العمارة والتشييد > الترميم وإعادة التأهيل
تطوير عقدة اكسفورد في لندن، أكثر التقاطعات ازدحاماً في العالم.
يُعتبر الازدحام المروري من أصعب المشكلات التي تواجه المخططين العمرانيين، حيث تكون خيارات وإمكانية التعديل المتاحة أمامهم محدودةً.
سيستعرض مقالنا التالي إحدى عمليات التطوير العمراني التي تمكنت حقاً من إيجاد حلولٍ جذريةٍ ساهمت بتسهيل حركة المرور ضمن أحد أكثر الفراغات العمرانية ازدحاماً في العالم.
تَشكلت عقدة اكسفورد (Oxford Circus) عند تقاطع شارعي اكسفورد وريجينت في منطقة النهاية الغربية (West End) بمركز العاصمة البريطانية لندن، ومع مرور الزّمن انتشرت الفعاليات التجارية والترفيهية على امتداد الشّارعين مما أدى لزيادة حركة المشاة والمركبات على امتدادهما وبالتّالي زيادة الازدحام المروري خصوصاً عند العقدة.
تُعتبر العقدة من أكثر التقاطعات ازدحاماً في العالم إذ يعبُرها سنوياً ما يزيد عن 80 مليون شخص. واكتسبت أهميتها من الفعاليات المجاورة لها كالمراكز التجارية ودُور عرض الأزياء والفنون والمناسبات الخيرية، ووجود أربعة مخارج لمحطة مترو اكسفورد عند زواياها يعبرها حوالي 23 ألف شخص يومياً.
كما تعتبر النهاية الغربية من أهم المناطق الاقتصادية بمدينة لندن، فهي تُنتج قرابة خمس الناتج المحلي الإجمالي للمدينة وتؤمن أكثر من 300 ألف فرصة عمل ويزورها سنوياً قرابة 200 مليون شخص.
المُشكلة الرئيسية:
تمثّلت المشكلة الرئيسية التي توجب حلّها بالعدد الكبير للمشاة الراغبين بعبورُ العقدة خصوصاً عند الانتقال بين الزوايا المتقابلة (يتوجب عليهم هنا اجتياز شارعين متجاورين) وتَعارض ذلك مع حركة المركبات مما يؤدي إلى انتظارهم لوقت طويل نسبياً واحتشاد المئات منهم. ففي ساعات الذروة يَعبرها حوالي 43 ألف شخص وألفي مركبة كل ساعة. كما تمر عبرها مسارات 23 خط من خطوط حافلات النقل العام في لندن.
التخطيط القديم لعقدة اكسفورد
التصميم الجديد:
نظراً لأهمية المنطقة التي تقع فيها العقدة وسعياً من محافظة لندن لتحديث البنية التّخطيطية للمدينة استعداداً لاستضافة الألعاب الرياضية الأولمبية التي أقيمت في العام 2012، عهدت العقارات الملكية البريطانية لمكتب الاستشارات الهندسية والتصميم Atkins دراسة منطقة العقدة وتطويرها، حيث افتتح مشروع تطوير تخطيط العقدة في الثاني من تشرين الثاني للعام 2009 بعد أن استغرقت أعمال التّنفيذ في الموقع سبعة أشهرٍ تضمنت القيام بالتعديلات اللازمة دون الإضرار بالعمليات التجارية للمحال المجاورة.
واستوحي تخطيط عقدة أكسفورد الجديد من تخطيط عقدة شيبويا (Shibuya) الشهيرة في اليابان ذات الكثافة المرورية المرتفعة. وذلك عبر تعزيز ممرات المُشاة الأربعة بين الأرصفة المتقابلة بممرين قطريين يربطان بين الزوايا لمتقابلة للعقدة ويمران بمنتصفها، كما تمّت زيادة مساحة الأرصفة 312 متراً مربعاً بنسبة زيادة 69% تقريباَ، وأُزيلت الحواجز المعدنية والخرسانية التي كانت في السابق تفصل بين الأرصفة والعقدة مما أعطى المشاة حرية أكبر في الحركةٍ ، مع توفير مساحةٍ إضافية حول مخارج محطة مترو عقدة اكسفورد.
وأُعيد تنظيم إشارات المرور بما ينسجم مع تصميم الممرات الجديد بحيث تتوقف المركبات من الاتجاهات الأربعة بنفس الوقت للسّماح للمشاة بالعبورٍ الآمن للعقدة قطرياً، ويستغرق التّسلسل الجديد للحركة 120 ثانية يُخصص منها 30 ثانية للمشاة. مما أدى لتقليل وقت انتظار المُشاة إلى النّصف تقريباً.
الموقع العام لعقدة اكسفورد
سعياً من المصممين لضمانِ التعامل الأمثل مع عدد المارّة الكبير، استخدم مكتب Atkins خلال مرحلة الدراسة والتصميم برنامج النمذجة المتطور Fathom and Legion لمحاكاة حركة المشاة عبر التصميم المُقترح ومعرفة نقاط الضعف ومن ثم إجراء التّحسينات اللازمة لتلافي المشاكل قبل اعتماد المُخطط النهائي.
وقد تم تعزيز الطابعِ البصري للعُقدة عبر إكساء أرضية الأرصفة والشوارع بمواد مختلفة الألوان ووضع تجهيزات الإضاءة بهدف توضيح المناطق المخصّصة لعبور المشاة والتأكيد على الفراغ العمراني الدائري للعقدة.
التخطيط الجديد لعقدة اكسفورد
كما تمّت توسعة أرصفة الشوارع المحيطة بالعقدة والتي ينتشر على امتدادها أكثر من 176 متجر رئيسي و600 محل تجاري و40 مسرح، ليُساهم التّصميم الجديد بمنح ملايين المتسوقين والزوار إمكانية عبور العقدة بحرية أكبر بنسبة 70%، وزيادة نسبة المبيعات السّنوية بمنطقة النهاية الغربية بنسبة 7%.
وبحسب كولن بارو رئيس مجلس وستمنستر (Westminster) في تلك الفترة، فقد منحت عملية إِعادة تصميم عُقدة تقاطع اكسفورد عاملاً مميزاً (X factor) يُثبت نجاحه عاماً بعد عام لتصبح وجهةً يُمكن للندنيين الفخر بها، كما أنها جعلت من منطقة النهاية الغربية موضع اهتمامٍ دولي.
يُوضح الفيديو التالي تخطيط العقدة السابق وحركة المشاة عبرها ومراحل عملية التّطوير العمراني التي جرت بعد ذلك:
Video:Atkins
تُعتبر عملية التطوير العمراني لعقدة اكسفورد من الأمثلة التي تمكّن فيها المخططون العمرانيون من حلِّ مُشكلة الازدحام المروري دون إيذاء النسيج العمراني للمنطقة المحيطة مع الاهتمام الخاص بحركة المشاة وأمانهم في واحدة من أكثر المناطق ازدحاماً في العالم.
المصادر: