الغذاء والتغذية > منوعات غذائية
هل تعتبر الأجبان أغذيةً مسببةً للإدمان حقاً؟!
يعتبر معظمِ الناسِ من مختلفِ الحضاراتِ الجبنَ اكتشافاً عظيماً من حيثُ الطعمِ والفائدةِ الغذائيةِ والتنوّعِ، ولكنّكَ قد تبدأُ بتغييرِ فكرتِك عنه إنْ ألقيْتَ نظرةً على آخرِ الأخبار، كونَهُ في طريقِهِ كي يُصنَّفَ كأحدِ أغذيةِ الجدولِ الثاني للموادِ المخدرة (أي الموادِ المسببةِ للإدمان) Schedule 2 Drug. وترافقَ ذلك بانتشارِ العديدِ من عناوينِ الأخبار التي تقول بأن هناكَ احتمالاً قوياً للإدمانِ على الجبنِ إن كان أحدَ خياراتك الأولى للطعام بشكلٍ دائم، معتمدينَ على دراسةٍ نُشرَت في مجلة PLOS ONE واختبَرت خصائصَ الإدمانِ لعددٍ من الأطعمةِ المختلفة، حيثُ احتلّت البيتزا رأسَ القائمة بسببِ خصائصُ الإدمان التي يتّصِفُ بها الجبن والتي بُنِيَت على ادّعاءاتِ احتوائِهُ على موادَ كيميائيةٍ خطرةٍ شبيهةٍ بالأفيون تسمى كازومورفينات Casomorphins (وهي ببتيداتٌ تنتجُ عن هضمِ بروتين الكازيئين).
إلّا أنّ العلماءَ الذين أجرَوا البحثَ يشيرون إلى عدمِ وجودِ ارتباطِ قويّ بين هذه النتيجةِ ومنتجاتِ الألبان اللذيذة المستخدمة، ليستمِرَّ الجدالِ حولَ حقيقةِ الأطعمةِ التي نشعرُ برغبةٍ ملحّةٍ لتناولِها والتي تكونُ غالباً من الموادِ مرتفعةِ المحتوى من السكريات والدهون، والتي قد تكونُ الدافعَ الحقيقيّ وراءَ رغبتِنا بتناولِ شريحةٍ أخرى من البيتزا، ليصبحَ الجبنُ في هذه الحالة مجرّدَ إضافةٍ لا غير.
خطّطت Ashley Gearhardt التي قادَت الدراسةَ مع زملائِها في جامعةِ Michigan لتحديدِ الأطعمةِ المرتبطةِ بشكلٍ وثيقٍ بسلوكياتِ إدمان الطعام، واستعانوا لهذا الهدفِ بـ 120 متطوعاً في المرحلة الجامعية و384 مشاركاً آخرَ من Amazon’s Mechanical Turk ليتمَّ إحصاءُ مقياسِ Yale لإدمانِ الطعام Yale Food Addiction Scale، ثمّ تمّ تصميمُ الاستبيانِ لتحديدِ علاماتِ السلوكِ الإدمانيّ تجاهَ الأطعمة بالاعتماد على معاييرَ مماثلةٍ لتلكَ المستخدمةِ في حالةِ الإدمانِ على المخدرات، وقد كانت كميةُ البيانات الكاذبةِ هائلةً للغاية بحسب الباحثة، إذ يميل الجميعُ إلى الإفراطِ في تبسيطِ الحالة علماً أن حبّ الطعامِ يختلفُ تماماً عن مفهومِ الإدمان عليه، وتناولُك للجبنِ بشكلٍ يوميٍ لا يعني أنّك مدمنٌ عليه أو أنّه مادةً يُحتمل الإدمان عليها.
طُلب من المشاركين في الاستبيانِ تصنيفُ:
عددِ المرات التي اعتادوا فيها تناولَ كمياتٍ زائدةٍ من الطعام أكثرَ من المخطط.
وإن كانت لديهِم محاولاتٌ مستمرةٌ للإقلاعِ عن تناولِ أطعمةٍ محددةٍ بشكلٍ مفرطٍ مصحوبٍ بالفشلِ.
وإن كانوا قد قلّلوا أو أقلعوا عن أنشطةٍ اجتماعيةٍ وترفيهيةٍ مهمةٍ رغبةً في مطاردةِ طعامِهم المفضل.
خضعَ المشاركون لتجربتين، خُيِّروا في الأولى بين نوعين من الأطعمة المختلفة بحيثُ يتمّ انتقاءُ المادة التي يشعرون بتوقٍ لتناولها، وتضمّنت قائمةُ الأطعمةِ المختبرةِ البسكويتَ والكيك والبيتزا إلى جانبِ خياراتٍ صحيةٍ كالبروكلي والماءِ والخيار. أمّا التجربةُ الثانية فطُلبَ فيها تقييمُ الأطعمةِ ذاتِها على مقياسٍ من سبعِ درجاتٍ بناءً على احتمالِ إفراطِهِم في تناولِها أو شعورِهم بالتّوقِ الشديدِ لها.
تبيّن من خلالِ النتائجِ أنّ الأطعمةَ التي حصلَت على أعلى درجاتِ التقييمِ هي الأطعمةُ المُصنّعةُ بشكلٍ كبيرٍ Highly processed foods كرقائق البطاطس والكيك والبيتزا، في حين حصلت الأطعمة منخفضةُ المحتوى من الكربوهيدرات كالمكسرات والبيض على تقييمٍ منخفضٍ، ومثلُها الأطعمةُ منخفضةُ المحتوى من الدهون كالموز والفريز. وتشير وأشارَت Gearhardt إلى أنّ الأشخاص لا يفقدون سيطرتَهُم عند تناولِ الأطعمةِ المعتادةِ كالتفاحِ والمكسراتِ والفريز، كما أنّهم لا يشعُرون بالرغبةِ الشديدةِ لأكلها، وذلكَ على عكسِ الأطعمةِ عاليةِ التصنيعِ مثل الشوكولا والبيتزا والتي يُكافح الناسُ عادةً لمقاومةِ الرغبةِ الشديدةِ بتناولِها.
وفُسِّر ذلك باحتواءِ هذه الأطعمة على مستوياتٍ مرتفعةٍ من الكربوهيدرات والملحِ والدهون. كما أنها ذات حملٍ غلايسيميٍ مرتفعِ القيمة High glycemic load إذ يتم امتصاصُها سريعاً جداً في الدم مقارنةً مع البيضِ أوالمكسراتِ أو ألواح الغرانولا الحاويةِ على الشوفان، ممّا يؤدي إلى ارتفاعٍ سريعٍ ومفاجئٍ في مستوى سكر الدم الأمرُ الذي يجعلُ هذه الأطعمةَ المُصنعةَ – حسب الباحثين – أكثرَ ميلاً للتسبُّبِ بسلوكٍ مشابهٍ لإدمانِ الطعام، ولم يكُن الجبنُ ضمنَ الأطعمةِ العشرةِ الأولى المثيرةِ للجدل والتي توصّلَ إليها الباحثون، بل حازَ على المرتبةِ الـ 16 من إجماليّ 35 صنفاً آخراً، تسبُقه في المركزِ الأول الشوكولا، أمّا البطاطسُ المقليّةُ والبيتزا فحلّا في المركزَين الثالث والرابع على التوالي، وكان المركزُ الثامنُ من نصيب الفوشار المطبوخ بالزبدة، كما تفوقَت هذهِ الأطعمةُ على الجبن في اختبار المجموعةِ الثانية أيضاً.
يُذكرُ أن انخفاضَ الحملِ الغلايسيمي للجبن يجعلُ السكريات والكربوهيدرات في موقعٍ أكثرَ تفوّقاً بشكلٍ دائم، وهذا يعني أنّ التّوقَ الشديد لتناولِ البيتزا ليسَ ناتِجاً عن احتوائِها على الجبن، بل عن ارتفاعِ مستوياتِ الكربوهيدرات في عجينتها والصلصةِ المستخدمة لصناعتِها. علماً أن الجبنَ يشترِكُ مع الكوكايين في تحفيزِ نظامِ الإثابةِ في الدماغ، وهو النظامُ المسؤول عن إرسال الإشاراتِ التي تخبرُنا بشعورنا بالمتعةِ أو الرضا عند تناولِ الطعام أو الإنجابِ أو شربِ الماء عند العطش.
كما يشتركُ الجبنُ مع مستقبِلاتِ جزيئاتِ المواد الأفيونيّةِ Opioid molecules التي ترتبط أيضاً مع الكازومورفينات Casomorphins الموجودةِ في الجبن، دونَ أن يجعلهُ ذلكَ بالضرورة أحدَ مسبّباتِ الإدمان.
واختُتِمت الدراسةُ بالتأكيد على ضرورةِ فهمِ طريقةِ الإثابةِ المرتبطةِ بالطعام وكيف يمكن لذلكَ أن يتداخلَ مع المخدراتِ، إذ تُعطي هذه الدراسةُ فرصةً للناسِ ليكونوا أكثرَ إدراكاً لعاداتِهم الغذائية، الأمر الذي يمكنً أن يقودَنا إلى تناولِ طعامٍ صحيٍ أكثر. ولكن، وحتى الآن لا داعي للقلق على الإطلاق فيما يتعلّقُ بالجبن، فهو بريءٌ من التُهمِ الموجّهةِ إليه حتى الآن.
المصدر: هنا