغيرين س وَ ص، إن كانت أمُّ ص هي س، فهذا يكافئ أن تكون س أنثى، و أن تكون س هي والدة ص.
وهكذا يمكن لمنطِقِ الرُّتبة الأولى أن يُعبِّرَ عن العالمِ الواقعيِّ بشكلٍ أفضلَ وأوسعَ من المنطِقِ الاقتراحيِّ بفضلِ تمثيله للعالم بكلٍّ مِنَ الكائناتِ، خصائصها والتّوابع الّتي يمكن تطبيقها عليها.
كانت هذه جولةٌ مُقتضَبَةٌ في عالَمِ المنطِقِ الواسِعِ الّذي يتضمّنُ العديدَ من العناوينِ الّتي لا يكفيها مقالٌ واحدٌ وسنتابِعُ في مقالاتِنا القادِمةِ الغوصَ في عالَمِ الذّكاءِ الصُّنعيِّ.
المصادر:
Artificial Intelligence، a modern approach. Third Edition، Peter Norvig and Stuart J. Russell، 2010
هنا ، Kevin C. Klement، University of Massachusetts، Amherst، USA