الغذاء والتغذية > منوعات غذائية
الذّهب القابل للأكل.. بين الرفاهية والحساسية!
عند الحديث عن المجوهرات والثروة يكون الذهب ضيفَ الشرفِ الأول والمعدنَ الأشهر، ولكنّ استخداماتِه لا تقتصر على الزينةِ، فللذهبِ استخداماتٌ كثيرةٌ أخرى، إذ أن مواصفاته الفيزيائيةُ والكيميائيةُ تجعلُ منه عنصراً هاماً في العديد من الصناعات، فبالإضافة لكونِهِ المعدنَ الرئيسيّ في صناعةِ الحليّ والعُملات الذهبية، يدخل أيضاً في صناعةِ الإلكترونيات والكمبيوترات بصفتِه ناقلاً ممتازاً لا يتأثّرُ بالعوامل الخارجية كالصدأ وغيره، كما يدخلُ في صناعة مكوكاتِ الفضاء وفي صناعةِ الجسورِ والتيجان بمجالِ طبّ الأسنانِ إضافةً إلى استخداماتٍ صحيةٍ أخرى، كصناعةِ الأدوية المستخدمةِ في علاجِ الالتهاباتِ الروماتيزيميّةِ، وتطبيقِ الذهب المشعّ في علاج السرطانات. ولكن إن كان كان استخدام الذهب في الأدوية غريباً بعض الشيء، فما رأيك باستخدامه كطعام؟؟!!
من المؤكد أن هذا أمرٌ غير مألوف بتاتاً، ولكنّ الذهب يدخل بالفعلِ في تصنيعِ بعض الأغذيةِ كمضافٍ غذائيّ يحمل الرمز E175، ويُصنعُ هذا المضاف الغذائيّ من معدنِ الذهب الطبيعيّ وقد تمّت المصادقةُ على استخدامِهِ من قبلِ الاتحاد الأوروبيّ كملونٍ غذائيّ مستخدمٍ لتغطيةِ سطوحِ الطعامِ، وخاصةً الحلويات والشوكولا.
يعود تاريخُ استخدامِ الذهب كمضافٍ غذائيٍ إلى العام 1975 حين تم تقييمُهُ من قِبل اللجنة العلمية للغذاء SCF، إلّا أن نقصَ الأدلةِ المتعلّقةِ باستخداماتِه وآثارِها المحتملةِ دفعَ بلجنة الخبراء المشتركة بين FAO/WHO والمعنِيّة بالمضافات الغذائية JECFA إلى إعادةِ تقييمِهِ من جديد، علماً أن أيّاً من الجهتين التشريعيّتين لم تحدّد المدخول اليومي المقبول للذهب Acceptable Daily Intake (ADI)، وبمعنى آخر، لم يتم تحديد جرعة قصوى لتناولِهِ مع الغذاء، وهو أمرٌ شائعٌ في المضافات ذاتِ المصادرِ الطبيعية والتي يسمحُ باستخدامِها دون تحديدٍ للكميات.
بشكلٍ عام، يتمّ تأكيدُ سلامةِ المضافات الغذائية وتحديدُ الجرعاتِ المسموحة منها عبرَ سلسلةٍ طويلةٍ من الاختباراتِ، إلّا أن عدمَ تحديدِ جرعةٍ يوميةٍ مقبولة ADI للذهب لم يأتِ نتيجةَ اتّباعِ المسارِ المعتاد وإجراء الدراساتِ المعتادةِ، فقد وضّحت عدّةُ لجانٍ تشريعيةٍ مختلفةٍ – آخرُها الهيئة الأوروبية لسلامة الأغذية EFSA – استحالةَ إجراءِ تقييمٍ حقيقيّ لمخاطرِ الذهب نظراً لمحدوديّةِ البيانات المتوافرةِ حول امتصاصِه، وتوزّعِهِ، وتمثيلِهِ الغذائي، وآليةِ إطراحِهِ من الجسم، وبذلك خرجَ التقريرُ النهائيّ للهيئة الأوروبية، بعد مراجعتِها للأدلةِ المتوفرة، بالموافقةِ على استخدامِ الذهب كمادةٍ مضافةٍ للأغذية نظراً لمحدوديّةِ هذه الأدلةِ. وعلى أيةِ حال، فإن عنصرَ الذهب يعدُّ من أشهرِ العناصرِ الكيميائيةِ الخاملة وذاتِ الذوبانيّةِ الضعيفة، وهو ما ساعدَ في استبعادِهِ كمصدرِ للخطر. مع ذلك، فقد أوصَت الهيئةُ بإدراجِ كلٍّ من متوسطَ حجمِ الجسيماتِ، وتوزيع حجم الجسيمات (± SD)، والنسبة المئوية للجزيئات النانوية إلى مواصفاتِ المضافِ الغذائيّ رقم E175.
إن الكلامَ المذكورَ سابقاً لا يعني أن الذهب لا يمتلك بعضَ النواحي السلبيةِ هنا أو هناك، فذلك أمرٌ مستبعدٌ وغيرُ ممكن. فما هي المخاطرُ المحتملةُ والتي تتعلق باستخدامِ أو تناولِ الذهب؟
أولُ هذه المخاطرِ هو التسمم بالمعادن الثقيلة Heavy metal poisoning أو ما يُعرفُ بشكلٍ أدق بسُميّةِ المعادن Metal toxicity، وفيهُ تكونُ بعض المعادنِ سامّةً بصيغٍ محددةٍ – كالأشكال القابلةِ للذوبان – في حين تكون آمنةً في أشكالٍ أخرى. كما يمكنُ أن تحدثَ السميّةُ نتيجةَ تناولِ جرعاتٍ كبيرة من عنصرٍ معدنيّ ما، كما يُلاحظُ في بعضِ العناصرِ المعدنية الضروريةِ للعمليات الحيوية في الجسم – كالحديد مثلاً – الذي يُشكّلُ في حالِ زيادتِهِ خطراً على الصحة.
يعدّ الذهب في صيغتِه المعدنية مركّباً غيرَ سامٍ للجسم، فهو خاملٌ كيميائياً ويتمتّعُ بثباتيةٍ كبيرة، ولا يمكنُ للعملياتِ الطبيعية في الجسم أن تفكّكَهُ أو تهضُمهُ. أما أملاحُ الذهب Gold salts ومعقّداتُهُ فقد بدأت تُظهرُ عدداً من الاعراض الجانبيةِ بعد أن شاعَ استخدامُها في العلاجات الطبية Aurotherapy، إذ يبدو أن هذه المركّبات قادرةٌ – بعكس الشكل المعدني للعنصر – على تحرير شوارد الذهب التي يمكن أن تنتقلَ في الجسم وتسبب تلفَ الكبدِ والكلى.
كما يرتبطُ الاستخدامُ المطوّلُ للذهب في علاجِ بعضِ الأمرض – كالروماتيزم – بظاهرةِ تغيّرِ لون الجلد المعروف بالتذهُّب Chrysiasis، حيث يتحول لون الجلد إلى البنفسجيّ ابتداءً من المنطقةِ تحت العينين وصولاً إلى باقي أجزاء البشرة المعرّضةِ للشمس. وما زالَ السبب الفعليّ لهذا التلون مجهولاً حتى اليوم، ولكنّه مرتبطٌ بتراكُم الذهب في الأدمة دون التسبّب بأي التهاباتٍ موضعيّة.
يسبّب الذهب أيضاً حساسيةً لدى بعض الأشخاص، تظهرُ على شكلِ طفحٍ جلديّ عند ارتداء الذهب والمجوهرات، إلّا أنها تعدّ نادرةً نسبياً مقارنةً بالحساسيةِ تجاه غيرِهِ من العناصر كالنيكل. كما لوحظَ عندَ استبدالِ الأسنانِ الصناعية المصنوعةِ من الذهب تراجعٌ في أعراض الحزّازِ المسطّح الفمويّ Oral lichen planus (OLP)، وبدرجةٍ أقل في أعراضِ متلازمةِ الفمِ الحَرِق Burning mouth syndrome، كما شُفي كلّ من التهاب الفم Stomatitis والتهاب الجلد Dermatitis بشكل كامل عند التخلص من الأسنان المصنوعة من الذهب.
ويلاحظُ خلال الفترة الماضية تراجعٌ كبيرٌ في نسبةِ استخدامِ الذهب كعلاجٍ للأمراض فضلاً عن الابتعادِ عن تطبيقاتِه في التعويضات السنيّة، ويمكننا القولُ أن استخدامَه ينحصرُ تقريباً في العصر الحديث لأغراض الزينة والالكترونيات مضافاً إليها حديثاً أغراضِ تزيين الطعام، فإمّا أن يكون الذهبُ المستخدم غذائياً بشكل مسحوقٍ يرش على الطعام:
أو كبخاخٍ قابل للأكل، كالبخاخ المصنع في شركة The Deli Garage الألمانية:
أو على شكلِ رقائقَ ذهبية كتلك التي استُخدمت في تصنيعِ لوحِ الشوكولا Wispa Gold Bar من قِبل شركةِ كادبوري Cadbury، ووصلت قيمتُهُ إلى 1,630 دولاراً:
كما قامت الطاهية الفيليبينية Angelito Araneta Jr. بتقديمِ سوشي مكوّنٍ من رقائقَ من الذهب بعيار 23 قيراطاً مع 12 لؤلؤةً و4 ألماساتٍ بعيار 20 قيراطاً.
أمّا أغلى حلوى في العالم، وحسبَ كتابِ غينيس للأرقامِ القياسية Guinness World Record، فهي حلوى Frrozen Haute Chocolate:
وعندما يكون الحديث عن الكَب كيك Cupcake الذهبية، تتّجهُ الأنظارُ إلى دبي، حيث يُصنعُ The Golden Phoenix cupcake، وهو كَب كيك بحجمِ قبضةِ اليد، وتكلف القطعةُ الواحدة 1,007 دولارات، تحتوي على الكاكاو الإيطاليّ، والفانيلا الأوغندية، مع ذهبٍ بعيار 23 قيراطاً.
وكي نختتمِ هذه المعلوماتِ الغريبة، لا بدّ أن نذكرَ أن بعضَ الباحثين في الولاياتِ المتحدة الأمريكية يبحثون استخراجَ الذهبِ والفضةِ والبلاتينيوم من مخلّفاتِ الصرفِ الصحيّ، إذ بيّنت دراسةٌ أجريت في جامعة أريزونا أن مدينةً تحوي مليونَ نسمةٍ تشطِفُ في مراحيضِها كميةً من المعادن الثمينةِ تُعادل 13 مليون دولارٍ كل عام.
أخيراً، نتمنى من متابعينا عدمَ محاولةِ تناولِ الذهب، إذ يبدو أن الاحتفاظَ والتزيّنَ به أكثرُ فائدةً من تناولِه :D
المصادر:
1. هنا
2. هنا
3. هنا
4. هنا
5. هنا
6. هنا
7. هنا
8. هنا
9. هنا
10. هنا
11. هنا
12. هنا
13. هنا
14. هنا
15. هنا
16. هنا
17. هنا