الفيزياء والفلك > فيزياء
متحديًا الفيزياء، ثاني أكسيد الفانديوم ينقل الالكترونات من دون أن ينقل الحرارة
لطالما حكمت الفيزياء بقوانينها عالمنا الواقعي. فمنذ ولادتها لم تكف الفيزياء عن تقديم تفسيرات لسلوك الطبيعة ووضع قوانينٍ يستحيل على الطبيعة نفسها خرقها. فهل أصبح المستحيل اليوم ممكنًا؟
إحدى تلك القوانين، قانون وضعه العالمان الألمانيان غوستاف هاينريش فيديمان Gustav Heinrich Wiedemann ورودولف فرانتز Rudolph Franz. ينصُّ قانونهما على أن ناقل الكهرباء الجيد هو أيضاً ناقلٌ جيدٌ للحرارة. يُعرف ذلك القانون باسم قانون فيديمان-فرانتز Wiedemann-Franz Law.
في مطلع العام 2017 نشرت مجلة العلوم The Journal Science دراسةً قام بها علماءٌ من قسم الطاقة في مختبر لورنس بيركلي الوطني Department of Energy’s Lawrence Berkeley National Laboratory ومن جامعة كاليفورنيا University of California. تقترح هذه الدراسة بأن إلكترونات ثاني أوكسيد الفاناديوم (VO2) تستطيع نقل التيار الكهربائيّ دون نقل الحرارة معه!
يقول جانكياو وو Junqiao Wu، فيزيائيٌّ في مختبر بيركلي: "هذه النتائج لم تكن متوقعةً أبداً. إذ أنها تُظهر فشل أحد القوانين التي عُرفت بأثرها على النواقل التقليدية. هذا الاكتشاف ذو أهمية كبيرةٍ، فهو يساعدنا في فهم التصرف الإلكترونيّ الأساسيّ في النواقل الجديدة."
أثناء قيامهم بهذه الدراسة، تعاون الفيزيائيّ جانكياو وفريقه مع الفيزيائيّ أوليفيَّر ديلير Olivier Delaire من مختبر أوك ريدج الوطني Oak Ridge National Laboratory ومع أحد البروفيسورات المساعدين في جامعة ديوك Duke University. شملت الدراسة نتائجَ عملياتِ محاكاةٍ وتجارب بعثرةٍ باستخدام الأشعة السينية. استطاع الفريق من تلك المعلومات استخراج نسبة الناقلية الحراريّة للمعدن إلى الفونونات (اهتزازات بنية المادة الكريستاليّة) وإلى حركة الإلكترونات. المفاجأة كانت أنَّ نسبة الناقلية الحرارية إلى حركة الإلكترونات كانت أصغر بعشرِ مراتٍ من النسبة التي تنبأ بها قانون فيديمان-فرانتز.
تتحركُ الإلكترونات في ثاني أوكسيد الفاناديوم (VO2) بشكلٍ مُستمر تماماً كالسائل، على عكس حركتها ضمن المعادن الأخرى حيث تضطر الإلكترونات إلى القفز هنا وهناك تبعًا لبنية المعدن الميكروسكوبيّة. إن الحركة العشوائيّة للالكترونات هي الّتي تؤدي إلى الاحترار (انبعاث الحرارة). فالمعادن العادية تُعتبر نواقلَ فعّالةً للتيار الكهربائيِّ لاحتواءها على فجوات كثيرةٍ يُمكن للإلكترونات الإنتقال بينها. أما في حالة في ثاني أوكسيد الفاناديوم، فالإلكترونات ليس لديها خياراتٌ كثيرةٌ سوى السير بخطٍ مُنتظمٍ كالجنود.
هناك العديد من المعادن التي تُعتبر نواقل جيدةً للتيار الكهربائيّ ولا تنقل الحرارة بشكلٍ كبير. ولكن تلك المواد تمتلك تلك الخواص عند درجاتٍ حرارةٍ منخفضةٍ جداً (أحياناً تحت المئة درجةٍ مئويةٍ تحت الصفر)، الأمر الذي يجعل استخدام هذه المواد في الحياة العادية صعباً. لذلك فإنّ ثاني أوكسيد الفاناديوم في هذه الحالة يُعدُّ البطل المنقذ، لأنه يتحول من عازلٍ إلى ناقلٍ للتيار الكهربائيّ عندما تصل درجةُ حرارته إلى 67 درجةٍ مئويةٍ.
واللمثير للاهتمام بالفعل، هو أنَّ الناقليّة الكهربائيّة والناقليّة الحرارية لثاني أوكسيد الفاناديوم المعدنيّ قابلةٌ لللضبط واللتوليف. فقد لاحظ العلماء أن ناقليّة المعدن الحراريّة تزداد عند مزجه مع التنغستن المعدنيّ. بالمقابل، فإن الحرارة اللازمة لتحويل ثاني أوكسيد الفاناديوم إلى معدن انخفضت عند مزجه مع التنغستين المعدنيّ. هذه الخواص تسمح للعلماء بتحويل ثاني أوكسيد الفاناديوم إلى ناقل أو عازلٍ بحسب المهمة المُراد إنجازها.
يعتقد بعض الباحثون أن مواداً كهذه تسمح لنا بتبريد أو حتى بتسخين المحركات، كما يُمكن استعمالها لتحسين كفاءة استعمال الطاقة في المباني. إذ أنَّ ثاني أوكسيد الفاناديوم شفافٌ في درجاتِ الحرارة الّتي تقل عن 30 درجة مئوية، وهو أيضاً ماصٌ للأمواج التحت الحمراء في درجاتِ الحرارة الّتي تفوق 60 درجةٍ مئويةٍ. فإذا تمكّن العلماء من تطوير زجاجٍ ذكيّ من ثاني اوكسيد الفانديوم. فإنه يمكن لهذا الزجاج أن يمنع دخول أشعة الضوء تحت الحمراء (الحرارة) دون عرقلة الضوء المرئي، أليس هذا رائعًا؟
يقول الباحث المساعد في هذه الدراسة الأستاذ الدكتور فان يانغ Fan Yang: "بسبب ناقليتها العالية في درجات الحرارة المرتفعة، يمكن لتلك المادة أن تخفض درجة الحرارة في الصيف الحار، وأن تحافظ على الحرارة في الشتاء البارد، بسبب ناقليتها الضعيفة للحرارة في درجات الحرارة المنخفضة."
المصدر: هنا