الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة
ذكور الأسماك تتحول إلى إناث، ونحن السبب!
مما لاشكّ فيه أنّ التّلوّث النّاتج عن النّشاطات البشريّة الصّناعيّة بمختلف أشكالها يؤثّر على الحياة البريّة في جميع بيئاتها الطّبيعيّة، وسنتحدث في هذا المقال عن ظاهرة تحول ذكور الأسماك إلى إناث نتيجة تأثير التلوث على بيئتها الطبيعية.
أجريت دراسةٌ على أسماك خليج بسكاي؛ وهي منطقة مصبات أنهار، تمتد ما بين شمال شرق إسبانيا وجنوب غرب فرنسا، خــَـلـُـصــَـت إلى اكتشاف تسبب الملوثات الكيميائية الناتجة عن نشاطات البشر باكتسابِ ذكورِ الأسماك صفات أنثوية. كشف العلماء عن انتماء الملوثات المسببة لهذه الظاهرة إلى مجموعة المواد الكيميائية المسببة لاضطرابات الغدد الصماء والتي تدعى اختصاراً الـ EDCs (الإيديسيز) أو فئة الكزينوهرمونات (الكزينواستروجينات*).
تتواجد هذه المواد في العديد من المنتجات الحديثة مثل اللدائن، مبيدات الآفات، العطور، منتجات التجميل، المستحضرات الدوائية، حبوب منع الحمل، ومواد التنظيف المختلفة...، حيث يمكن أن تتسرب هذه المواد إلى المياه عن طريق استخدام مياه الفضلات المعالجة في الزراعة ونتيجة للنشاطات الزراعية والصناعية المختلفة، ويتم قياس هذه المواد بالأجزاء في التريليون والأجزاء في المليون في مصبات الأنهار والكتل المائية حسب معايير الصحة الدولية التي تم نشرها في عام 2010 من قبل وكالة حماية البيئة EPA.
تتراكم الEDCs التي تنتمي إلى فئة الكزينواستروجينات في المياه والترسبات حول الأحواض وفي أجسام الأحياء التي تتعرض لها ونذكر منها ( الهرمونات – السيتروئيدات – المركبات متعددة الكلور – الفينولات – الفثالات – والمسك الاصطناعي .. ) وتكون أغلب هذه المواد قابلةً للتراكم في الأنسجة الدهنية للإنسان وبطيئة التحلل البيولوجي، بمعنى بقائها في أجسامنا وتأثيرها على صحتنا بعد فترات طويلة من التعرض لها.
بعد أن تصل هذه المواد إلى نسب تراكم عالية في أجسام الأسماك، تتداخل مع نظام عمل الغدد الصماء مسببةً اضطرابات تطورية وتناسلية وظهور حالة ثنائية الجنس أو ما يعرف بحالة الخصية-مبيض والتي تعبر عن وجود البويضات بدرجات متفاوتة من التطور ضمن نسيج الخصية الطبيعي، وتشكل النسب المرتفعة لبروتين الفيتولوجينين الفوسفاتي** في بلازما خلايا ذكور الأسماك مؤشراً بيولوجياً واضحاً لتعرض هذه الذكور للـEDCs من فئة الكزينواستروجينات.
أوضحت الدراسة التي أجريت على خمس مجموعات من سمك البوري سميك الشفاه، بأن النسب الأوفر من هذه المواد في عينات إفرازات الصفراء المأخوذة من الأسماك وعينات المياه المدروسة، كانت للفثالات وتلتها مبيدات الآفات وبقية الـEDCs من فينولات ومسك وهرمونات استروجينية.....، حيث ترافقت هذه النسب المرتفعة من الملوثات مع زيادة حساسية مستقبلات معينة للهرمونات في ذكور الأسماك المعرضة للملوثات، وجاءت الدراسات الإحصائية لنسب هذه المواد في خلايا ذكور الأسماك لتؤكد على وجود علاقة طردية متبادلة ما بين كمية الـEDCs في عينات الصفراء والمياه، وبين استجابة المؤشرات الحيوية لوجود الكزينواستروجينات وبالتالي اكتساب هذه الذكور لصفات الأنثوية وظهور الغدد التناسلية ثنائية الجنس، والتي حددت في ثلاث مجموعات سمكية من أصل الخمسة المدروسة.
الهوامش:
* الكزينواستروجينات: نوع من الكزينوهرمونات التي يماثل تأثيرها هرمون الأستروجين وتكون صنعية أو طبيعية كما تماثلها من حيث التأثير وليس من حيث التركيب الكيميائي مركبات عديدة مثل الفينيل متعدد الكلور. يوجد من الكزينوستروجينات طائفة تنتجها النباتات وأخرى تعتبر سموماً تنتجها الفطور وهي هامة سريرياً إذ يمكن بسبب تأثيرها أن تسبب البلوغ المبكر واضطراباتٍ في الجهاز التناسلي.
**الفيتولوجينين: أو VG اختصاراً هو بروتين فوسفاتي يوجد في صفار البيض وفي دم أو لمف إناث الفقاريات فقط ويستخدم كمعلم حيوي لتعرض الفقاريات في البيئة للتلوث بهرمون الأستروجين الذي يسبب زيادة هذا البروتين في الذكور والإناث، وهو ينتمي للبروتينات الناقلة.
اقرأ أيضاً مقالنا السابق بعنوان الملوثات الزراعية تغير نمط تكاثر الأسماك من هنا
المصدر: