الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة
طرقاتنا تمزق الطبيعة -خريطةٌ عالمية جديدة
سيشهد القرن الحالي تخطي عددِ سكان الأرض عتبةَ 9 بليون نسمة، وستتجاوز المساحةُ التي سيتمّ بناؤها خلاله مليون كيلومتر مربع، ومع هذه التغيرات الهائلة سيصبح من الضروري ربط التجمعات السكنية والمدن ونقاط الإنتاج الزراعي والخدمات ببعضها عبر شبكةٍ معقدةٍ من الطرق، ويتوقع بحلول العام 2050 شق نحو 25 مليون كيلومترًا من الطرق معظمها في بلدان العالم النامي.
يدعو العلماء الآن إلى حمايةٍ عاجلةٍ للمساحات التي تحمل أهميةً خاصةً من وجهة النظر البيئية والتي لم تتمزق بعد بفعل الطرق. حيث أظهرت خرائط تم نشرها مؤخراً أن الطرقات تتسبب بخسائر لا يستهان بها في التنوع الحيوي والضرر بالنظم البيئية.
فمن الناحية الكمية أظهر البحث أن الطرقات التي شقها الإنسان قسّمت الأراضي الطبيعية إلى نحو 600 ألف رقعة، تزيد مساحة 7% من هذه الرقع فقط على 100 كم2، فيما لا تتجاوز مساحة الرقعة الواحدة كيلومتراً مربعاً واحداً في نصف العدد الإجمالي من الرقع. ولا تزيد مساحة 80% منها على 5 كم2 مما يعني وصول الإنسان إلى كلّ مكان تقريباً حاملاً معه الضّجيج والتّلوث والضّرر للحياة البرية. ويبدو أن الصحاري والمرتفعات المغطاة بالصخور والجليد إضافةً للتوندرا هي الأقل تأثراً وتقسيماً بفعل الطرق فيما تعاني الغابات المعتدلة والمختلطة التقسيم الشديد.
تضمنت الخارطة التي حصل عليها العلماء نحو 36 مليون كم طولي من الطرق، وقد وظّف الباحثون في إنتاج هذه الخريطة إضافةً لمراجعة نحو 282 ورقةً بحثية، مصادرَ متعددةً أهمُّها المنصة مفتوحة المصدر للطرقات المعروفة باسم ... openstreetmap وهي تتيح للأفراد من جميع أنحاء العالم إضافة البيانات والتفاصيل الخاصة بالطرق عبر خريطة تفاعلية، وقدّر العلماء مسافةً تبلغ 1 كم محيطةً بكل طريق من جميع الجهات على اعتبار أن هذه المساحة هي الأشد تأثراً من الناحية البيئية. وبالإمكان عند التمعن في هذه الخريطة ملاحظة الكثافة الطرقية الشديدة في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا واليابان على الأخص.
تتسبب الطرق بالعديد من الأضرار للطبيعة فهي على سبيل المثال تقطع المجال أمام انتشار الأنواع الحية وانتقالها بشكل طبيعي بهدف التكاثر أو الحصول على الطعام أو الهرب من الخطر. كما تسهم الطرق في نشر الآفات والعوامل الممرضة للأحياء وتزيد من احتمال انجراف التربة وتلوث الأنهار والتجمعات المائية. أما الخطر الأكبر فيكمن في أنها تتيح للإنسان الوصول إلى مناطق كانت بمنأى عن ضرره مما يعني ازدياد قطع الأشجار غير المرخص والصيد الجائر وتآكل الغابات. أضف إلى ذلك أن الطرق تفسح المجال لحصول استثماراتٍ اقتصاديةٍ جديدةٍ مما يعني أعمال بناء أكثر تستدعي مع الوقت شبكة أكثر تعقيداً من الطرق وهو ما يطلق عليه في الاوساط العلمية بعدوى التنمية Contagious Development
ليس هذا البحث هو الأول من حيث اهتمامه بأثر الطرق على البيئة، حيث يبدأ أثر الطريق منذ البدء بإنشائه وطوال فترة استثماره ومرور العربات عليه، وهو كان موضع اهتمام العديد من الدراسات السابقة، إلا أن أهمية هذا البحث تنبع من شموله جميع أنحاء العالم وتقديمه تقييماً لتأثير الطرقات على البيئة على مستوى الكوكب بأكمله.
تبرز مما سبق الحاجة الماسّة إلى إيجاد طرقٍ مبتكرةٍ لإنشاء الطرق وتخطيطها بحيث يمكن استغلال الأراضي الزراعية وتقديم الخدمات للبشر وتجمعاتهم إلى الحد الأقصى مع الحفاظ على النظم الطبيعية التي تشكل أساسا لا غنى عنه.