الاقتصاد والعلوم الإدارية > علوم مصرفيّة
أكبر من أن تفشل
يقترح مبدأ "أكبر من أن تفشل" (Too Big To Fail (TBTF بأنّ المؤسسات المالية وبشكلٍ خاص البنوك كبيرة الحجم، المعقدة والمتداخلة بشكلٍ كبير مع المؤسسات الأخرى، لا يمكن للحكومة أن تسمح لها بالإفلاس. حيث أن عواقب فشل أحد هذه البنوك قد لا تقتصر على فشل الأطراف الأخرى التي تتعامل معها، وإنما قد تمتد إلى أزمة ثقة بالبنوك والمؤسسات المالية الأخرى. مما يدفع المودعين إلى الإسراع لسحب ودائعهم بشكل كبير وبوقت واحد فيما يعرف بالذعر البنكي Bank Panic، وذلك سيقود إلى فشل بنوك أخرى وأزمة مالية تعصف بالاقتصاد ككل. بالتالي، تنظر الحكومة إلى مثل هذه البنوك الكبيرة على أنّها أكبر من أن تفشل TBTF.
إنّ مخاوف الحكومات من الآثار السلبية المترتبة على فشل البنوك دفعتها إلى إنشاء شبكة أمان Safety net للقطاع البنكي. كالمنظمة الحكومية الفيدرالية لضمان الودائع FDIC والتي تمّ تأسيسها في الولايات المتحدة الأمريكية عقب الكساد الكبير، حيث كان قد شارف حينها النظام البنكي الأمريكي على الانهيار. هذه المنظمة الحكومية تعطي حماية للمودعين وذلك بأن تضمن تسديد ودائعهم في حدود مبلغٍ محدد في حال فشل البنك عن التسديد. ضمان الودائع ليس الطريقة الوحيدة التي تؤمّن بها الحكومات الدعم للبنوك، وإنّما قد تتدخل بشكلٍ مباشر لمنع فشل البنك عن طريق قيام البنك المركزي بإقراض البنوك التي تواجه صعوبات مالية وضخ الأموال مباشرة في هذه البنوك.
تاريخياً، ظهر مبدأ Too Big To Fail في الثمانينات، عندما حدثت حالة إفلاس جوهرية وتدخلت الحكومة للمساعدة والإنقاذ. ففي عام 1984، أفلس واحد من أكبر البنوك الأمريكية والذي يدعى Continental Illinois. حينها لم تكتف المنظمة الفيدرالية لضمان الودائع بضمان الودائع في حدود مبلغ محدد، وإنما ضمنت حتى الحسابات التي تجاوزت هذا المبلغ، كما أنّها منعت حدوث الخسائر لحملة سندات البنك. منذ ذلك الوقت تدخلت الحكومة الأمريكية لمنع فشل البنوك والمؤسسات المالية في مناسبات عدة، كان أبرزها أزمة الرهن العقاري 2008 حيث قامت بعمليات إنقاذ واسعة من خلال المشاركة في تمويل شراء المؤسسات المالية المتعثرة من قبل المؤسسات القوية كقيامها بتقديم 30 مليار دولار لتمويل شراء شركة Bear Stearns من قبل بنك JP Morgan Chase، إضافةً إلى المساعدات المالية المباشرة المقدمة للعديد من البنوك والشركات المالية المتعثرة.
في الحقيقة، هذه المعاملة التفضيلية الممنوحة من قبل الحكومة للبنوك استناداً إلى مبدأ أنّها أكبر من تفشل، تثير العديد من الانتقادات. فعلى الرغم من أنّ شبكة الأمان المقدمة للبنوك تساعد في الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي ومنع حدوث ذعرٍ بنكي، إلا أنّ لها جانباً مظلماً خطيراً في المقابل. من الناحية الأولى، فإنّ تدخل الحكومة من أجل إنقاذ البنوك المتعثرة يزيد من مخاطر الأخلاق Moral Hazard لدى البنوك ويدفعها لتحمل المزيد من المخاطر. على سبيل المثال عندما تضمن الحكومة أموال مقرضي البنك وتحميهم، ستمكّن البنك بذلك من الاقتراض بشكلٍ كبير وبشروطٍ ميسّرة والعمل عند مستوى عالٍ من الرافعة الماليّة، بالتالي سيزداد خطر فشله عمّا سيكون عليه الحال لولا وجود هذه المساعدات الحكومية. كما أنّ حماية الحكومة للمودعين وذلك بضمان ودائعهم، سيضعف من الحافز لدى المودعين لمراقبة أنشطة البنك وسحب ودائعهم في حال انخراط البنك في نشاطاتٍ خطرة. بالتالي يدرك البنك بأنّه قادر على تحمل المزيد من المخاطر بدون وجود محاسبة من قبل المودعين وهو ما سيزيد من احتمالية فشله أيضاً.
من ناحية أخرى، من غير العادل أن يتحمّل دافعوا الضرائب مسؤولية أخطاء البنوك وفشلها. فالمبالغ التي تقدمها الحكومة كمساعدات للبنوك المتعثرة هي بالأساس أموال دافعي الضرائب، وكان يمكن أن تُستخدم في خلق فرص عملٍ جديدة في القطاعات المنتجة من الاقتصاد بدلاً من توجيهها لإنقاذ البنوك.
من الانتقادات المثيرة للاهتمام أيضاً لمبدأ Too Big To Fail هو عدم وجود معيار موضوعي لتحديد أي من المؤسسات المالية هي أكبر من أن تفشل والتي سيكون لفشلها آثار سلبية على الاقتصاد. فهل يتم هذا التحديد باستخدام معيار الحجم أو التعقيد أو تداخل المؤسسة مع باقي المؤسسات. في هذا السياق قد يكون من الجدير ذكر مبدأ آخر مشابه لمبدأ "أكبر من أن تفشل"، وهو "متصلة سياسياً بشكل أكبر من أن تفشل" Too Politically Connected To Fail. حيث يعتقد البعض بأن قرار الحكومة المتعلق بإنقاذ أو عدم إنقاذ مؤسسة مالية معينة يستند إلى القوة والعلاقات السياسية لهذه المؤسسة، ومدى تأثيرها على القرارات الحكومية.
نظراً للآثار السلبية لوجود مؤسسات أكبر من أن تفشل وما يرافقه ذلك من معاملةٍ حكوميّة خاصة لها وارتفاع في مخاطر الأخلاق، طالب العديد من الاقتصاديين والمحللين الماليين باتخاذ إجراءات للحد من ذلك. مقترحين عدة حلول منها تفكيك البنوك والمؤسسات المالية الكبيرة والتي يمكن أن يكون لفشلها آثار خطيرة، أو فرض ضرائب على المعاملات الماليّة وعلى الارتفاع في حجوم البنوك.
يُعتبر قانون Dodd-Frank الذي أصدرته الحكومة الأمريكية في عام 2010 عقب الأزمة الماليّة العالميّة أحد الإجراءات المتخذة للحد من مخاطر البنوك والمؤسسات المالية كبيرة الحجم. حيث يسمح هذا القانون بإجراء إعادة هيكلة أو تسييل فوري منظم للمؤسسات الماليّة ذات الموقف المالي الضعيف، كما يسمح بتفكيك البنوك الكبيرة التي تمثّل تهديداً للاقتصاد. إضافةً إلى تقييد وتنظيم استثمارات البنوك بهدف منعها من الاستثمار في مجالات خطرة. كذلك يُطلب من المؤسسات المالية كبيرة الحجم وفقاً لهذا القانون أن تقدّم خططاً دورية تعرف باسم living will، بحيث توضح هذه الخطط الاستراتيجيات التي ستتبعها المؤسسة لإيجاد حلٍ سريع ومنظم في حال تعرضها لعسر مالي أو فشلها.
المصادر
1 هنا
2 هنا
3 هنا
4 هنا
5 هنا