الفيزياء والفلك > فيزياء
جاذبيّة فيرلِندة المنبثقة تجتازُ أوّل اختبارٍ لها، لكن أينشتاين لا يزالُ في المُقدمة
تشبِهُ الفيزياء النّظريّة بعض الشّيء حلبة المُلاكمة، كلّ طرفٍ يحاول النّيل من خصمه، لدينا في الزّاويّة اليُمنى البطل العظيم بشعرِهِ الأبيضِ النّاعم "ألبرت أينشتاين" الذي لم يُهزم من قِبل في حلبة علوم الكَونيات منذُ أن نشر نظريّته الشّهيرة النّسبيّة العامة.
وفي الزّاويّة اليُسرى عالم الفيزياء النّظريّة إيريك فيرلِندة Erik Verlinde الّذي وضع نظريّةً منافسة تدّعي أنّها قادرة على تفسير الكون من دون الحاجةِ لأيّة أشياءَ مُظلمة.
صمدت نظريّة إيريك في أوّل اختبارٍ قام به فلكيون أستراليون وأوروبيون. حيث قاموا ببعضِ القياساتِ بين المجرّات للتحقّقِ من نظريّة إيريك ويبدو أنّ النّتائج تدعمُ هذه النّظريّة الجّديدة. فهل هذا يجعل من أينشتاين والمادة المُظلمة في مأزق؟
الجّواب.. لا.
يقولُ عالم الفيزياء الفلكيّة جيران لويس Geraint Lewiss من جامعة سيدني الأستراليّة "لن يقبل المُجتمع الفلكي بالتّخلي عن المادة المُظلمة بناءً على هذه الدّراسة".
وفقًا للنّسبيّة العامة فإن المادة تقومُ بتشويهِ النّسيج الزّمكاني، مما يسبّب انحناء مسار الضّوء كما تفعل العدسات. وكلما ازدادت الكُتلة ازداد انحناءُ الضّوء، لذلك يوظّفُ العُلماء هذا المبدأ لتقديرالكُتلة في منطقة ما من الفضاء حتّى لو لم يتمكّن العُلماء من رؤيتها، اعتمادًا على مقدار الضّوء المُنحني حولها. تنجحُ هذه الطّريقة عند دراسةِ الأجسام المُفردة كشمسنا مثلاً، لكنها تميلُ للفَشل على المستويات الكبيرة.
تتجلّى هذه المُشكلة بوضوحٍ عند دراسةِ كلَّ المادة المرئيّة الموجودة في المجرّات (النّجوم والغازات والغُبارالنجمي). فإذا جمعنا هذه المادّة كلّها، سنجدُ أنها تثني مسار الضّوء بمقدار أكبر بكثيرٍ ممّا تتنبّأ به النّظريّة النّسبيّة العامة. لحلّ هذه المُشكلة افترض العُلماء وجود مادةٍ أخرى خفيّة لا يُمكن رصدُها سمّوها المادة المُظلمة. وعند أخذ هذه المادة المُظلمة بالحسبان عند إجراء المعادلات والحسابات، فإنها تحلُّ المشكلة بشكلٍ رائع.
تنطبقُ نفس الفِكرة عند إجراء اختباراتٍ أخرى للجّاذبيّة على المستوى الكَوني، منها اختبارات دوران المجرّات حول نفسِها أو المجرّات التي تدورُ حولَ مجرّاتٍ أخرى. تنجحُ أيضاً (المادة المُظلمة) في تفسير هذه الاختبارات أيضاً ممّا يزيدُ من قناعة العلماء أن هذه المادة موجودة فعلاً.
لكن العالم فيرلندة لديهِ رأيٌ مختلف، فهو يتعتقد بأنّ الجّاذبيّة هي نتيجةُ تفاعلاتٍ ساكنةٍ صغيرةٍ جداً، مشابهة للحرارة النّاتجة عن اهتزازِ الذرّات والجُّزيئات.
يقول فيرلِندة لصحيفة نيويورك تايمز بعد نشر فكرتِه عام 2010 "بالنّسبة لي الجّاذبيّة ليست موجودة"
في البدايّة كانت فكرتُه ناتجةٌ عن إعادة إنتاجٍ لمعادلاتِ اينشتاين ونيوتن. لذلك يُمكن اعتبارها إعادة صياغة للجاذبيّة أكثر من اعتبارِها نظريّةً جديدةً.
لكن في الشّهر الماضي تقدّم فيرلِندةخطوةً إضافيّة، حيث طرح في ورقةٍ بحثيّةٍ نشرت في Arxivv فكرةً جديدةً اسمها "قوّة الجّاذبيّة المُظلمة" حيثُ تُعطي قوّة الجّاذبيّة قيماً أكبر بكثير عند تطبيقها على المسافاتٍ الكبيرة. قد يفسّر اقتراحه لماذا تحني المجرّات المزيد من الضّوء (بالإضافة إلى دوران المجرّات) دون أي الحاجةٍ إلى وجودِ مادةٍ مُظلمة.
والآن قام الفلكيون باختبار هذه النّظريّة القاتلة للمادة المُظلمة لأول مرة. استخدمت العالمة (مارغوت بروير Margot Brouwer) المرصد (ليدن Leiden) من أجل حِسابِ كُتلة 33613 مجرّة بتقنيّة التعدّس الثّقالي.
ثم مرروا هذه الأرقام على نظريّة فيرلِندة والنّظريّة المُعتادة للمادة المُظلمة، كلا النّظريتين أعطت إجاباتٍ صحيحةٍ. لكن لكي تعمل نظريّة المادة المُظلمة يجب إضافة الكميّة المُناسبة من المادة المُظلمة. أي كأنك تقوم بتصحيح إجابتكَ بنفسكَ. لكن في حالة نظريّة فيرلِندةفهي تعملُ بدونِ الحاجةِ لأيّة إضافاتٍ. وهو أمرٌ مذهلٌ برأي القائمين على هذه الدّراسة.
تقول العالمة بروير "هذه النّظريّة ليست كافيّة بعد للتخلّي عن المادة المُظلمة فهي لاتزال غير قادرةٍ على تفسيرِ الكثير من الأرصادِ الأُخرى، ومع ذلك فهي خطوةٌ واعدةٌ ومهمّةٌ جداً نحو الأمام."
إحدى مشاكل نظريّة فيرلِندة الجّديدة هي أنّها عُموميّة جداً لا تدخل في التّفاصيل، بشكلِها الحالي يمكن تطبيقُها فقط على الحالات الأساسيّة، مثل حالة أجسامٍ كرويّةٍ بعيدةٍ عن بعضها.
احتاجت العالمة بورير وفريقها إلى القيام بمجموعةٍ من المُقارباتِ الجّديّة باختيار المجرّات ذات الشّكل القُرصي فقط، من عينةٍ صغيرةٍ من المجرّات المَعزولة، وبسبب ذلك اضطروا إلى أخذ تأثير جاذبيّة المجرّات المُحيطة في الحسبان. كما احتاجوا أيضاً إلى افتراضِ توزيعٍ معينٍ للمادة المرئيّة داخلَ هذه المجرّات.
على الرّغم من عدم الحاجة لاستعمالِ أيّة مادةٍ مُظلمة، إلا أن هذه الخُطوات السّابقة أضافت الكثير من الرّيبة على النّتائج النّهائيّة.
من ناحية أخرى فإن نظريّة المادة المُظلمة قد لا تكونُ واقعيّة أيضاً، إذ أنّها تقدمُ افتراضات فقط حول توزُّعِ المادة المُظلمة بين المجرّات.
كلا الجّانبين يعتمدان على المُقاربات والتّخمين، لذلك من الصّعب استبعادُ أيٍّ منهُم بواسطة هذه الدّراسة.
في النّهايّة العِلم ليس مباراةً بين نظريّة ضد نظريّة أخرى، بل بين النّظريّة والبيانات المرصودة.
يقول العالم لويس "فلنعتبر الأمر تعادُلاً إذاً، نظريّة فيرلِندة تُبلي بلاءً حسناً حتى الآن وتنجو لتلتقي مُجدداً مع بياناتٍ جديدة في يومٍ آخر."
المصدر: هنا
نظرية جديدة حول الجاذبية، قد تفسّر وجود كل من المادة والطاقة المُظلمة هنا