الكيمياء والصيدلة > كيمياء
الهيليوم… نشاطٌ غير معتاد
يعتبر الهيليوم ثاني أكثر العناصر انتشاراً في الكون بعد الهيدروجين، حيث يتواجد بكميات ملحوظة في النجوم والكواكب الغازية العملاقة مثل المشتري وزحل. إلا أنّه يعد من أكثر العناصر خمولاً على كوكبنا وذلك بسبب امتلاء المدار الخارجي لذرته بالعدد الأقصى من الإلكترونات مما يجعل من الهيليوم عنصر مستقر، غير قادر على التفاعل مع العناصر الأخرى سواء من خلال كسب أو فقد الإلكترونات. ومع ذلك فقد حاول العلماء منذ عدة قرون إيجاد مركبات مستقرة يدخل الهيليوم في تركيبها كمركب هيدروجين الهيليوم HeH+ والذي يتواجد بشكل مركب مشحون فقط ولكنه من المركبات العالية الطاقة، وكذلك الحال مع أي من المركبات التي يتداخل الهيليوم في تركيبها مثل HHeF، HeO، CsF، LiHe وكانت جميعها مركبات عالية الطاقة.
ولكن هناك في علم الكيمياء دائماً ما يتواجد الكثير من المفاجئات لنا، وكما نقول فلكل قاعدة شواذ، فنجد أنه بإمكان الضغط العالي أن يغير من خصائص العناصر الكيميائية، ومن هنا استطاع العلماء اصطناع مركبات مستقرة يدخل الهيليوم في تركيبها من خلال تطبيق الضغط العالي عليها، ولكن من خلال التجربة كان معدن الصوديوم هو العنصر الوحيد لحد الآن الذي استطاع تشكيل مركب مستقر مع الهيليوم وهو Na2He. فباستخدام خلية سندان الألماس diaond anvil cell تمَّ الوصول للضغط المطلوب وحدث التفاعل.
إنَّ وجود ذرات الهيليوم قد سَبَّب تموضع قوي لإلكترونات مما جعل هذا المركب عازل قوي يتكون من مركز موجب الشحنة مع توزع إلكتروني متمركز وقوي يشكل الجزء سالب الشحنة. ويحافظ المركب الناتج على استقراره عند ضغط أعلى من 113 جيجا باسكال وصولاً إلى 1000 جيجا باسكال، كما يتوقع تواجد المركب Na2HeO بهيكلية مماثلة عند ضغط أعلى من 15 جيجا باسكال.
توضح الصورة التالية تحليلَ الروابط الكيميائية لمركب Na2He، فنجد في الجهة اليسرى التمثيل باستخدام العصي والكرات Ball-and-stick representation، بينما نجد في الجهة اليمنى التمثيل متعدد الرؤوس. بحيث تمتلئ نصف مكعبات الـ Na8 بذرات الـ He (تظهر ذرات الهيليوم على هيئة مكعبات رمادية، وتكون رؤوس هذه المركبات عبارة عن ذرات الصوديوم)، ويمتلئ النصف الآخر بزوجٍ إلكتروني (يظهر على هيئة كريات حمراء). تمثِّل الكرات الوردية والرمادية اللون ذرات الـ Na والـ He على التوالي.
توضح الصورة التالية تمثيل آخر للمركب، وذلك بالاعتماد على التمثيلِ ثلاثي الأبعاد. فتظهر ذراتُ الصوديوم ككراتٍ بنفسجية اللون، التي تتداخل مع المكعبات الخضراء التي تمثل ذرات الهيليوم. بينما تستخدم المنطقة الحمراء الموجودة في الفراغ بين المكعبات كمنطقة لتموضع الأزواج الإلكترونية.
وبعد هذه القفزة الكبيرة في الكيمياء نجد أنَّه ومن الضروري العودة إلى المفاهيم الأساسية في الكيمياء والنظر إليها بعين مختلفة كلياً فنحن الآن قد ودّعنا مفهوم "الخمول الكيميائي".
المصادر: