الاقتصاد والعلوم الإدارية > علوم مصرفيّة
مستقبل صانع السيارات العالمي على المحك، هل ستنجو فولكس فاجن؟
في أيلول عام 2015، صدمت شركة فولكس فاجن Volkswagen)) عالم السيارات عند اعترافها بالإدعاءات التي أدلت بها وكالة حماية البيئة في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث نصّت هذه الإدعاءات على أنّ الشركة تلاعبت بالبرمجيات الخاصة بها وذلك للغش في اختبار الانبعاثات.
أُجبر الرئيس التنفيذي أمام هذا الضغط إلى التنحي وأعلنت فولكس فاجن رسمياً أنّ بعض سياراتها ذات محركات الديزل مجهزة بما يسمى "أجهزة خداع اختبارات الانبعاثات" (defeat devices) وهي برمجيات تلتقط الاختبار وتسمح للسيارة بخداع أو غش اختبارات تلوث الهواء.
كيف تعمل هذه الأجهزة؟
استطاع المهندسون برمجة هذه الأجهزة لاستشعار إجراء اختبارات الانبعاث بالاعتماد على مدخلات مثل وضعية عجلة القيادة، سرعة السيارة والضغط الجوي، تذهب محركات الديزل في هذه الحالة إلى وضع الاختبار، وهكذا تتحكم بالانبعاثات المسموح بها أثناء فترة الاختبار، في حين على الطرقات الفعلية ترتفع نسبة الانبعاثات لتصل إلى 40 مرة من المستوى القانوني المسموح به.
كانت هذه الفضيحة صادمة جداً وخصيصاً بالنسبة لشركة فولكس فاجن، حيث تجاوزت مؤخراً تويوتا كصانع السيارات الرائد في العالم، كما أنها تعتبر تاريخياً واحدة من أكثر الشركات الموثوقة في صناعة السيارات.
ماذا سيحدث لمالكي سيارات فولكس فاجن في الولايات المتحدة؟
لقد أعلنت شركة فولكس فاجن خطتها لاستدعاء جميع السيارات المتأثرة في الولايات المتحدة الأمريكية بحلول عام 2016، على الرغم من أنّ الشركة لم تعلن عن موعد محدد ولكن المسؤولين في الشركة صرحوا بأنّه سيتمّ إصلاح جميع السيارات بحلول نهاية عام 2016. وتتطلب معظم السيارات الأمريكية تحديث للبرمجيات الخاصة بها إلى جانب بعض التعديلات على الأجهزة.
بالإضافة إلى ذلك، تقوم شركة فولكس فاجن بمحاولة لإعادة بناء سمعة حسنة وذلك بدفع 1000$ نقداً لمالكي سيارات فولكس فاجن التي تحوي أجهزة الخداع في اختبارات الانبعاثات في الولايات المتحدة الأمريكية، و يمكن لمالكي فولكس فاجن أيضاً الحصول على خدمة الطريق مجاناً على مدار 24 ساعة لمدة ثلاث سنوات، كما أنّ الوكلاء يتيحون لجميع مالكي سيارات فولكس فاجن خصم نقدي بحوالي 2000$ للحصول على سيارة جديدة.
ما هو وضع مبيعات سيارات فولكس فاجن الجديدة في الولايات المتحدة؟
اعتباراً من كانون الثاني عام 2015، لا يجوز بيع أي طراز من ديزل فولكس فاجن عام 2015 أو 2016 في الولايات المتحدة.
هل هناك أي دعاوى قضائية؟
بدأت الدعاوى القضائية الفردية تتراكم ضد فولكس فاجن، هذا وقد أُعدت بالفعل دعوى جماعية ضد فولكس فاجن من قبل الشركة ذاتها التي رفعت دعوى بنجاح ضد تويوتا وقاضتها ب1.1 مليار دولار، حيث في عام 2009 و 2010 استدعت شركة تويوتا العديد من نماذج سيارتها بسبب التصاق المسارعات (دعسة البنزين)، وهو ما يسبب سرعة غير مقصودة.
بالإضافة إلى الدعاوى المدنية، قد تواجه فولكس فاجن اتهامات جنائية من قبل وزارة العدل الأمريكية، التي بدأت تحقيقاً جنائياً. كما قد لمحت السلطات الألمانية بعد التحقيق من قبل السلطات الأمريكية أنها ستحقق في سيارات فولكس فاجن بخصوص قضايا انبعاثات مشابهة في ألمانيا. وقد صرح نائب الرئيس الألماني ووزير الاقتصاد لرويترز بأنه يشعر بالقلق حول السمعة الممتازة لصانعي السيارات الألمانية، قائلاً بأنّ تلاعب فولكس فاجن باختبارات الانبعاثات كان حادث سيء، وقد دعا الشركة إلى العمل على تبرئة اسمها.
ما هو حجم الضرر المالي لفولكس فاجن؟
صرحت الشركة مسبقاً عن خسارة بحوالي 1.83$ مليار خلال الربع الثالث من عام 2015 عندما تم الكشف عن أن وكالة حماية البيئة قد تعاقب الشركة بغرامة تصل إلى 18$ مليار.
وافقت فولكس فاجن في حزيران من عام 2016 على دفع مبلغ يصل إلى 14.7$ مليار لتسوية الادعاءات المدنية. تعد هذه الغرامة الكبيرة جزء من المبلغ المحتمل مستقبلاً لحل المشاكل القانونية، وهذا كله في الولايات المتحدة فحسب، حيث أنّ فولكس فاجن تحت التحقيق الآن لخرق قوانين حماية المستهلك في 20 دولة أوروبية متضمنة سوقها الأم ألمانيا، كما تواجه مصاعب في شمال كوريا وأستراليا ودول أخرى.
تسببت فضيحة فولكس فاجن للشركة بخسارة في الدخل الصافي بمقدار 5.35 مليار يورو وانخفاض في النقود وأموالها السائلة بمقدار 1.98 مليار يورو خلال عام 2015، نتيجة للدخل الصافي السالب للشركة بلغت الخسارة للسهم الواحد 3.20 يورو، كما كان لدى فولكس فاجن نفقات رأسمالية بمقدار 18.23 مليار يورو ورأس مال عامل سالب بقيمة 3.10 مليار يورو، بالإضافة إلى ذلك عانت الشركة من خسارة في الدخل التشغيلي بمقدار 4.07 مليار يورو خلال السنة المالية 2015.
كما تسببت الأرباح الضعيفة والفضيحة البيئية بانخفاض سعر السهم من 233.40 يورو إلى 132.50 يورو في 17 أيار عام 2016. الانخفاض في سعر سهم الشركة أثر على صناعة السيارات الألمانية، نتيجة لذلك قد تتأثر صناديق الاستثمار المتداولة الألمانية التي تستثمر بشكل كبير في أسهم شركات السيارات نتيجة لخطر العدوى من شركة فولكس فاجن.
كان على الشركة أنّ تقوم بتخفيض نفقاتها لتتمكن من النجاة وذلك بسبب معاناة الشركة من انخفاض مستمر بالمبيعات بعد الأزمة الكبيرة التي لحقت بسمعتها كصانع للسيارات، وهذا غالباً ما يتضمن تخفيض عدد العاملين، ولكن يختلف الوضع هنا نوعاً ما. بحسب الظروف التي تمر بها الشركة فمن حسن حظها أنّ أغلب قواها العاملة هم من كبار العمر، بالتالي الشركة تتوقع تقاعد الآلاف منهم في السنوات القادمة، من المحتمل أيضاً أنّ فولكس فاجن ستعرض تقاعد مبكر على بعض عامليها وذلك بهدف تخفيض أكبر للنفقات. يعتمد هذا الموضوع بشكل كبير على الطلب على سيارات فولكس فاجن، ولتحقيق زيادة الطلب على المدى الطويل تركز شركة فولكس فاجن على السيارات الكهربائية.
وبالرغم من أنّ محركات الديزل لا تمثل كل شركات السيارات الألمانية، قد يكون هناك زيادة في التشريعات على الصناعة بأكملها، وبعض الشركات الأخرى قد تكون عرضة للتحقيق، كشركة فيات التي تم التحقيق معها من قبل الحكومة الألمانية، وكذلك شركة ميتسوبيشي.
قامت مؤسسة التصنيف العالمية S&P بتخفيض التصنيف الائتماني قصير وطويل الأجل للشركة من A إلى A- وذلك إثر فضيحة الانبعاثات. وبحسب قول شركة التصنيف فإن السبب الرئيسي لاتخاذ هذا القرار هو الخلل الكبير في الإدارة وعدم كفاية ضوابط الحوكمة الداخلية. من المحتمل أنّ يسبب التخفيض في الجدارة الائتمانية للشركة زيادة في تكلفة الاقتراض وهذا بالتالي سيسبب ضغط على الهامش الخاص بها. وقد قال الرئيس التنفيذي الجديد: " تعلم الشركة أنّ أرباحها وخطتها المالية ستكون تحت الضغط كنتيجة للفضيحة، ولكن الهدف الأسمى هو الحفاظ على تصنيف ائتماني ."
بعد تخفيض S&P للتصنيف الائتماني للشركة، أشار موديز وفيتش أنهم من الممكن أنّ يخفضوا التصنيف الائتماني لفولكس فاجن. في الوقت ذاته صرحت فولكس فاجن بما يلي:" نحن نريد الاعتذار بشدة إلى زبائننا وسوف نفعل أي شيء ممكن إنسانياً لإعادة كسب ثقتهم والاعتناء بأية مخاوف."
واقترضت الشركة من بنك الاستثمار الأوروبي حوالي 4.6 مليار يورو من أجل تطوير مواقع الانتاج، صرح البنك بعد الفضيحة أنّه قد يطلب من الشركة إعادة قرضه مباشرة إن وجد أنّ قيمة القرض قد استخدمت للخداع في انبعاثات الكربون.
بعد مرور عام ماهي التوقعات بخصوص فولكس فاجن؟
بشكل عام، قد تأخذ هذه القضايا أكثر من عقد ليتم حلها، والتكلفة النهائية للشركة قد تتخطى 50 مليار دولار. كما يمكن أنّ يتسع نطاق المشكلة أكثر ليهدد العلامات التجارية الثمينة لفولكس فاجن، مثل Audi وPorsche، حيث تشكّل هذه العلامات التجارية الجزء الأكبر من الأرباح التشغيلية للشركة.
وهناك بعض المؤشرات أنّ القضية أصبحت من الماضي والشركة تستعيد عافيتها، حيث بلغ العائد على السهم 0.09% وهو ضئيل نسبياً ولكن ليس خطير، بينما بلغت التدفقات النقديّة التشغيلية خلال فترة الـ12 شهر السابقة 12.72$ مليار كإجمالي، مما يوحي بأنّ الميزانية العمومية تتم إدارتها بشكل جيد. تمتلك فولكس فاجن في الوقت الحالي 42.19$ مليار من النقدية والأموال السائلة مقابل 170.72$ مليار من الديون طويلة الأجل. من الواضح أنّ فولكس فاجن ستكون قادرة على تخطي هذه الأزمة.
وفي النهاية فإن هنالك قدر كبير من عدم اليقين يحيط بشركة فولكس فاجن باعتبارها تسعى للتخلص من أخطائها الماضية، وتحاول اتخاذ تحولٍ استراتيجي تحت اشراف إدارة جديدة. من المرجح أنّ فولكس فاجن سوف تتحمل هذه الأزمة على الرغم من أنّ النتيجة النهائية غير مؤكدة، لكنه من المؤكد أن هذه الفضيحة ستحمل عبئاً على أرباح فولكس فاجن وسعر سهمها لبعض الوقت في المستقبل.
المصادر