التاريخ وعلم الآثار > التاريخ
قبرص في التاريخ القديم
نعمة الموقع الاستراتيجي لثالث أكبر جزيرة في البحر الأبيض المتوسط تحولت نقمة رافقتها منذ الأزل، هي قبرص الغنيمة الحتمية لكل ممالك الشرق القديم... نختصر في مقالنا هذا أهم ما مرَ على جزيرة قبرص عبر العصور التاريخية القديمة، فتابعونا....
قبرص جزيرة كبيرة، تقع شرق البحر الأبيض المتوسط على الشرق من اليونان والجنوب من آسيا الصغرى (تركيا حالياً) والغرب من بلاد الشام والشمال من مصر.
الشكل(1): قبرص من الفضاء
وما يزال أصل اسم قبرص محط جدل بين المؤرخين، فتفترض واحدة من النظريات أن الاسم أُعطي للجزيرة بسبب رواسب النحاس الكثيرة فيها، حيث يُعتقد أنه أتى من كلمة نحاس في اللاتينية نظراً لأن كلمة نحاس هي بالإنكليزية copper وفي اللاتينية cuprum (ورمز النحاس في اللاتينية Cu ). بينما تقول نظرية أُخرى والتي تعتمد على أسطورة قديمة بأن الاسم أعطته الآلهة أفروديت للجزيرة (والمعروفة أيضاً باسم كيبريدا Kyprida ) والتي وُلدت في الجزيرة كما تقول الأسطورة.
الشكل (2): حجر أفروديت- قبرص (مكان ولادة الآلهة أفروديت حسب الأسطورة)
لطالما كان للجزيرة أهمية استراتيجية فقد كانت نقطة استراتيجية حتمية لكل القوى العظمى على مر العصور. سيطر على الجزيرة كلٌ من الآشوريين والمصريين والفرس والراشديين والأمويين واللوزينيين وأهل البندقية والصليبيين والإنكليز وأخيراً العثمانيين.
قبرص في العصر الحجري:
يعود أول ظهور للإنسان على الجزيرة للألف السابع قبل الميلاد. كان على الجزيرة قريتان هامتان في العصر الحجري الحديث كلاهما قرب بلدة ليماسول حالياً وهما كالفاساوس وكيروكيتيا واستقر بهما حوالي 3000 و4000 شخص وكان أولَ مكانَ على الجزيرة تشكلَ فيه مجتمع متماسك من البيوت والتنظيم الاجتماعي. في نهاية العصر الحجري الحديث حوالي 3900 ق.م جاءت مجموعة مستوطنين جدد من فلسطين للجزيرة جذبتهم إليها رواسب النحاس الهائلة. بدأ القبارصة بين 3900 و2500 ق.م بالعمل بالنحاس وبدأت الجزيرة بالتطور كقوة اقتصادية في البحر الأبيض المتوسط. وخلال هذا الوقت تفاعل القبارصة مع المصريين بشكل عميق خاصة في الفن، كما استخدم الهيروغليفية العديد من الملوك القبارصة.
قبرص في العصر البرونزي:
كانت فترة العصر البرونزي بين 2500 و1050 ق.م فترة النمو والسيطرة الأجنبية لقبرص. بعد نهاية الحرب مع طروادة وبسبب غزو الدوريان لليونان بدأ الميسينيون الاستقرار بشكل دائم في الجزيرة حوالي عام 1100 ق.م حيث كان على الجزيرة عشر ممالك ميسينية ساحلية. منذ ذلك الوقت بدأ القبارصة يشعرون بالهوية الإغريقية أكثر وتبنوا اللغة والدين الإغريقيين.
كان العصر القديم القبرصي بين عامي 750 و475 ق م مرحلة شائكة لسكان الجزيرة حيث تعاقب عليهم الحكم الآشوري والمصري والفارسي واحداَ تلوَ الآخر. حوالي عام 709 ق.م قام سرجون الثاني الآشوري بفرض الضرائب على القبارصة مقابل الحفاظ على استقلال الجزيرة. وبحلول عام 699 ق.م انخرط الآشوريون بنزاعات أخرى اضطرتهم لمغادرة قبرص. استخدم فرعون مصرأحمس السياسة نفسها التي استخدمها الآشوريون في حكمهم للجزيرة حوالي سنة 560 ق.م.
قبرص في العصور الكلاسيكية:
أتت السيطرة المطلقة للجزيرة على يد الفرس حوالي عام 546 ق.م وقد وصلوا إليها بطريقة غريبة. عندما سمع ملوك قبرص أن الملك الفارسي كورش يتجه غرباً أرسلوا إليه رسالة خضوع، كما وافقوا على تزويده بالقوة العسكرية لمساعدته بغزو كاريا. وافق كورش على عرضهم وبالمقابل منحهم حق صك نقودهم الخاصة واختيار قيادتهم ولكنه أيضاً أرسل قوات ومستوطنين لبسط حكمه في الجزيرة وشرق البحر الأبيض المتوسط.
استمر حكم الفرس للجزيرة إلى أن جاء الإسكندر الأكبر وغزا الإمبراطورية الفارسية وبذلك تغير حكم الجزيرة. بعد وفاة الإسكندر سنة 323 ق.م أصبحت الجزيرة جزءاً من إمبراطورية البطالمة خلال العصر الهلنستي.
بعد موت الإسكندر الأكبر انتقلت قبرص لحكم البطالمة. وتحت التأثير الإغريقي انفتحت قبرص على الثقافة الإغريقية وبالتالي أصبحت هلنستية بشكل كامل.
الشكل (3): ثلاثة رؤوس من العصر الهلنستي، المتحف البريطاني، لندن.
قبرص الرومانية:
عندما أصبح الرومان أعظم قوة في البحر الأبيض المتوسط استحوذت قبرص على تركيزهم لأسباب عدة وأصبحت مقاطعة رومانية عام 58 ق.م عندما سيطر عليها ماركوس كاتو. عانت قبرص تحت الحكم الروماني بسبب سوء الإدارة والضرائب الباهظة. كما عانت الجزيرة وتكبدت خسائر فادحة أثناء حرب كيتوس 115-117 م (أو المعروفة بالحرب الرومانية اليهودية الثانية). قام القائد اليهودي أرتيميون بقتل العديد من القبارصة بما يقدر بحوالي 240000 حسب التقارير إلى أن هُزم من قبل الجيش الروماني عام 117 م، ونتيجة لذلك أصدرت الحكومة الرومانية قانوناً بمنع تواجد اليهود على الجزيرة.
أتى القديس بولس وفارنافاس مع المبشر ماركوس إلى الجزيرة ونشروا المسيحية بين القبارصة. تقبل القبارصة الدين الجديد ولأن الكنيسة القبرصية قد أُنشئت بيد القديسين أصبح لدى الكنيسة القبرصية وما يزال لديها الحق برئيس أساقفة خاص.
بعد انقسام الإمبراطورية الرومانية إلى قسمين خضعت قبرص لحكم الإمبراطورية الرومانية الشرقية أو المعروفة بالإمبراطورية البيزنطية. اهتم البيزنطيون بقبرص بشكل كبير وذلك لموقعها الحيوي بالنسبة لإمبراطوريتهم.
للأسف أثبت موقع قبرص ثانية أنه لعنة على الجزيرة فقد بدأ العرب بغزو الجزيرة خلال استراتيجيتهم لتطويق الإمبراطورية البيزنطية وكان أولها عامي 648/649 م عندما هاجم الخليفة معاوية الجزيرة ودمر مدينة كونستانتيا عاصمتها في ذلك الوقت. كما تكرر ذلك في الأعوام 653/743/806 وأخيراً عام 911 م إلى أن جاء الإمبراطور نقفور الثاني فوكاس واستعاد الجزيرة لحكم الإمبراطورية البيزنطية عام 944-966 م.
الشكل (4): خريطة نادرة جداً لقبرص أصدرت لأول مرة في روما عام 1560م، وأعيد نشرها بعد عامين في 1562 بعد أن تم إعادة رسمها من قبل رسام الخرائط الروماني ماريوس كارتارو، ويظهر أول حرفين من اسمه "M.K" في أسفل الزاوية اليمنى.
المصدر: